بيروت – في جلسة انطوت على الكثير من الدلالات والرسائل السياسية، فشل البرلمان اللبناني اليوم الأربعاء للمرة الـ12 في انتخاب رئيس للجمهورية يملأ الشغور المستمر منذ نحو 8 أشهر.
وكان أبرز المرشحين هما زعيم تيار المردة سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما، والوزير الأسبق والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور المدعوم من القوى المسيحية الكبرى (التيار الوطني الحر وحزبي القوات والكتائب) والحزب التقدمي الاشتراكي فضلا عن مستقلين آخرين.
وانعقدت الجلسة بعد اكتمال النصاب، الذي يتطلب حضور 86 نائبا من أصل 128 هم مجموع عدد مجلس النواب. وانتهت الجلسة بدورتها الأولى دون أن يتمكن أحد المرشحين من الحصول على ثلثي الأصوات.
وجاءت النتيجة كالآتي: 51 صوتا لصالح سليمان فرنجية، و59 صوتا لصالح جهاد أزعور.
وتوزعت الأصوات الـ18 الباقية كالآتي: 6 أصوات للوزير السابق زياد بارود، و8 أصوات لحملة شعار “لبنان الجديد”، وصوت واحد لقائد الجيش جوزيف عون أدلى به النائب إيهاب مطر، وآخر لجهاد العرب (ملغى)، وورقة بيضاء، إضافة إلى “صوت ضائع”.
وقطع نواب ثنائي حزب الله وحركة أمل مع حلفائهما الطريق على خصومهم في الفوز خلال الدورة الثانية التي كانت تتطلب حضور 65 نائبا، إذ انسحبوا واحدا تلو الآخر بعد الإدلاء بأصواتهم، فانتهت عملية التصويت بفقدان نصابها.
ومثل معظم المرات السابقة، انتهت هذه الجلسة بحالة من الفوضى والاعتراضات ومطالبة بعض النواب بإعادة الفرز أو إعادة التصويت، بعد أن تبيّن أن هناك ورقة ضائعة. لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري رفض ذلك، وانسحب من الجلسة، قائلا إن هذا الصوت لن يغير النتيجة والجلسة فقدت نصابها.
مشاهدات الجلسة
ميدانيا، أحاط الجيش اللبناني والشرطة البرلمان بإجراءات أمنية مشددة، تسهيلا لوصول مواكب النواب.
وداخل القاعة البرلمانية قبيل انعقاد الجلسة التي لم تستغرق أكثر من ساعة، رصدنا بعض المحادثات الجانبية والإطراءات بين الخصوم، التي تخالف في مشهدها حالة المواجهة الشرسة التي تطغى على خطاباتهم، مثل ما فعل بعض نواب القوى المسيحية الكبرى مع بعضهم بعضا، ومع النائب طوني سليمان فرنجية، الذي كان حضوره طاغيا لكونه نجل المرشح للرئاسة والمتحدر من بيت سياسي تقليدي له طموحات كثيرة، تعود جذورها إلى جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية.
ولم تُخف حالة التشنج بين نواب التيار الوطني الحر (جبران باسيل) بعد صراع طويل بين بعض نوابه الذين كانوا يرفضون التصويت لأزعور، فتراجعوا عن ذلك بعد تلويح باسيل بعقابهم الحزبي باستثناء النائب إلياس بو صعب الذي بقي مصرا على عدم التصويت لأزعور.
أما نواب “تكتل التغيير”، فقد ترجمت الأصوات حالة الانقسام التي تسود صفوفهم، بين من صوّت لأزعور، ومن صوت للوزير الأسبق زياد بارود.
عمليا، خرج كل طرف في هيئة المنتصر، رغم إدراكهما أن وظيفة هذه الجلسة لم تكن لانتخاب رئيس، بل لتحديد حجم كل منهما خلف الاصطفاف القائم.
ومن جانبهم، اعتبر داعمو أزعور الذين وفروا تقاطعا مسيحيا حوله، أن الاستجابة للإجماع المسيحي ضرورة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وأن هذه النتيجة ستؤسس الكثير للمرحلة اللاحقة.
في المقابل، وجد داعمو فرنجية أنه نال أصواتا أكثر مما توقع خصومه، وأن أزعور نال أقل مما توقعوا له أيضًا، ويعتبرون أن انتصارهم يأتي بمعنى التكتل الصلب والثابت حول فرنجية وتكريسه مرشحا قويا لا مرشحا تقاطعيا.
