مراسلو الجزيرة نت
ظلت المشاكسات السياسية ونظرية المعارك الصفرية تسيطر على سودان ما بعد الإنقاذ. وبعد مخاض سياسي استمر 4 سنوات من دون أن يتحقق نصر لأحد، استيقظ السودانيون على حرب دامية في شوارع الخرطوم يوم 15 أبريل/نيسان الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع.
سعى المقتتلون لحسم الخلافات عبر فوهة البندقية رغم التدخلات لحلها بالحوارات والاصطفافات والتحالفات، ولم يفلح ممثلو المجتمع الدولي في وضع حد للأزمة المتفجرة ونحن على حافة الأسبوع الرابع للحرب.
فما تداعيات هذا الصراع على المستوى الإقليمي؟ وما أبرز الآثار المترتبة عليه لو طال أمده؟ وكيف سيؤثر على الجوار المباشر للسودان؟
هشاشة الجوار
يقع السودان وسط محيط من الدول الهشّة التي تعاني اضطرابات أمنية وسياسية، سقطت فيها أنظمة استبدادية وتواجه مرحلة انتقال مستعصية بسبب التداخلات والصراعات العابرة للحدود. فليبيا تقتسمها أعداد كبيرة من المليشيات المختلفة الأجناس، وتشاد التي ما زال حبر مداد مؤتمر الحوار الشامل طريا فيها تعاني الانقسامات السياسية والقبلية ولديها تداخلات كبيرة مع السودان وتعدّ أسرع وأقرب الدول تأثرا بما يجري فيه.
أما جنوب السوادن فمنذ الانفصال يعاني ما يقرب من مليون من سكانها حربا أهلية، بينما نجد إثيوبيا تغرق في اقتتال دامٍ ينتشر في أقاليم عدة فيها بخاصة المتاخمة للسودان الذي لديها مئات آلاف اللاجئين فيه.
مخاطر تمدد الحركات “المتطرفة”
الأوضاع المضطربة زمانا ومكانا هي البيئة المناسبة التي تتوالد فيها الحركات المتطرفة وتنشط في التوسع مستفيدة من حالة السيولة الأمنية كما حدث في دول الساحل غرب أفريقيا.
وإذ إن السودان توجد فيه وفي الدول المجاورة له حركات تمرد وفصائل معارضة مسلحة مع فاعلين خارجيين يبحثون عن وكلاء محليين، فإن هذه الحالة تدفع إلى تمدّد تنظيمات منها “القاعدة” والمنظمات المحلية المتحالفة معها إلى هذه الدول، وذلك يفتح احتمالات انزلاق المنطقة بأسرها إلى الفوضى إذا تمكنت هذه الجماعات من استيعاب الجيل المحبَط من ويلات الحروب، وسيشكل هذا تحديا للإقليم وعموم القارة الأفريقية وليس السودان فحسب، وفقا للأستاذة في جامعة “برمنغهام” ماي درويش.
التداعيات الاقتصادية
ترتبط دول الإقليم ارتباطا اقتصاديا بالسودان، إذ يعدّ هذا البلد مصدرا لعدد غير قليل من المنتجات، فعلى سبيل المثال:
- تعتمد جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى على ما نسبته 70% من المنتجات الغذائية القادمة من السودان.
- كما تعتمد السوق المصرية على 30ـ60% من واردات اللحوم والسمسم من السودان؛ إذ تستورد 200 ألف رأس سنويا ونحو 4 آلاف طن من اللحوم.
- وتعتمد إثيوبيا وتشاد على الموانئ السودانية في كثير من تجارتها الخارجية.
- كذلك تعتمد دول كثيرة في المنطقة والعالم على الصمغ العربي الذي يحتكر السودان 80% من إنتاجه العالمي.
ويقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية الدكتور محمد شيخون إن تعطّل كل هذه المصالح سيؤثر على المنطقة تأثيرا كبيرا.
موجة هجرة داخلية وخارجية
كان السودان يُصنف ضمن دول المصدر والعبور بالنسبة للهجرة في الفترات الماضية، وإذا قدّر لهذا الصراع أن يستمر طويلا فإن موجات جديدة من الهجرة الداخلية والخارجية ستظهر مرة أخرى، بخاصة أن الشبكات النشطة في الهجرة ما زالت فاعلة، مع توفر عوامل الهشاشة الأمنية لدول العبور مثل ليبيا وتونس والسودان.
كذلك كان السودان ملاذا لعدد كبير من شعوب المنطقة؛ إذ تشير تقارير محلية كثيرة إلى أن فيه ما يزيد على 10 ملايين أجنبي يقيمون بطرق غير شرعية، وربما تشهد هذه الدول استقبال الفارين من السودان أو نشهد مثل تلك الهجرات التي حدثت في سوريا وأوكرانيا.
ووفقا لمؤسسات معنية بالهجرة، فإن السودانيين شكلوا 84% من اللاجئين الذين تقدموا بطلب اللجوء في بريطانيا في 2022، وهو الأمر الذي تخشاه أوروبا قاطبة.
التداعيات الأمنية
إن استمرت الحرب وذلك ما يرجحه كثير من المتخصصين في الشأن السوداني، ونظرا لما يشكله موقع السودان في المجال الإقليمي الرابط بين شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء ومنطقة القرن الأفريقي، فضلا عن قربه من منطقة الشرق الأوسط، فإن التداعيات الأمنية ستكون كبيرة في محيط تتوافر فيه كل عناصر الهشاشة الأمنية التي تتمثل في:
- وجود تداخل عرقي يسهّل استقطاب عناصر من البلدان الأخرى المجاورة.
- توزّع عدد من الحركات المعارضة والمنظمات السياسية في هذه البلدان وبين بعضها تحالفات كتحالف الدعم السريع مع حفتر في ليبيا، أو تحالف بعض الفصائل المعارضة التشادية مع بعض الفصائل المسلحة في ليبيا أيضا.
- وجود فصائل معارضة لإثيوبيا في السودان.
- مئات الآلاف من اللاجئين الذين يُعدّون بيئة خصبة للتجنيد.
كذلك فإن أفريقيا الوسطى تعيش أوضاعا مضطربة بسبب الصراع على السلطة منذ ما يقرب من 10 أعوام، فضلا عن أن إريتريا تعيش وضعا لادستوريا منذ الاستقلال، وجنوب السودان أصبح مواطنوها لاجئين في دول الجوار بسبب الحرب الأهلية، وهي بلا شك ظروف مواتية للصراعات والنزاعات الأمنية في منطقة مؤهلة فعلا للاشتعال.
مشكلات قابلة للتحريك
هناك كثير من القضايا العالقة بين دول المنطقة قد يدفع اتساع رقعة الحرب إلى تحريكها من جديد مثل الحدود المتنازع عليها بين دول المنطقة، وقضية مياه النيل بين مصر وإثيوبيا التي يلعب فيها السودان دور العازل بين المتصارعين، إضافة إلى الملفات التي لها صلة بالنفوذ عبر الامتدادات القبلية في دول المنطقة.
يقع السودان في مفترق طرق جغرافي حرج يربط بين الساحل والصحراء وشمال خط الاستواء وجنوبه، كما يربط بين أفريقيا والمنطقة العربية حيث تلاقت الأجناس والأعراق من كل حدب لتتجاوز مجموعاته العرقية 597 مجموعة عرقية رئيسة وفرعية وأكثر من 100 لغة، وكل هذا يوفر الأسباب الكفيلة بالتأثير والتفاعل السريع وهو ما يجب أن تعيه الهيئات المعنية بالوساطة بين أطراف الصراع.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.