جوهانسبرغ- اتخذت كتلة “بريكس” التي تضم أكبر الاقتصادات الناشئة عالميا، خطوة كبيرة في توسيع نطاقها ونفوذها مع الإعلان عن دعوة 6 دول أخرى للانضمام بصفة أعضاء جدد.
وتمت دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانضمام بصفة أعضاء كاملي العضوية اعتبارا من مطلع العام المقبل.
وتوسعت الكتلة، التي تشكلت في عام 2009 من البرازيل وروسيا والهند والصين، لأول مرة لتشمل جنوب أفريقيا في عام 2010.
وذكرت وزيرة الخارجية الجنوب أفريقية ناليدي باندور، أن الكتلة تسعى إلى إنشاء تحالف قوي من الدول النامية التي يمكنها وضع مصالح الجنوب العالمي بشكل أفضل على جدول أعمال العالم.
وكانت أكثر من 40 دولة قد أعربت قبل بدء القمة السنوية للتكتل في جنوب أفريقيا الثلاثاء 22 أغسطس/آب الجاري، عن اهتمامها بالانضمام إلى “بريكس”، وتقدمت 23 دولة بطلب رسمي للانضمام.
وقالت باندور في حديثها عن “إعلان جوهانسبرغ الثاني” الذي تبنته القمة في ختام أعمالها، الخميس، إن المجموعة تقدّر الاهتمام الكبير الذي أبدته دول الجنوب العالمي بعضوية “بريكس”.
وقالت إنه تم اختيار الأعضاء الستة بعد أن “توصلت دول بريكس إلى توافق في الآراء بشأن المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات لعملية توسيع التكتل”، لكنها لم تقدم تفاصيل عن المعايير المحددة.
المستفيدون
وبرأي الأستاذ في جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا داني برادلو، فإن من الواضح أن إيران ستكون المستفيد الأكبر، مؤكدا أن إدراجها يسلط الضوء على حقيقة أنها ليست معزولة سياسيا كما تريد الولايات المتحدة، وأن هذا الإدماج سيكون أيضا “شريان حياة اقتصادي” بسبب زيادة التجارة الثنائية.
ومن بين الدول الأفريقية، أشار برادلو في حديثه للجزيرة نت، إلى توقعات بانضمام الجزائر التي لديها احتياطيات نفطية، أو نيجيريا كونها أكبر دولة في القارة من حيث عدد السكان ولاقتصادها الرائد، مشيرا إلى أنه من الصعب العثور على قواسم مشتركة بين الدول الست المدعوة للانضمام إلى مجموعة “بريكس” بخلاف أن كلا منها دولة مهمة في منطقتها.
“محور دول الشرق الأوسط”
وبحسب سفير جنوب أفريقيا في مجموعة “بريكس” أنيل سوكالالا، فإن الأمر يتعلق بالشرق الأوسط بشكل كبير بحيث تم إدراج المملكة السعودية وإيران والإمارات ومصر، مضيفا أن الآثار “الجيواقتصادية” و”الجيوإستراتيجية” و”الجيوسياسية” ستدفع بعض دول “بريكس” إلى التفكير أكثر بسياساتها في الشرق الأوسط، وستدفع الصين والهند إلى تعزيز السياسات الحالية.
وكانت الصين قد توسطت مؤخرا لإعادة تأسيس العلاقات بين السعودية وإيران، وهو الدور الذي كانت تشغله تقليديا دولة مثل الولايات المتحدة. فيما وقعت الهند مؤخرا اتفاقية مع الإمارات للتداول بالروبية الهندية والدرهم الإماراتي بدلا من الدولار الأميركي.
وأوضح السفير سوكالالا -في حديثه مع الجزيرة نت- أن الأمر الأهم هو أن قائمة التوسع “تتمحور بشكل كبير حول الطاقة”، مشيرا إلى أنه عند اختيار الأعضاء الجدد، ربما يكون الاتحاد قد أخذ في الاعتبار تسعير منتجات الطاقة، وكيف يمكن لبلدانه تقليل مسؤوليتها وضعفها فيما يتعلق بتكلفة النفط.
