شكك الباحث في المذاهب المعاصرة والأديان سامي عامري في قدرة ما أطلق عليها المنظومات العلمانية المهيمنة على الواقع في الأوطان العربية على صد الخطاب التنصيري الذي يستهدف المسلمين.
جاء ذلك في سياق حديثه عن عمليات التنصير التي تستهدف المسلمين وسبل مواجهتها من قبل الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، وهو الموضوع الذي سلطت عليه الضوء حلقة (2023/8/9) من برنامج “موازين”.
وأقر عامري بوجود قوانين لمقاومة التنصير في الدول العربية، من خلال قوانين عامة تمنع حدوث البلبلة في المجتمع، ومن خلال الخطاب القانوني الذي يتحدث عن منع ازدراء الأديان، بالإضافة إلى نص صريح يمنع تشكيك المسلم في دينه.
وأدى وجود هذه القوانين -حسب ضيف برنامج “موازين”- إلى صد الخطاب التنصيري المباشر؛ مثل الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن على المستوى العملي فإن هذا الخطاب يطرح من جهات أخرى، حيث “إن البوابة الكبرى لنقل الخطاب التنصيري هم الملحدون العرب الذين يعملون في الجامعات”، وتساءل في هذا السياق عن جدوى سن قوانين تمنع التنصير في ظل فتح الأبواب أمام الملحدين والعلمانيين وأعداء الدين للطعن في الإسلام؟”
وفي رأي الباحث في المذاهب المعاصرة والأديان، فإن غاية التنصير تتجاوز دعوة المسلمين إلى النصرانية إلى محاولة إخراجهم من دينهم، مشيرا إلى وجود علاقة وثيقة جدا وتقاطع بين التنصير والموجة الإلحادية، بدليل أن أهم الشخصيات التي تروج للإلحاد والتنصير في العالم العربي تظهر في برامج موحدة وهي تطعن في الإسلام.
وبشأن عمليات التنصير بين الماضي والحاضر، أوضح عامري أن هذه العمليات تحولت إلى حالة شعبية يقوم بها هواة بلا خلفية معرفية في وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما كان هذا النشاط عملا علميا تقوم به مؤسسات لاهوتية وجامعات كبرى. كما حصل انفكاك بين الاستشراق والتنصير، وانتقل معقل التنصير من أوروبا إلى أميركا، لكن هذه الأخيرة تعاني اليوم من تمدد الحالة الإلحادية والتدين غير المؤسسي، حسب ما يراه عامري.
جذور التنصير
وحول جذور عمليات التنصير، كشف أستاذ الفلسفة الإسلامية والدراسات الاستشرافية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة محمد الشرقاوي عن أنها انطلقت من دير كاثوليكي في فرنسا يسمى “دير كلوني”، بين جنوب فرنسا وشمال إسبانيا، حيث بدأ نحو 10 آلاف راهب عمليات التنصير بين المسلمين في الأندلس، خاصة في زمن ملوك الطوائف، أي عندما ضعف المسلمون وانقسمت الخلافة، ثم انتقلوا إلى العالمين العربي والإسلامي، وبعدها إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
وقال إن النشاط التنصيري كان مقدمة للحملات الصليبية التي دفع بها ملوك الكاثوليك في أوروبا نحو العالمين العربي والإسلامي، مشيرا إلى أن التنصير كان عملا مؤسسيا ومنظما وتقف وراءه الدول الكاثوليكية ثم الدول البروتستانتية، لكن الأرثوذكس لم يكونوا معنيين بهذا النشاط.
والنقطة نفسها أشار إليها أستاذ العلاقات الدولية بالمعهد الأوروبي في جنيف حسني عبيدي بقوله -في مداخلته ضمن برنامج “موازين”- إن التنصير كان العامل والمحرك الأساسي للتوسع الاستعماري الأوروبي في الدول العربية والإسلامية.
ومن جهة أخرى، نوّه الشرقاوي إلى وجود علاقة وثيقة جدا بين التنصير والاستشراق، وقال إنهما وجهان لعملة واحدة. وروى في هذا السياق حادث تاريخية تتعلق بقرار مجمع فيينا الكنسي تأسيس 5 أقسام أكاديمية علمية في الجامعات الأوروبية الكبرى، بتحفيز من مستشرقين اثنين معروفين، وذلك بهدف “توسيع مملكة الرب في العالم وهداية الكفار”، والكفار في رأيهم هم المسلمون وغير المسيحيين في العالم.
وحول بدايات التنصير في منطقة الخليج العربي، كشف أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الكويت خالد الباطني عن أن الإرساليات التنصيرية الأميركية بدأت العمل في المنطقة عام 1891، وكان أولاها ما تسمى “الإرسالية العربية” التي هدفت إلى تحويل سكان الجزيرة العربية إلى المسيحية.
وركزت الإرساليات التنصيرية -التي دعمتها كنائس في أميركا- على تقديم خدمات صحية وتعليمية، وافتتحت محطات لها في البصرة والبحرين ومسقط والكويت، لكنها -كما يضيف الباطني- فشلت في تحويل الناس إلى النصرانية، وأدت في المقابل إلى ظهور حركة في هذه البلدان الخليجية عملت على تطوير بعض المجالات مثل الصحة والتعليم.
أما أستاذ الفلسفة الإسلامية والدراسات الاستشرافية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، فتحدث عمن وصفه برائد التنصير في الجزيرة العربية، وهو المستشرق والمنصّر الأميركي البروتستانتي صمويل زويمر، وكان يلقب بأنه “رسول المسيح” إلى الجزيرة العربية، وألف كتاب “جزيرة العرب: مهد الإسلام”، كما أنشأ لاحقا مجلة “العالم الإسلامي”، وهي مجلة استشرافية وتنصيرية ما تزال تصدر حتى اليوم، حسب الشرقاوي.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.