كشفت وثائق أرشيفية تتعلق ببناء المستوطنات رفعت عنها السرية أخيرا أن إسرائيل أقدمت على تسميم أراض فلسطينية في الضفة الغربية بغية طرد سكانها وبناء مستوطنات عليها، وفق تحقيق نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
وقالت الصحيفة إن التفاصيل الكاملة لتسميم الأراضي الفلسطينية كُشف عنها الآن بعد مضي 51 عاما على القضية بفضل مشروع جديد لجمع وفهرسة البيانات التاريخية المتاحة المتعلقة بالمستوطنات يقوم به مركز “تاوب للدراسات الإسرائيلية” (Taub Center for Israel Studies) التابع لجامعة نيويورك.
وكشفت الوثائق تفاصيل مناقشات وقرارات فرقة يهودا والسامرة التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي المتعلقة بإنشاء مستوطنة في الضفة الغربية خطوة بخطوة، من التخطيط إلى التنفيذ.
وكانت الخطوة الأولى هي تجريد سكان القرية الفلسطينية المجاورة من أراضيهم بحجة تحويلها إلى منطقة تدريب عسكري، وعندما أصرّ سكان القرية الفلسطينية على البقاء وزراعة أرضهم قام الجيش الإسرائيلي بإتلاف أدواتهم الزراعية وتدمير محاصيلهم.
وعندما فشلت كل تلك الأساليب في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، لجأ جيش الاحتلال إلى حل جذري حيث استخدم آليات زراعية لرش الأرض بمواد كيميائية سامة قاتلة للحيوانات وخطرة على البشر.
ووفق هآرتس، فإن خبر تسميم أراضي القرية الفلسطينية تصدّر عناوين الصحف لفترة وجيزة في عام 1972 عندما تناولتها وسائل الإعلام الأجنبية، لكن ذلك لم يمنع إسرائيل من إقامة مستوطنة جيتيت على أراض صودرت من أهالي قرية عقربا التي سمّم أرضها جيش الاحتلال.
والمشروع الأرشيفي يميط النقاب عن ممارسات الحكومة والجيش الإسرائيليين خلال السنوات الأولى للمشروع الاستيطاني، وتمكن القائمون عليه من فتح آلاف الملفات التي ظلت قيد السرية من أرشيف السلطات الإسرائيلية ومكتباتها وجعلها في متناول الناس.
إتلاف المزارع والمحاصيل
وتشير هآرتس إلى أن الملفات العسكرية في أرشيف الجيش الإسرائيلي تتضمن وثائق توضح تفاصيل عملية تسميم أراضي قرية عقربا. وتعود الوثيقة الأولى في الملف إلى يناير/كانون الثاني 1972، عندما أمرت القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي لواء وادي الأردن بضمان “عدم زراعة أي أرض” فلسطينية، ووجهت باستخدام وسائل من بينها استخدام المركبات العسكرية لتدمير المزارع القائمة.
وتكشف وثيقة أخرى يعود تاريخها لشهر مارس/آذار من العام نفسه أن تلك المهمة لم تنجح، كما تكشف عن قيام مسؤول إسرائيلي في مقر شعبة السامرة في الجيش الإسرائيلي باستدعاء رؤساء القرى الفلسطينية وقادة العشائر لتذكيرهم بضرورة “عدم انتهاك التعليمات” وتهديدهم بأن محاصيلهم سيتم إتلافها إذا خالفوا تلك الأوامر، وتهديدهم كذلك بالملاحقة القضائية بسبب دخولهم غير المرخص إلى منطقة (عسكرية) مغلقة.
وتشير الوثائق إلى أن الجيش اتخذ خطوة أخرى في أبريل/نيسان 1972، وكان عنوان النقاش الذي دار في القيادة المركزية لجيش الاحتلال، بمشاركة ضباط وممثل عن إدارة المستوطنات في الوكالة اليهودية ومسؤول أملاك الغائبين، هو “رش المناطق غير النظامية في قطاع تل تال” وهي المنطقة التي بنيت فيها فيما بعد مستوطنة جيتيت.
ووفقا للوثيقة، فإن الاجتماع عقد لتحديد “المسؤولية والجدول الزمني لرش” الأراضي الفلسطينية بمواد سامة. وتتضمن الوثيقة تحذيرا من دخول أي شخص المنطقة لمدة 3 أيام بعد عملية الرش خشية الإصابة بالتسمم، كما لا يسمح للحيوانات بدخول المنطقة لمدة أسبوع كامل بعد عملية رش المواد الكيميائية السامة.
وتكشف الوثيقة أيضا أن ضابط أركان بالجيش الإسرائيلي قدّر الأضرار التي لحقت بسكان القرية الفلسطينيين بسبب رش المواد السامة بنحو 12 ألفا إلى 14 ألف جنيه إسرائيلي، وهو ما يعادل قرابة 25 ألف دولار أميركي اليوم.
وأسندت إلى الوكالة اليهودية مهمة الحصول على طائرة تقوم برش المواد الكيميائية السامة، وكُلِّف ممثلها بالتنسيق مع شركة تدعى “شمير” (Chemair) متخصصة في رش المحاصيل الزراعية.
ويؤكد محضر اجتماع آخر عقد في وقت لاحق من الشهر نفسه أنه “لا يوجد اعتراض من القيادة على تنفيذ عملية الرش كما هو مخطط له”، ويضيف “سيتأكد حارس الممتلكات الغائبة من أن حدود المنطقة محددة بدقة وسيقوم بتوجيه الطائرة وفقا لذلك”.
رسالة من عمدة البلدة
وكشفت الوثائق أيضا عن رسالة توجّه بها عمدة قرية عقربا إلى وزير الدفاع الإسرائيلي حينئذ موشيه ديان في 14 مايو/أيار 1972، وقد ورد نص الرسالة في الملف باللغة العبرية، وذلك يعني أنها قد ترجمت من قبل الجهات العسكرية، وفق هآرتس.
وتشير الرسالة إلى أن “هناك 4 آلاف شخص في القرية، ويزرعون 145 ألف دونم من الأراضي الزراعية”. ويقول العمدة في رسالته إن السلطات أحرقت محاصيل القمح وصادرت الأراضي، ولم يتبق لسكان القرية سوى 25 ألف دونم. ويضيف أن “الضرر لا يحتمل؛ كيف سنتمكن من توفير الغذاء لأنفسنا؟”، ويطالب العمدة في رسالته بإلغاء بناء المستوطنة على أرض القرية كما يطالب بالسماح للفلسطينيين في البلدة بالاستمرار في زراعة أرضهم لأن ذلك من مقتضيات القانون والعدالة.
وتقول هآرتس إن الوثائق تشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أكمل المهمة، واستولى على الأراضي الفلسطينية في مايو/أيار 1973، وأقام بؤرة استيطانية دائمة محلها.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.