شبكة لتعزيز عملات الأعضاء
وبحسب مايكل جرين، نائب مدير الاتصال الحكومي بشأن السياسات والخطط والبرامج والإنجازات في جنوب أفريقيا، فإن أحد الأهداف وراء التوسع المخطط له هو خلق فرص لدول “بريكس” للتجارة بسهولة أكبر مع بعضها البعض باستخدام العملات المحلية، موضحا أن هذا التحول يمكن أن يزيد من إمكان استخدام عملات أخرى غير الدولار الأميركي، وخاصة من خلال إنشاء شبكة من البلدان التي تعزز فائدة عملاتها.
وأشار جرين في حديث للجزيرة نت، إلى أن “بريكس” ليست خصما للغرب أو تحمل أجندة معادية لأحد أو تسعى لعمل انقسامات ضد البلدان، لكنها فرصة لجلب مجتمع عالمي يؤيد التعددية ويخلق مناخا للتطور.
توتر تقابله مصالح
ومع ذلك، يتردد المحللون بشأن ما ستقوله مجموعة “بريكس” الموسعة للغرب وما تعنيه بالنسبة للنظام العالمي الحالي. حيث يمثل التكتل الآن حصة أكبر من سكان العالم واقتصاده، وهذا يعني فقط أن المجموعة من المحتمل أن تكون صوتًا قويًا لإصلاح ترتيبات الحوكمة العالمية وفاعلا قويا في هذه الترتيبات.
وبحسب مراقبين، فإن جنوب أفريقيا -التي تربطها علاقات مهمة مع الولايات المتحدة- قد تضطر إلى التعامل مع “التداعيات” ومع بعض التوترات في العلاقة لكن مع تساؤلات حول إمكان استغلال حقيقة وجودها في الكتلة لصالحها.
تأييد التوسع
وحضر رئيس جنوب أفريقيا سيريل راما فوزا، ورئيس البرازيل لولا دي سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جين بينغ القمة التي استمرت ثلاثة أيام، بينما حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين افتراضيا.
وركز رئيس جنوب أفريقيا على الشراكات مع دول قارته وكيف يمكن لمجموعة “بريكس” أن تضع مصالح القارة على جدول الأعمال، مضيفا أنه سيتم الإعلان عن التغييرات المقترحة التي تأمل المجموعة تنفيذها فيما يتعلق بالنظام المالي الدولي.
وقال إن التعافي الاقتصادي العالمي يعتمد على أنظمة الدفع العالمية التي يمكن التنبؤ بها والتشغيل السلس للخدمات المصرفية وسلاسل التوريد والتجارة والسياحة وكذلك التدفقات المالية.
وفي حديثه عبر الفيديو، انتقد بوتين ما وصفه بـ”الاستعمار الجديد المستمر” والدول التي تروج لهيمنتها، مشيرا إلى أن روسيا منفتحة على الحوار لإيجاد حل للحرب في أوكرانيا التي غزتها القوات الروسية في فبراير 2022.
وقال الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا إن دول “بريكس” مستعدة لتوحيد الجهود للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا، مسلطا الضوء على الصراعات الأخرى التي قال إنها لا تحظى بالاهتمام، وأن “الجميع يستحقون العيش بسلام”.
وإلى جانب تأييد التوسع، ركز رئيس الوزراء الهندي مودي على النجاحات التي حققها التكتل الاقتصادي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وتحديدا بنك التنمية الجديد، وهو بنك متعدد الأطراف يعمل مع الأسواق الناشئة، و”شبكة الأمان المالية” لترتيب احتياطي الطوارئ، الذي يعمل بمثابة أداة للسيولة لدعم دول “بريكس” التي تعاني من صعوبات في سداد المدفوعات.
وقال الرئيس الصيني إنه سعيد لأن العديد من الدول متحمسة للانضمام المحتمل إلى “بريكس”. وانتقد “عقلية الحرب الباردة” الجديدة في جميع أنحاء العالم، قائلا إن الدول يجب أن “تحترم جميع مسارات التحديث” التي تختارها الدول الفردية لنفسها.
والدعوات إلى التحول العالمي بعيدا عن هيمنة الدولار ليست جديدة، كما أنها ليست فريدة من نوعها بالنسبة لمجموعة “بريكس”، لكن الخبراء يقولون إن التحولات الجيوسياسية الأخيرة والتوترات المتزايدة بين الغرب وروسيا والصين دفعتها إلى الواجهة.
وفي أوائل 2022، أدت العقوبات الغربية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تجميد ما يقرب من نصف احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية وإزالة البنوك الروسية الكبرى من شبكة “سويفت” وهي شبكة مراسلة تستخدمها البنوك لتسهيل المدفوعات الدولية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.