في يوليو/تموز 2009، اضطر مكتب التحقيقات الفيدرالي لإصدار بيان لتوضيح اللبس الحاصل في مجموعة من الأمور بالنسبة للجمهور، على رأسها أنه عندما توفي نيكولا تسلا سنة 1943 في أحد فنادق نيويورك، صادرت وزارة العدل مؤقتا أوراقه التي كان يُعتقد أنها تتضمن خططا لسلاح أطلق عليه اسم “شعاع الموت” من قِبَل مكتب الوصاية على الممتلكات الأجنبية التابع للوزارة.
في بيانه، أوضح المكتب أنه لم يكن يمتلك أبدا أوراق تسلا أو أي ميكروفيلم قد يكون مصنوعا من تلك الأوراق، وأن الأمر بالأساس لم يكن قيد التحقيق بالنسبة لرجاله، مؤكدا أن هذه الشائعات المنتشرة في السير الذاتية والمقالات المكتوبة عن تسلا يتم ترويجها دون التحقق من مصادر المعلومات.
شعاع الموت
في الواقع، فإن حكاية ما حدث بعد وفاة تسلا وحدها كفيلة بخلق عدد من نظريات المؤامرة، حيث كان السفير اليوغوسلافي لدى الولايات المتحدة في تلك الفترة هو “سافا كوسانوفيتش”، ابن شقيق تسلا، وحينما سمع بوفاة عمه انطلق فورا للفندق وكان يعرف الأرقام السرية لخزانة عمه، ففتحها وأخذ منها بعض الأشياء ومضى، إلى هنا قد يكون كل شيء طبيعيا بالنسبة لكل الناس، إلا أن هذا هو تسلا، ولا يوجد شيء يمكن أن يكون طبيعيا فيما يخص تسلا على الإطلاق.
نتحدث هنا عن واحد من أهم المخترعين في التاريخ وأحد مؤسسي العصر الكهربائي، مع نحو 300 براءة اختراع في أكثر من 25 دولة منها 111 اختراعا في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى العديد من المساهمات والتقنيات العظيمة في نطاق الكهرباء، وهو أيضا الرجل نفسه الذي طالما أطلق تصريحات براقة منذ وصل إلى الولايات المتحدة عام 1884، ليس فقط عن “شعاع الموت”، بل كذلك عن “الطاقة في كل مكان” و”تمرير الإشارات اللاسلكية في باطن الأرض”، بل إنه انطلق إلى ما هو أبعد من ذلك متحدثا عن هوسه بأهرامات مصر الثلاثة التي قال إنها أشبه بطاريات ضخمة، والأرقام ثلاثة وستة وواحد، والتواصل مع مركز الكون والكائنات الفضائية، وغير ذلك.
كان لا بد بالنسبة للحكومة الأميركية من البحث في إمكانية أن يكون “شعاع الموت” حقيقيا، خاصة أن تسلا صرح في أكثر من مناسبة أن سلاحه الجديد (الذي يُعَدُّ دفاعيا بالأساس) سوف يستخدم شعاعا من الأيونات يندفع بسرعة 400 ألف كيلومتر في الساعة، استخدم فيه قوانين فيزياء جديدة لم يحلم بها أحد من قبل، ستُمكِّنه من جمع 100 مليار واط في جزء واحد من مئة مليون جزء من السنتيمتر المربع. لكن المشكلة أن تسلا كان كتوما، ولم يعطِ أي دليل عملي أو حتى علمي على وجود هذا السلاح أو إمكانية تصنيعه.
بعد وفاة تسلا، استدعت الحكومة الأميركية خبيرا في الفيزياء عالية الجهد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تصفح بقية أوراق تسلا، وجاءت النتائج لتقول إن شعاع تسلا كان “تخمينيا وفلسفيا تسويقيا” بطبيعته ولم يتضمن “مبادئ وأساليب سليمة وقابلة للتطبيق”.
في الواقع، يتفق معظم العلماء الآن على أن شعاع تسلا كان بالفعل محاولة للتسويق لا أكثر، خاصة أننا نعرف أن تسلا عاش في وقت لم يكن من السهل فيه أن تنجز ابتكارا إلا بتمويل من أحد رجال الأعمال، وقد عاش بالفعل على تمويلات كبار المستثمرين في تلك الفترة، وكان من الضروري أن يُلقي بتوقعات مثيرة انتباههم حتى يعطوه التمويل.
