كشف الفيلم الوثائقي -الذي بثته قناة الجزيرة ليل الجمعة (2023/6/30)- عن أسرار تتعلق بمجموعة فاغنر الروسية وخاصة ارتباطها بالكرملين وطرق التجنيد في صفوفها، ومناطق انتشارها في مختلف دول العالم.
وتستمد مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة اسمها من لقب مؤسسها ديمتري أوتكين، وهو من قدامى المحاربين في القوات الخاصة الروسية، إذا كان فاغنر هو الاسم الحربي لهذا الرجل في فترة خدمته في الجيش الروسي.
وأظهر الفيلم الوثائقي -الذي حمل اسم “فاغنر”- دور الرجل الثري وصاحب النفوذ يفغني بريغوجين في تمويل فاغنر وتحويلها من مجموعة صغيرة من المقاتلين إلى جيش بهذا الحجم. فبعد أن قضى 8 سنوات في السجن، امتلك بريغوجين مطعما قبل أن يراكم ثروة طائلة مع بداية الألفية الثانية، حيث صار مكلفا بتموين المطاعم المدرسية في موسكو وثكنات وزارة الدفاع الروسية. وبفضل هذا النشاط وقربه من السلطات اكتسب اسم طباخ فلاديمير بوتين (الرئيس الروسي).
فاغنر وارتباطها بالكرملين
وتمكن فريق التحقيق من التوصل إلى عناصر في فاغنر للإدلاء بشهادتهم حول عملياتها وحول طرق تجنيدها. ومن بين هؤلاء مقاتل اسمه فاسيلي ينتقل بانتظام إلى دونباس (شرقي أوكرانيا) للقتال إلى جانب الانفصاليين، وفي روسيا يشرف على تدريب وتجنيد مقاتلين آخرين.
أما المقاتل السابق في مجموعة فاغنر، مارات غابيدولين فقد أرسل بحكم خبرته العسكرية عام 2015 إلى سوريا، وهي من مناطق الانتشار الرئيسية للمجموعة الروسية. ويقول في شهادته “لقد حدثونا عن رجل عظيم اسمه بشار الأسد.. قالوا إنه رجل طيب يحاول وحيدا مع جيشه البطل محاربة الإمبريالية العالمية وهو بحاجة للمساعدة”.
وفي سوريا، قاتلت قوات فاغنر في البداية إلى جانب الجيش السوري ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ثم كلف مارات وزمرته بمهمات أخرى مثل استعادة حقول النفط والغاز وتأمينها. وفي 8 فبراير/شباط 2018 شنوا هجوما على محطة للطاقة في دير الزور وهناك اصطدموا بالقوة التي كانت تسيطر عليها من الأكراد الذين تدعمهم واشنطن. ويعتقد أن 200 من عناصر فاغنر قتلوا حينها.
ورغم انتشار مقاتلي فاغنر في جميع أنحاء العالم، على مدى السنوات الثماني الماضية، في أوكرانيا ومدغشقر وموزمبيق والسودان وفي جمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا وليبيا، يصر الرئيس بوتين على عدم الاعتراف بوجود فاغنر، ويقول أستاذ الجغرافيا السياسية والدراسات السلافية، كيفين ليمونيي إن عدم اعتراف السلطات الروسية بوجود هذا الكيان يعود لتجنبها تحمل مسؤولية أي انتهاكات قد ترتكبها هذه المجموعة.
وسلّط الفيلم الوثائقي الضوء على علاقة مجموعة فاغنر بالسلطات الروسية، وكيف أنها استخدمتها كأداة لتحقيق أهدافها، وهو ما خلص إليه رسلان لفيف، وهو مدير فريق استجلاء كوامن النزاعات، بقوله “إن فاغنر ليست مجموعة أفراد مستقلين بل هي كيان سري تابع للسلطات الروسية”.
كما أن دينيس كروتكوف، وهو صحفي استقصائي روسي معارض وشرطي سابق أيضا، كشف صلة فاغنر بالكرملين، حيث تمكن من إثبات أن مؤسس المجموعة ديمتري أوتكين كان قد حضر حفل استقبال رسميا في الكرملين بحضور الرئيس بوتين في 9 ديسمبر/كانون الأول 2016. وحظي أوتكين بتكريم من طرف بوتين لـ “بطولاته الحربية”، ولكنه لم يظهر مرة أخرى في المناسبات العامة.
خطف واغتيالات
ومن جهة أخرى، تطرق الفيلم الوثائقي إلى انتشار مجموعة فاغنر في أفريقيا الوسطى، وأظهر كيف أن هذا البلد الذي ظل خاضعا للنفوذ الفرنسي وقع تحت سيطرة المجموعة العسكرية الروسية، حيث انتقلت إلى هناك لإنجاز مهمتين هما: مراقبة البلد والسيطرة على الموارد الطبيعية الرئيسية.
مع العلم أن أفريقيا الوسطى تشهد منذ عام 2013 حربا أهلية بين الحكومة المركزية وجماعات متمردة، وفي عام 2018 لم تكن الحكومة تسيطر سوى على نحو 20% من مساحة البلاد، مما جعلها تستنجد بروسيا التي أرسلت لها خبراء لتدريب قوات الجيش النظامي بتفويض من الأمم المتحدة.
وبحسب جون سيرج بوكاسا، وهو وزير داخلية جمهورية أفريقيا الوسطى فقد تغلغلت فاغنر في جميع المفاصل الإستراتيجية في البلاد، وأن شخصا روسيا يتكفل بالجانب الأمني في القصر الرئاسي.
مع العلم أن أفريقيا الوسطى ليست وحدها المستهدفة، فقد حصل فريق التحقيق على وثيقة داخلية لفاغنر تشير بالاسم إلى البلدان الأفريقية المستهدفة.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، وصلت أولى مجموعات مقاتلي فاغنر إلى دولة مالي وأقاموا قاعدة لهم شمال مطار باماكو.
وعلى صعيد آخر، كشف الفيلم الوثائقي عن انتهاكات ارتكبتها المجموعة الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتمكن فريق التحقيق من الحصول على شريط فيديو يعود تاريخه إلى 2 يونيو/حزيران 2021 رصد انتهاكات فاغنر لأول مرة.
وفي تقرير نشر في يونيو/حزيران 2021 نددت منظمة الأمم المتحدة بالانتهاكات التي ارتكبها الروس المعروفون باسم أفراد الأمن. وركز التقرير على حالات، منها رجل اختطف واغتيل في شمال أفريقيا الوسطى، وآخر مسلم اعتقل في بلدة كاغا باندورو وعثر على جثته متفحمة ومقطعة إلى أشلاء.
ومن ضمن الانتهاكات التي ارتكبتها فاغنر، ورصدها الفيلم الوثائقي، شريط فيديو يعود إلى يونيو/حزيران 2017 وتم تصويره في سوريا، حيث أظهر تعرض جندي منشق عن جيش النظام السوري للضرب بمطرقة ثقيلة قبل أن يقوم مقاتلو فاغنر بتقطيع أطرافه وتعليقه من رجليه ثم إشعال النيران في جسده، كما كشف الصحفي الاستقصائي الروسي.
وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على 8 من أعضاء فاغنر من بينهم مؤسس فاغنر ديمتري أوتكين على أساس أنه أمر شخصيا بتعذيب الجندي السوري المنشق حتى الموت وتصوير العملية، ولكن لم يخضع أي شخص للمتابعة في روسيا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.