مراسلو الجزيرة نت
القدس المحتلة- كان يقف أمام المنزل يتحسس أوراق الأشجار المزروعة أمامه وفي محيطه، وقال إن ذلك هو أكثر ما فعله منذ تحرره من سجون الاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين الماضي، لأنه لم يرَ أو يلمس شجرة منذ اعتقاله في شهر يوليو/تموز عام 2014.
دخل بشار عبيدي (33 عاما) إلى السجون عزبا ذا خبرة بسيطة في الحياة، وخرج منها مرتبطا بالشابة المقدسية إسلام عليان، وبنظرة مختلفة للحياة، كما قال.
يدخل بشار المنزل متجولا ببصره في كل ركن ويحدق في التفاصيل، وكأنه يرى كل شيء لأول مرة، تعرّفه والدته على بعض الأفراد تارة وتُذكره خطيبته إسلام ببعض التفاصيل تارة أخرى، وتؤكد نظراتهما أن حبّهما فرقته قضبان سجون الاحتلال لكنها لم تنل منه.
في “أرض السمار” التابعة لقرية “لفتا” التي هُجّر منها جدّه عام 1948، التقت الجزيرة نت الأسير المقدسي المحرر بشار عبيدي وعائلته وخطيبته التي ارتبطت به قبل 4 أعوام من تحرره.
حب من وراء الزجاج
تحدث بشار عن فصول ألم كثيرة في رحلة أسره، التي بدأت باعتقاله من منزله خلال “هبّة أبو خضير” التي اندلعت صيف عام 2014 في القدس بعد حرق الفتى محمد أبو خضير حيّا على يد المستوطنين، مرورا بفترة التحقيق القاسية، وليس انتهاء بالظروف المعيشية الصعبة التي يُجبر الأسرى على التعايش معها.
حُكم بشار بالسجن لمدة 9 أعوام وفي عامه الثاني، التقى خطيبته إسلام عليان التي كانت في زيارة لشقيقها الأسير.
من خلف الزجاج -الذي يفصل الأسرى عن ذويهم خلال الزيارة- خفق قلبه وصارح شقيقها بذلك، ثم توالت الزيارات واللقاءات التي انتهت بعرض فكرة الارتباط بإسلام على العائلتين.
سرد بشار قصة تعارفهما وحبهما وكان ينظر لإسلام مبتسما بين الحين والآخر، ثم أضاف “قالت لي إسلام إنها شعرت بشمعة أُشعلت في قلبها بعدما وصلتها مشاعري الصادقة والنقية نحوها”.
مخاطر الارتباط بأسير
هذه المشاعر سبقها تخبط وتفكير عميقان من قِبَل إسلام التي أيقنت أنها مقبلة على علاقة يتخللها الكثير من المنغصات، لكنها صممت على المضي بها، وعند سؤالها عن الصفات التي يجب أن تتوفر في الفتاة لترتبط بأسير داخل السجون قالت: “القليل من الجرأة والكثير من الإرادة”.
ثم أكملت “لم يخطر ببالي يوما أنني سأرتبط بأسير ما زالت أمامه سنوات عديدة خلف القضبان، لكنني في الوقت ذاته أؤمن بأنه من حق كل أسير أن يعيش علاقة حب ويرتبط بفتاة أحلامه، وهذا ما كان لي ولبشار بعدما رأيتُ أنه الشخص الذي أحلم بإكمال حياتي معه كشريك”.
بعد معاناة طويلة تمكنت إسلام من إدخال خاتم الخطوبة لبشار، وتمكن هو من إخراج هدية بسيطة لها من زنزانته في سجن ريمون، وأُعلنت خطوبتهما بشكل رسمي مطلع عام 2019، في حفل أقيم بمنزل والد العروس ببلدة العيساوية في القدس.
عندما التقت إسلام مع بشار لأول مرة كانت تبلغ من العمر 16 عاما، واليوم مع تحرر بشار خرج ليجد خطيبته خريجة جامعية درست تخصص الإعلام، وعلى دراية عميقة بقضية الأسرى التي قضت الجزء الأكبر من حياتها وهي تتردد على زيارتهم بالسجون.
هل ينتهي الألم؟
تطل والدة بشار، هديل عبيدي، بين الفينة والأخرى، ثم تنهمك في تهيئة المنزل لاستقبال مزيد من المهنئين، وتحدق ببشار وكأنها لا تصدق أنه أصبح بينهم.
تتمنى هديل أن يكون تحرر نجلها هو آخر فصل في حكاية الألم والقهر التي عاشتها العائلة على مدار 9 أعوام، إذ اعتقل بشار خلال شهر رمضان وكان من الصعب استيعاب غيابه عن مائدة الإفطار بشكل مفاجئ، مضيفة “هو ابني البكر وفرحتي الأولى ولم يكن سهلا أن أتقبل وجوده في زنازين السجون”.
تحفظ الأم جيدا الرزنامة الزمنية لتنقل بشار بين السجون، وقالت إن رحلته الاعتقالية بدأت في سجن ريمون ثم نفحة وانتهت بتحرره من سجن النقب الصحراوي.
زيارات الأسرى وانتظار الأهالي لساعات، مشاهد حفرت في ذاكرة هذه الأم عميقا، لكنها اكتفت بالقول إن الطريق نحو السجون محفوف بالمشاق التي تتبدد في اللحظة التي كان يصل فيها بشار إلى غرفة الزيارة، وأراه من خلف الزجاج وأسمع صوته عبر السمّاعة.
“السجون حرمته من المشاركة في زفاف شقيقتيه نور ولانا وحضور حفل تخرجهما وعن وجوده بيننا في الأعياد، وعن وجوده الأساسي في حفل خطوبته، السجون معاناة لا تنتهي” هكذا تصف الأم رحلة المعاناة.
خرجنا من المنزل بينما كان بشار يحمل “البطيخ” ويقول “يا الله.. لم أتذوق هذه الفاكهة ولم ألمسها منذ 9 أعوام”، ومثله نحو 4900 أسير بينهم 700 أسير مريض و200 امرأة وطفل يقبعون خلف القضبان، التي تحول دون تحقيق أبسط أمنياتهم.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.