بعد سنوات من وفاة تسلا، أُفرِج عن الكثير من أعماله، ويمكن رؤيتها في متحف نيكولا تيسلا في بلغراد، الذي يضم أكثر من 160 ألف وثيقة أصلية وأكثر من 1000 مخطط ورسومات لعمله. ولكن عند تلك النقطة تحديدا يبدأ الشك، فلربما يعتقد البعض أن الولايات المتحدة الأميركية أخفت ما توصلت إليه من نتائج، لكن لاحظ التاريخ الذي يجري خلاله كل ما سبق، فنحن نتحدث عن نهاية الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من القرن الفائت، أي أوج الحرب العالمية الثانية، وبالتبعية كانت هناك مخاوف (وأمنيات في المقابل) من أن يكون هذا السلاح حقيقيا، حتى إن الاتحاد السوفيتي وقتها كان قد كرّس ما قيمته أكثر من 25 ألف دولار للتحقيق في ادعاءات تسلا سنة 1939. لِمَ إذن لم تستخدمه الولايات المتحدة، أو يوغوسلافيا التي ربما حصلت على جانب منه عن طريق سفيرها؟
تسلا والتيار المتردد
لم تقف الخرافات والشائعات حول اختراعات تسلا عند “شعاع الموت” المزعوم. في الحقيقة، يبدو أن المشكلة الرئيسية التي يقع فيها الكثيرون من أعضاء “نادي معجبي نيكولا تسلا”، وهو نادٍ ضخم منتشر حاليا على وسائل التواصل، هو أنهم يتعاملون مع تيسلا فقط على أنه “العبقري الاستثنائي” و”أهم وأعظم مخترع في التاريخ”، لكنه مثل أي مبتكر يمكن أي يخرج بتصريحات قد تكون مضللة أو ترويجية أو ذات طابع فلسفي دون قاعدة علمية حقيقية، وقد أوضحنا ذلك في تقرير سابق للكاتب بعنوان “”تسلا الذي لا تعرفه”.. لماذا رفض نظرية أينشتاين؟ وهل كان مريضا بالوسواس القهري؟”.
حسنا، هل تعرف أن تسلا لم يكن أصلا مخترع التيار المتردد؟ ربما سمعت عن الأمر أو قرأته في كتاب أو شاهدته في إحدى حلقات اليوتيوب أو الوثائقيات، لكن في الحقيقة فإن الأفكار الأساسية التي يعمل بها التيار المتردد كانت راسخة قبل ولادة تسلا (في 10 يوليو/تموز 1856 لعائلة صربية).
في عام 1832، أوضح مايكل فاراداي أن هناك ثلاثة أنواع من الكهرباء، منها الكهرباء المستحثة بمغناطيس في ملف وهي تُنتج تيارا مترددا، وقد أنتج بالفعل أول مولد تيار متردد بواسطة صانع الآلات الفرنسي هيبوليت بيكسي في العام نفسه، وما أنجزه تسلا لم يكن تحديدا التيار المتناوب (المتردد)، بل تحسينات تتعلق بعمله وخاصة في صورة محركات، وكان إنتاجه الهندسي ممتازا، ما دفع جورج وستنغهاوس، وكان مقاولا ومهندسا أميركيا، للاتحاد مع تسلا في محاولة للدفع بالتيار المتناوب ليحل محل التيار المستمر.
يتدفق التيار الكهربائي بطريقتين كتيار متردد (AC) أو تيار مباشر (DC). يكمن الاختلاف الرئيسي بين التيار المتردد والتيار المستمر في الإتجاه الذي تتدفق فيه الإلكترونات. في التيار المستمر تتدفق الإلكترونات بثبات في اتجاه واحد، بينما في التيار المتردد تستمر الإلكترونات في تبديل اتجاهاتها.
