القاهرة – في محيط المفوضية العليا للاجئين بمدينة “6 أكتوبر” بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة، يقف مبارك علي، الوافد حديثا إلى القاهرة وخلفه 5 من أفراد أسرته، في انتظار الحصول على صفة “لاجئ”، ويقول إنها ستكون الصفحة الأولى في كتاب معاناته.
يستدرك علي سريعا ويقول للجزيرة نت “عفوا الصفحة الأولى بدأت من الخرطوم قبل نحو شهرين وربما سنوات من الفساد والضياع”.
لا يعرف علي أن الحكومة المصرية وافقت على مشروع قانون جديد ينظّم اللجوء إلى مصر. ولا يبدو الرجل متفائلا لكنه يقول “إن الأشقاء في مصر لن يتركونا وحدنا” مشيرا إلى باقي أفراد أسرته الذين أقاموا “خيمة صغيرة” في محيط مفوضية اللاجئين بعد أن طال الانتظار هناك.
أما ضحى التي اكتفت بذكر اسمها الأول، فاشتكت مما سمّته “سوء التنظيم”، وتحدثت عن “قسوة غير مبررة من بعض رجال الأمن”. وعبّرت، في حديثها للجزيرة نت، عن أملها في أن يسهم القانون الجديد -الذي لم تعرف تفاصيله- في إنهاء معاناتها سريعا.
وقالت ضحى إنها تتفهم “حق الأشقاء المصريين في التنظيم”، لافتة إلى أن أعدادا هائلة من النازحين ترى أن مصر هي المكان الأفضل على الأقل في المرحلة الحالية.
وتؤكد ضحى أنها ستتحرك على الفور لتوفيق أوضاع أسرتها طبقا للقانون الجديد، مشيرة إلى أنها تعمل في مجال بيع الملابس الجاهزة ولديها أقارب يمتلكون في القاهرة محال تجارية مرخصة.
تقنين الأوضاع
وفي تحرك لافت وُصف بأنه انعكاس لاستمرار الاضطرابات في السودان، جاء مشروع قانون أقرته الحكومة المصرية لـ”تنظيم لجوء الأجانب وإنشاء لجنة لإدارة شؤونهم في البلاد”.
ووافق مجلس الوزراء المصري خلال اجتماعه أمس الأربعاء على مشروع القانون، الذي يلزم اللاجئين وطالبي اللجوء بتوفيق أوضاعهم خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية.
وحسب مشروع القانون، يجوز لرئيس الوزراء المصري تمديد المدة المشار إليها لفترة مماثلة، في حين تصدر الحكومة اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به.
كما نصّ مشروع القانون على أن تكون اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين ذات “شخصية اعتبارية” وجهة مسؤولة عن شؤون اللاجئين، بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بهم.
وتتولى اللجنة التنسيق مع وزارة الخارجية المصرية، والتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات وكافة الأجهزة في مصر، لضمان تقديم الدعم والخدمات للاجئين.
واعتبر عضو مجلس النواب أحمد ناجي أن مشروع القانون الذي سُيحال إلى البرلمان “يأتي انسجاما مع إيمان مصر بحقوق الإنسان قلبا وقالبا”. وقال للجزيرة نت إن التحرك يؤكد نوايا القاهرة بشأن هذا الملف واحترام الإنسان سواء كان مصريا أو غير مصري.
وذكر ناجي أن تقنين أوضاع اللاجئين يحفظ حقوقهم وفي الوقت نفسه يحمي البلاد من تبعات أي لجوء غير قانوني أو خروج على النظام. كما قال إن الدولة المصرية “تقدّر المخاطر الراهنة بسبب الحروب في العديد من الدول خاصة لدى الأشقاء في السودان، لكن على الدول تسهيل عودة مواطنيها فور انتهاء الظروف الراهنة”.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري أن مصر تحتضن نحو 6 ملايين لاجئ وتوفر لهم سبل العيش والرعاية والدعم الكامل.
كما صرّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا بأن حكومته “على عكس بعض البلدان الأخرى، لا تحتجز المهاجرين في مخيمات، لكنها تسمح لهم بالعيش بحرية في المجتمع”.
9 ملايين لاجئ من 60 دولة
وتقدّر المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أعداد المهاجرين الذين يقيمون في مصر بأكثر من 9 ملايين شخص، ينتمون لنحو 60 دولة. وهي أرقام مرشحة للزيادة، حسبما قالت المسؤولة في مفوضية اللاجئين بالقاهرة كريستين جورج للجزيرة نت. وأشارت إلى أن اندلاع النزاع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع يوم 15 أبريل/نيسان الماضي أدى إلى موجات كبيرة من اللجوء إلى مصر.
واعتبرت أن تعديل اللوائح المنظمة للاجئين خطوة مهمة، لكنها قالت إن التفاصيل ستتضح بعد إقرار البرلمان للقانون.
ووفق كريستين جورج، فإن المهاجرين من السودان وسوريا واليمن وليبيا يشكلون 80% من اللاجئين المقيمين حاليا في مصر، معتبرة أن “الخطاب الإيجابي لحكومة القاهرة تجاه اللاجئين يمثّل عامل جذب للمهاجرين وطالبي اللجوء”.