مواقف وتصريحات
بعد الجلسة، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إن انتخاب رئيس للبلاد لن يتحقق إلا بالتوافق، ودعا إلى سلوك طريق الحوار دون شروط، وألا يُلغى حق أحد في الترشح، مشددا على أهمية أن يكون الحوار تحت سقف الدستور، وأن يحافظ على ما وصفها بالميثاقية والشراكة.
من جهته، قال المرشح جهاد أزعور “أتمنى أن يكون المشهد الجديد حافزًا على التلاقي على خيار إخراج لبنان من الأزمة من خلال احترام ما عبّر عنه غالبية النواب”.
في حين، غرّد النائب طوني سليمان فرنجية مرفقا صورة والده بالقول “تقاطعت كل التناقضات.. فانظروا ما أنجبت”، متابعا “لا بديل عن الانفتاح والوحدة بوجه الكراهية والإقصاء والانقسام، هذا ما أكدته نتيجة اليوم التي أتت انتصارًا لهذا النهج”.
وفي باحة مجلس النواب، قال النائب عن حزب القوات اللبنانية غياث يزبك إن “هذه الجلسة بالنسبة لنا هي مقدمة لمزيد من الدعم والبحث مع المعارضين، مع تقاطعنا مع التيار الوطني الحر والكتائب والاشتراكي وبعض المستقلين، حتى نتمكن من إيصال مرشحنا إلى الرئاسة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد نائب القوات أنهم ماضون في دعم أزعور، وأن الأصوات التي حققها كانت كافية لتكريسه منافسا قويا، وأنهم لا يفكرون راهنا في الانتقال إلى مرحلة البحث عن مرشح ثالث، مضيفا “نحن نرفض الحوار مع حزب الله وحركة أمل تحت أي مظلة حاليا”.
أما نائب “حركة أمل” قاسم هاشم، فأكد للجزيرة نت “لم نتوقع أن تكون النتيجة أفضل من ذلك، وهي فاقت المعطيات لدينا، وقد أصابت خصومنا بخيبة بعدما كانوا يراهنون على أن مرشحهم سينال من الدورة الأولى نحو 65 صوتا”.
ولدى سؤاله عن مدى مضيهم في دعم فرنجية في المرحلة المقبلة، أجاب هاشم “ترشيحنا لفرنجية مبدأي وليس آنيا أو مصلحيا، كما حصل في تبني المرشح الآخر مع خصومنا الذين تقاطعوا على إسقاط مرشحنا”.
وأوضح أن نبيه بري كان أول من دعا إلى الحوار قبل الوصول إلى مرحلة الشغور، مضيفا “وحاليا نقبل بحوار تحت مظلة البطريرك الراعي، ولكن من دون شروط علينا من الطرف الآخر”.
بدوره، صوّت النائب المستقل عبد الرحمن البزري للوزير الأسبق زياد بارود مع 5 آخرين، تعبيرا عن رفضهم خياري أزعور وفرنجية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول البزري “صوتنا لزياد بارود لنقول إن هناك خيارا ثالثا موجودا، ونجد أن الجلسة ستطوي صفحة أزعور- فرنجية، ولن يكون الحل إلا بحوار داخلي بدل انتظار تسويات خارجية”، مضيفا “رغم كل الضغوط التي نتعرض لها، سنبقى صامدين ضد أي محاولة لجذبنا إلى اصطفاف لن ينتج رئيسا”.
ماذا بعد الجلسة؟
وفي لبنان الذي اختبر مرارا الشغور الرئاسي في أعوام 1988 و2007 و2014 و2022، يتساءل كثيرون عن مصير هذا الشغور، مع بلوغ الاستقطاب السياسي ذروته حول المرشحين.
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية إنه كان يتوقع أن ينال أزعور أصواتا أكثر من ذلك، مما يجعل حظوظه في الرئاسة مشكوكا فيها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف قمورية “رغم أن فرنجية نال أكثر مما توقع له خصومه، فإن حظوظه الرئاسية مشكوك فيها، إذ لن يتمكن داعموه من نيل تأييد برلماني بالأصوات أكثر من ذلك حتى يخوله أن يكون رئيسا”.
ويتوقع المحلل أن يخرج فرنجية من السباق لاحقا، وأن يؤدي ذلك لسقوط التقاطع حول أزعور، مضيفا أن “الشغور سيستمر باستمرار المعادلة القامة”.
ورجح أن يلعب البطريرك الماروني دورا في ردم الفجوة بين الطرفين، وعلى قاعدة لا يمكن انتخاب رئيس من دون التوافق مع حزب الله، كما دعا لترقب نتائج حركة الموفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان، ومواقف أطراف القوى العربية والدولية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.