معا، قام وستنغهاوس وتسلا ببناء أول محطة للطاقة الكهرومائية بالتعاون في شلالات نياجرا عام 1895، ومن أصل 13 براءة اختراع في هذا الإنجاز كانت هناك 9 اختراعات من نصيب تسلا. قبل هذا التاريخ في يوليو/تموز 1888، أُبرمت صفقة ترخيص لمحرك تسلا الحثي متعدد الأطوار والمحول مع شركة وستنغهاوس للكهرباء والتصنيع، و حصل تسلا على 60.000 دولار بالإضافة إلى نسبة قدرها 2.50 دولار لكل حصان ينتجها كل محرك للتيار المتردد، وعلاوة على ذلك عمل تسلا مستشارا للشركة مقابل ألفي دولار شهريا.
تسلا وأديسون
لكن في هذا السياق، ربما لم تكن تعرف أيضا أن ما سُمي بـ”حرب التيارات” لا علاقة مباشرة له بنيكولا تسلا، ربما قرأت على الإنترنت أن أديسون تعمد تخريب حياة تسلا لأن الأخير كان رائد التيار المتردد، بينما أصر أديسون على استخدام التيار المستمر لإضاءة المدن، وهنا دعنا نوضح أن التيار المتردد كانت له ميزة مهمة، حيث يمكن أن يجري في الأسلاك لمسافات طويلة، بينما حدود التيار المستمر كانت عدة آلاف من الأمتار، ما يتطلب بناء عدد كبير من محطات الكهرباء.
لكن دعنا نخبرك أنه حتى هذه المعلومة واسعة الشهرة ليست صحيحة، معركة أديسون التي استمرت خلال ثمانينيات وأوائل سبعينيات القرن التاسع عشر كانت بالأساس مع وستنغهاوس، وحينما لجأ أديسون للضرب تحت الحزام وقام بقتل الحيوانات أمام الجمهور بتيار متردد، ثم اهتم للغاية بأن تتم أول عملية إعدام بالكهرباء عبر تيار متردد، اقترح أن تتم تسمية هذا التكنيك للإعدام بـ”تكنيك وستنغهاوس”.
بالطبع تضرر تسلا من هذه الحرب، لأنه كان داعما لتيار وستنغهاوس وتوقف عمله مع الرجل بسبب موجة من الخسائر، لكن في النهاية فإن تسلا وصف أديسون في إحدى المرات بأنه صاحب “عبقرية عظيمة وإنجازات لا تموت”، بينما أشار أديسون ذات مرة إلى تسلا قائلا إنه “واحد من أعظم عباقرة الكهرباء الذين شهدهم العالم على الإطلاق”.
هناك خرافة أخرى تتعلق بأن أديسون سرق فكرة المصباح الكهربي من تسلا، لكن أول مَن اخترع أول ضوء كهربائي كان السير همفري ديفي، كان هذا في عام 1809، أي قبل نصف قرن من ولادة تسلا، وفي عام 1840 وضع وارن دي لا رو خيطا بلاتينيا داخل أنبوب مفرغ مغلق ليضيء بوصفه أول نموذج تجريبي للمصباح، وفي عام 1875، سجل هنري وودوارد وماثيو إيفانز براءة اختراع المصباح الكهربائي، وقام اديسون بعد ذلك بشراء براءة الاختراع تلك وطور من المصابيح الكهربية لتعمل بعمر وصل إلى 600 ساعة، وبذلك وصلت للنسخ التجارية.
رغم ذلك، لا يزال محبو تسلا في جميع أنحاء العالم يُكِنّون العداء لتوماس إديسون. في النهاية، انتصر التيار المتردد، وحاليا يُستخدم في الأجهزة المنزلية وكل كهرباء المكاتب والمباني والمدن حول العالم، ويُستخدم التيار المستمر في نطاقات محدودة، هي بطاريات الهواتف المحمولة وشاشات التلفزيون المسطحة والسيارات الكهربائية.
تسلا والطاقة اللاسلكية
مرة أخرى، لا مجال بالطبع لإنكار إنجازات تسلا بوصفه مخترعا في نطاق الكهرباء، حتى إنه بالفعل يمتلك في تاريخ الفيزياء علامة واضحة، وهي وحدة حصلت على اسمه “تسلا”، وتُستخدم لقياس المجال المغناطيسي. لكن في هذا السياق، هناك ترجيح كبير أن بعض إنجازات تسلا الأخرى لم تعمل، وعلى رأسها وعلى رخرافة أخرى كبرى ما زالت إلى الآن تلقى قبولا هائلا، وهي أن تسلا كان على مقربة من اكتشاف “طاقة مجانية” لكل العالم.