وبحسب إحصاءات مفوضية اللاجئين، استقبلت مصر منذ بدء الاقتتال في السودان وحتى نهاية مايو/أيار الماضي أكثر من 170 ألف لاجئ، بينهم 164 ألف سوداني. وغالبية اللاجئين في مصر من سوريا تليها السودان وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال.
“قف أو نطلق النار”
ورغم أن مصر توصف بأنها قبلة مهمة للاجئين، فإن الحقوقي في مركز “الجنوب للبحوث” سليمان السعيد يشير إلى أنها لا تزال محل انتقاد العديد من المنظمات الحقوقية بسبب سياسة التعامل مع هذا الملف الإنساني.
وقال السعيد إن “اللوائح المنظمة للهجرة غير النظامية قاصرة في تأكيد حقوق مهمة للاجئين”، موضّحا أن “القانون المصري القديم يفتقر إلى ضمانات لحقوق طالبي اللجوء وكذلك لحرية التنقل والتعليم، كما لا يضمن الحماية من الإعادة القسرية، وهي ترحيل المهاجر إلى دولة قد يتعرض فيها لضرر جسيم”.
ووصف السعيد مشروع القانون الجديد، حسب التفاصيل التي أعلنتها الحكومة، بأنه مجرد لائحة تنظيمية ولا يقدم جديدا، مشددا على ضرورة طرح البنود للنقاش العام قبل إقراره من البرلمان. وذهب إلى أن الحكومة ربما تحركت “لضبط الأمور وتحصيل رسوم بالدولار واللعب بورقة اللاجئين أمام المنظمات الدولية والجهات المانحة”، على حد تعبيره.
وطالب الحقوقي الحكومة والبرلمان بالتأكيد في القانون الجديد على إزالة أي غموض بشأن مقاضاة المهاجر أو احتجازه أو التعامل معه كمجرم، مشددا على أن طالب اللجوء ضحية وقد يقع في شباك عصابات الاتجار بالبشر.
وأشار إلى أن مصر طرف في “اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين” وبروتوكولها لعام 1967 الذي يكفل مبدأ عدم الإعادة القسرية.
كما اعتبر السعيد أن بيئة العمل في مصر تعد مناسبة للعديد من فئات المهاجرين خاصة “العمالة غير المنتظمة” من السودان وإريتريا ودولة جنوب السودان. غير أنه اعترف بصعوبات قال إنها ستظهر في الفترة المقبلة بسبب ارتفاع معدلات البطالة بين المصريين.
وأشار إلى أن عدد الطلاب المهاجرين واللاجئين المسجلين في الجامعات المصرية للعام الدراسي 2020-2021 بلغ 102 ألف طالب، معظمهم من الجنسيات العربية. وأوضح أن الدراسة في جامعة الأزهر تعد أحد عوامل الجذب للمهاجرين، و”هؤلاء يساهمون في إنعاش ونمو الاقتصاد، وليسوا خصما له كما يروج البعض”.
وحتى صدور القانون الجديد يظل العمل قائما بموجب مذكرة تفاهم وقعتها الحكومة المصرية مع مفوضية اللاجئين عام 1954. ولا يشمل القانون القديم مصطلح “لاجئ”، إنما “مهاجر”، وفق السعيد الذي أشار إلى أن الشرطة المصرية ربما لا تزال تتبع سياسة “قف أو نطلق النار” لضبط الحدود، وليس واضحا إن كان هذا سيتغير.
وقتلت قوات الأمن المصرية 15 مهاجرا أفريقيًّا في وقائع منفصلة بسيناء في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وفي عام 2005 فضّت بالقوة اعتصاما للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين كانوا يحتجون أمام مقر مفوضية اللاجئين بالقاهرة طلبا لإعادة التوطين في بلدان أخرى، مما خلف 20 قتيلا على الأقل.
عالقون وعرضة للانتهاكات
ويشير الحقوقي سالم عياد إلى أن بعض طالبي اللجوء انتظروا لأكثر من 3 سنوات لفحص طلباتهم، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من طالبي اللجوء العالقين هم من السوريين الذين يقضون شهورا بلا مأوى في الشوارع بسبب ما سماها “التجاذبات السياسية”، وهم “عرضة لكل أشكال الانتهاكات”.
ويأمل عياد أن يضع القانون الجديد حدا لمثل هذه الانتهاكات ويدفع الحكومة للقيام بمسؤولياتها. وقال عياد للجزيرة نت إن ترك اللاجئين في الشوارع هو نوع من إطلاق النار عليهم بالفعل.
وبينما يجري العمل لإصدار القانون الجديد، يقف مئات السودانيين بمحيط مفوضية اللاجئين في مدينة “6 أكتوبر” حاملين بطاقات ملونة، كل حسب وضعيته القانونية.
ومعظم الأوراق كانت باللون الأصفر الذي يشير إلى أن المتقدم لا يزال يحمل صفة “ملتمس” وليس “لاجئا”، كما يقول آدم أحمد للجزيرة نت، وهو أحد أعضاء فريق يساعد السودانيين.
ويقول أحمد إن الحصول على صفة “لاجئ” قد يستغرق شهورا طويلة؛ فهناك مقابلات متعددة مع مسؤولي المفوضية، ورحلة بحث طويلة عن أوراق ثبوتية ضاعت بسبب الحرب، معربا عن أمله في أن تتجاوز السلطات المصرية هذه التعقيدات في القانون الجديد.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.