يجمع ضيوف برنامج “موازين ” على أن الحضارة الإسلامية قدمت تجربة قضائية فريدة، يفتقدها العالم الإسلامي اليوم، فقد تميز القضاء في ذلك العصر بالاستقلالية، والقضاة بالعلم والنزاهة والقوة في تنفيذ القانون.. فهل يمكن إحياء هذه التجربة؟
وبحسب عضو لجنة الفتوى بدار الإفتاء الليبية الدكتور عبد الرحمن قدوع، فقد كان القضاء في الصدر الأول من الإسلام من اختصاص الخليفة، ولكنه ينيب غيره في تولي هذا الأمر، واعتبر الفقهاء وقتها أن مسألة تدخل ولي الأمر في عمل القاضي أو التأثير عليه هي “معصية”، وينبغي على القاضي أن لا يخضع للسلطة الحاكمة ويستقيل إذا تعرض لضغوط.
والتشديد على عدم تدخل ولي الأمر في عمل القضاة يعد بمثابة إقرار بمسألة الفصل بين القضاء والسلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يوضح الدكتور قدوع.
وركز الباحث في قضايا الفقه والمؤرخ القضائي الدكتور إبراهيم الدويري على معايير اختيار القضاة في الدولة الإسلامية، مبرزا أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن قاضيا دعا أن يشرح الله صدره، وكان علي عالما قويا وتقيا، وهي أهم المعايير التي كان يختار على أساسها القضاة في صدر السلام.
وعندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، قال: لا بد لي من أعوان، فرد عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا: “أنا أكفيك القضاء وأبو عبيدة يكفيك بيت المال”.
وحين توسعت الفتوحات الإسلامية، اختار عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضاة تتوفر فيهم معايير العلم والورع والقوة في تنفيذ الحق.
ووفق الدويري، فقد راعى النظام القضائي في الإسلام حقوق الأقليات الدينية والمذهبية.
وفي مداخلته -ضمن حلقة (2023/8/16) من برنامج “موازين”- أوضح الدكتور مصطفى داداش، النائب السابق لرئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية في تركيا، أن استقلالية القضاء كانت مكفولة في ظل الدولة الإسلامية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع في شخصيته التنفيذ والقضاء، ولم يسمح في حياته بتدخل أي أحد في شأن القضاء.
وبشأن تطور المنظومة القضائية خلال الخلافة العثمانية، قال الدكتور داداش إن الدولة العثمانية وفرت جميع الظروف التي تمنح القضاء استقلاليته، ومنها الضمان الوظيفي والضمان الاقتصادي للقاضي.
إلغاء المحاكم الشرعية
غير أن إلغاء المحاكم الشرعية في تركيا بانتهاء الخلافة عام 1924 عكس -بحسب الباحث في قضايا الفقه والمؤرخ القضائي الدكتور الدويري- ضعف الأمة، فحين كانت السيادة للأمة كان القاضي يتولى كل شيء ويحكم على الخليفة والوزير والأمير، ولما تفشى المرض اقتصرت المحاكم الشرعية على قضية الأحوال الشخصية.
أما أستاذ المرافعات بكلية القانون الكويتية العالمية الدكتور محمد الهديب فيرى أن إلغاء المحاكم الشرعية ليس نسفا للشريعة الإسلامية بل هو تقنين لها، مشددا على ضرورة أن يكون القضاء تحت بوتقة واحدة، تحت إدارة وإشراف مجلس القضاء، وأكد أن القضاء المدني ليس مناكفا للقضاء الشرعي.
وبشأن العقبات التي تواجه بعض المحاولات الحديثة لإعادة مراجعة القوانين وتعديلها وفق الشريعة الإسلامية، أشار عضو لجنة الفتوى بدار الإفتاء الليبية إلى مشكلة تتعلق بتفعيل القضاء الإسلامي في هذا العصر وتقنين القوانين وفق الشريعة الإسلامية، مبرزا أن هناك من يرى استحالة تطبيق النظام الإسلامي لأنه منظومة شاملة لا تتجزأ، ومنتقدا في السياق نفسه من يحصرون الشريعة الإسلامية في زاوية معينة مثل الحدود والأحوال الشخصية.
وتحدث عن تجربة قامت بها ليبيا عام 2015 بشأن مراجعة القوانين وتعديلها وفق الشريعة السلامية، حيث شكلت لجنة من قبل المؤتمر الوطني في ذلك الوقت، وتفرعت إلى لجان، وقال ضيف برنامج “موازين” إن النقاشات كانت تدور حول 3 أمور: إما أن يعدل القانون تعديلا، وإما أن يلغى إذا كان مخالفا للشريعة، وإما توصي اللجنة بمراجعة القانون أو استبداله وسنّ قانون آخر.
وحول ما إذا كانت هناك ضرورة لأسلمة القوانين بهدف عودة منظومة القضاء الإسلامي، أوضح الدكتور الدويري أن الضرورة الملحة الآن هي استقلال القضاء، وأن يكون القضاة مستقلين في ضمائرهم ومواردهم المالية وأحكامهم.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.