فقط تخيل الأمر، هناك طاقة في كل مكان تقريبا، لا حاجة لك إلى شاحن الهاتف أو محطات الوقود أو الأسلاك، فالطاقة في كل مكان بالغلاف الجوي وهاتفك يُشحن تلقائيا، سيارتك تُشحن تلقائيا، كل شيء يعمل بلا أسلاك، حتى الطائرات في السماء لا تحتاج إلى وقود، لأنها تُشحن من الطاقة التي تسري في كل مكان بالغلاف الجوي للأرض. كان هذا هو حلم تسلا.
فكرة تسلا كانت ببساطة أنه يمكن نقل الطاقة بدون أسلاك، مثل الإشارات الراديوية مثلا، في عام 1895 اندلع حريق كبير في مختبر تسلا في نيويورك وضاعت معظم ملاحظاته وصوره ورسوماته ومعداته، وقرر تسلا قبول عرض شراكة من صديق قديم عمل محاميا لبراءات الاختراع هو ليونارد كيرتس، وفي قطعة أرض بولاية كولورادو الأميركية بدأ تسلا في نقل كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية عبر مسافات دون عبء استخدام أي أسلاك.
بنى تسلا لأجل ذلك ملفا كهربيا ضخما مع كرة من النحاس أعلى سارية عالية جدا، إنها ببساطة نسخة ضخمة من ملف تسلا المعروف، الذي يُنتج شرارات كهربية تشبه البرق، لكن الملف الجديد كان بعرض 15 مترا تقريبا ويمكنه إنتاج أكثر من مليون فولت، بالفعل أضاء الملف بضعة مصابيح، لكنه مع رفع الجهد سرعان ما تعطل تماما.
فشلت التجربة فبحث تسلا عن تمويل جديد، وهنا التقى بجون بيربونت مورجان، رجل الأعمال واسع الشهرة في هذا الوقت، الذي قدم له عرضا بقيمة 150 ألف دولار (تعادل أكثر من 5 ملايين دولار الآن) مبلغا أوليا للبدء في تطوير تقنية جديدة للتواصل اللاسلكي، مع حصول مورجان على 51% من براءات اختراع تسلا.
اشترى تسلا مساحة مقدارها 200 فدان من الأرض، وبحلول عام 1901 كان قد شيد في الموقع برجا كبيرا يبلغ ارتفاعه 60 مترا، وأسفل البرج كان هناك عمود بعمق 40 مترا ومجموعة من الأنابيب الحديدية التي انطلقت مسافة 100 متر أخرى في الأرض كأنها شوكات ضخمة، هذا الهيكل هو برج واردنكليف، وأراد منه تسلا أن ينقل الكهرباء والإشارات الراديوية عبر الهواء وخلال الأرض، لكن للأسف لم يتمكّن تسلا من الوصول إلى النتائج المرجوة، وكان جولييلمو ماركوني قد نجح بالفعل في إجراء اتصال لا سلكي ناجح، ما دفع موجان إلى إيقاف تمويل تسلا في 1902.
في تلك النقطة تحديدا يظهر الادعاء القائل إن الأهرامات لها قدرة على إرسال الطاقة لا سلكيا نظرا لشكلها وموقعها، وهذا بالفعل ما قاله تسلا، لكنه لم يقدم أي دلائل أو تجارب على ذلك، ولكنه فقط اقترح الفكرة بسبب اعتقاده أن هناك تشابها هيكليا بين الأهرامات وبرج واردنكليف، الذي لم يعمل، فكلاهما مدبب من الأعلى، ومرتفع جدا، كما أنه يمتلك امتدادا في الأرض.
طاقة من لا شيء
إلى آخر لحظة في عمره، لم يقتنع تسلا أنه علميا لم يمكن لاختراعه أن ينجح، لأن نقل طاقة إلى مسافات أبعد (في الهواء أو عبر جسم الكرة الأرضية) يتطلب أضعاف الجهد المستخدم، والسبب في ذلك هو أن انتشار الطاقة يخضع لقانون التربيع العكسي الذي يعني أنه كلما تقدمت إلى مسافة ما (لتكن مترين مثلا) فأنت بحاجة إلى أربعة أضعاف الجهد الذي استخدمته للوصول إلى المسافة السابقة، ولم يكن من الممكن أبدا الوصول إلى هذا الكم الهائل من الطاقة في ملف تسلا.
أضف إلى ذلك نقطة أخرى مهمة، وهي أن الكهرباء بهذا المستوى ستكون خطيرة على البشر إذا مرت بالغلاف الجوي، خاصة أن تسلا كان يخطط لنشر بضع عشرات من أبراجه الهائلة في أماكن متفرقة لنقل الطاقة. والواقع أن تسلا لم يتعلم من فشل التجربة الأولى في كولورادو ولا حتى الثانية في نيويورك، وظل لآخر حياته مقتنعا أن نقل الطاقة عبر الهواء أو جسم الأرض ممكن. لكن في هذا السياق يجب أن نوضح أن تسلا لم يقصد أن يُنتج طاقة مجانية بالمعنى الذي فهمه الناس.
علميا، لا يمكن أن يوجد شيء اسمه “طاقة من لا شيء” أو “طاقة غير محدودة”، فهذا يتعارض مباشرة مع قوانين الطبيعة التي تقول إنه لا يمكن للطاقة أن تفنى أو تُستحدث من العدم. ولذلك فأي شخص تجده يدعي أنه قد اخترع محركا يعمل بشكل دائم من دون وقود فهو لا شك كاذب، لكن هناك طاقة رخيصة السعر، وقد كان ذلك ممكنا حال تمكن تسلا من تحقيق مراده، والسبب في ذلك هو أنها لن تجري في أسلاك مكلفة تحتاج إلى صيانة دائمة.
في مرحلة تالية من حياته، كان تسلا قد بدأ في التحدث عن شيء آخر يتعلق بـ”طاقة غير محدودة خُزِّنت في الكون”، مضيفا أن المتلقي والمُرسل الأبدي لهذه الطاقة اللانهائية هو “الأثير”، وربما يفسر ذلك سر ولعه بالأثير حتى نهاية عمره، لكن علاقة تسلا بالأثير تنقلنا إلى جانب آخر مختلف من حياته، حيث يعتقد بعض الباحثين أن كلمات تسلا تشير إلى أنه تأثر على نحو شبه مؤكد باجتماعاته مع الحكيم الهندي سوامي فيفيكاناندا، التي بدأت سنة 1896.
جدير بالذكر أن ماركوني كان قد استخدم في اختراعه بعض تقنيات تسلا، وبعد وفاة الأخير حكمت محكمة أميركية بوجوب الاعتراف بفضل تسلا في نطاق الراديو، ما يعني أن صديقنا بالفعل شارك بشكل أو بآخر في اختراع الراديو، الأمر الذي تطور ليصبح أشكالا متنوعة من الاتصال حاليا. دعنا عند تلك النقطة ننقل اقتباسا لتسلا قاله حينما أُبلغ أن ماركوني قد أرسل إشارات لا سلكية عبر المحيط الأطلسي، فرد: “ماركوني رفيق جيد، دعه يستمر. إنه يستخدم سبع عشرة براءة من براءات الاختراع الخاصة بي”.
خلال الحرب العالمية الأولى انتشرت شائعة في نيويورك بأن البرج الذي أقامه تسلا كان يُستخدم من قِبَل الجواسيس الألمان. نتيجة لذلك، هُدِم البرج وبيع الصلب والآلات والأشياء الأخرى بقيمة الخردة.
تسلا ملك الإنترنت
يمكن لنا أن نقسّم حياة تسلا في الولايات المتحدة الأميركية إلى مرحلتين، مرحلة الصعود بين 1884 إلى 1894، وفي تلك الفترة كان تسلا نجما متوَّجا بين الناس، ليس فقط بسبب ابتكاراته المميزة ولكن كذلك لعروضه الباهرة عبر الملف الخاص به، في الواقع لا تزال العديد من الشركات اليوم تستخدم تقنية ملف تسلا لإنشاء مؤثرات خاصة للعروض الترفيهية والفعاليات الحية ومناطق الجذب السياحي، فما بالك باستجابة الناس لتلك العروض قبل أكثر من مئة سنة. يكفيك أن تعرف أن نيكولا تيسلا وتوماس إديسون كانا الشخصين الوحيدين اللذين ظهرا في صفحة غلاف مجلة “إليكتريكال إكسبرمنتر” الشهيرة على مدار سبع سنوات، بسبب عملهما المميز.
في تلك الأثناء كان كل ما يقوله تسلا يلفت الانتباه، يشبه في ذلك إيلون ماسك حاليا، بعد ذلك تلتها عشر سنوات من الهبوط بين 1895-1905، وفي تلك الفترة لم تكن الكثير من ابتكارات تسلا تعمل بالشكل المطلوب، وبعد انقطاع تمويل مورجان عنه أصبح تسلا فجأة غارقا في الديون، فقد رهن منزله واستدان لاستكمال العمل في برج واردنكليف دون جدوى، في هذه الفترة اعتمد على بعض الشهرة المتبقية له في التنقل من فندق إلى آخر بعد أن يطالبه الفندق الذي يعيش فيه بالأجر.
لكن الأقسى على تسلا لم يكن الفقر، بل خفوت نجمه، بعد أن كان قبل عدة سنوات فقط نجما متلألئا. خلال تلك الفترة بدأت الحالة النفسية لتسلا في الانهيار، وفي تلك النقطة يجب أن نوضح أن تسلا أصلا كان من المصابين باضطراب الوسواس القهري إلى جانب لمحات من اضطرابات أخرى، حيث غالبا ما تقلَّب بين حالتي الاكتئاب والهوس، كما طور في السياق نفسه أفكارا غاية في الغرابة عن طبيعة هذا الكون، تتعلق باعتقاداته التي مالت نحو بعض المفاهيم البوذية والهندوسية.
غالبية ما تراه على الإنترنت حاليا من فيديوهات أو كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي عن نيكولا تسلا، غالبا قد أخذت مما قاله في تلك الفترة، التي امتد السقوط فيها وصولا إلى وفاته في عام 1943.
ادعاءات بلا دليل
وللأسف فإننا لا نجد على الإنترنت العربي إلا هذه الموضوعات، لا أحد يتحدث في إنجازات تسلا الحقيقية. والجمهور في المقابل يصدق ما يُنسب إلى تسلا، فهو أعظم مخترعي العالم بالنسبة للبعض، وهو الرجل الذي ظُلم كثيرا ومات فقيرا. لكن تسلا كان ببساطة إنسانا عاديا، نعم كان مخترعا ممتازا لكن كانت له سقطاته الشديدة كذلك، وآراؤه تجاه العلم وحدها تكفي للقول إننا لم نكن أمام “عقلية استثنائية للغاية”.
بالطبع كان لدى تسلا أسباب وجيهة لإخفاء الآليات التي تعمل بها الكثير من اختراعاته التي لم تطبق يوما على أرض الواقع، فنحن نعرف أنه لم يكن بارعا في إدارة أمواله وطالما تعرض للاحتيال وربما سُرقت بعض اختراعاته، وبالتبعية كان حريصا للغاية في تصريحاته، لكنه كان كذلك مضطربا في كثير من الأحيان، وامتزجت رؤيته الهندسية مع جانب باطني لا يتعلق بالعلم أو الهندسة في شيء.
حتى اللحظة، لا يوجد دليل علمي واحد (سواء كان تصميما أو معادلة أو حتى مسودة) على ادعاءات تسلا عن شعاع الموت أو الطاقة المجانية أو خصائص الأهرامات الكهربية، وتُعَدُّ الأخيرة شغلا شاغلا للكثيرين في عالمنا العربي حاليا، وبالطبع فإن علماء الفلك الحقيقيين يضعون تلك الادعاءات اليوم تحت بند العلم الزائف.
—————————————————————————
مصادر
1- تسلا – مخترع العصر الكهربائي – و. برنارد كارلسون
2- The European Edisons Volta, Tesla, and Tigerstedt- Anand Kumar Sethi
3- Nikola Tesla’s Inventions – Myth or Reality? Val G. Rousseau,
4- My Inventions: The Autobiography of Nikola Tesla
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.