من إنقاص الوزن إلى علاج الوسواس.. هل عقار “أوزمبيك” هو الحل السحري الذي نبحث عنه؟


مقدمة الترجمة:

في الآونة الأخيرة، تحول عقار “أوزمبيك (Ozempic)” الذي اعتيد استخدامه لمرضى السكري إلى هوس لدى كثيرين، بسبب قدرته على المساعدة على إنقاص الوزن، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث وجد “أوزمبيك” لنفسه مكانا في علاج بعض الأعراض الإدمانية القهرية، مثل حك الجلد الدائم والتدخين والتسوق القهري وغيرها، ما فتح الباب لوظائف جديدة لهذا العقار. “سارة تشانج”، محررة ذا أتلانتك، تحدثنا عن حكاية “أوزمبيك”، وكيف أصبح علاجا جديدا محتملا لأعراضنا الإدمانية أو القهرية بشكل عام. لكن دعونا نُذكِّر أن “أوزمبيك”، شأنه شأن سائر العقارات، لا يُنصح باستخدامه دون استشارة طبية متخصصة.

 

نص الترجمة:

طوال حياتها، استمرت “فيكتوريا روتليدج” في تصنيف نفسها على أنها شخصية ذات ميول إدمانية، وكان أول ما انكبت على إدمانه هو الكحول، لكن ما إن بلغت الثلاثين من عمرها حتى أقلعت عن الشرب لصالح الطعام والتسوق اللذين انسحقت تماما تحت وطأتهما وسيطرا على تفكيرها. وكثيرا ما أنفقت “روتليدج” 500 دولارا على منتجات البقالة العضوية لتتركها في الثلاجة إلى أن تفسد تماما، وعن ذلك تقول: “لم أستطع الاعتصام بإرادتي حيال هذا الشعور الآخذ في التوغل والتطرف”. هوتْ “روتليدج” إلى هذه الحالة من الاندفاع المحموم على شراء الأشياء الزائدة عن حاجتها ورميها في عربة التسوق، سواء كانت هذه الأشياء شموعا أو مستحضرات التجميل أو منتجات للعناية بالبشرة.

 

في وقت سابق من هذا العام، اهتدتْ “روتليدج” إلى عقار يُسمى “سيماغلوتايد (semaglutide)”، وهو دواء مخصص في الأصل لخسارة الوزن، وغالبا ما يشار إليه بالعامية باسم “أوزمبيك (Ozempic)”، ويُسَوَّق في الأساس بوصفه علاجا لمرض السكري. بعد تناولها لهذا العقار، بدأت أفكار “روتليدج” الإدمانية وسلوكياتها تجاه الأكل تهدأ شيئا فشيئا، كما أنها نجحت في خسارة وزنها، لكن يظل الحدث الأكثر إثارة للدهشة هو قدرتها على مقاومة الإغراءات وخروجها من المتجر ذات يوم وهي لا تحمل في عربة تسوقها سوى 4 أشياء أساسية أتت لشرائها. وعن ذلك التغيير الذي طرأ على حياتها، تعلِّق قائلة: “لم يسبق لي أن فعلت ذلك من قبل”. لقد أثمر الدواء نتائج لم تخطر ببالها، إذ تلاشت رغبتها المستمرة في التسوق والشرب التي عجزت قبل ذلك عن أن تبرأ منها، فضلا عن عدم تسرعها في إيجاد بدائل إدمانية، وربما لأول مرة في حياتها تختفي جميع رغباتها المُلحّة ودوافعها تجاه الأشياء التي تدمنها، كما لو أن تغييرا جذريا طرأ على دماغها.

 

نتائج مدهشة

في الوقت الذي ارتفعت فيه شعبية عقار “سيماغلوتايد”، بدأ المرضى في مشاركة تأثيرات غريبة تتجاوز قمع الشهية، على رأسها فقدانهم الاهتمام بمجموعة كاملة من السلوكيات الإدمانية أو القهرية التي رزحوا تحت ثقلها، كالشرب والتدخين والتسوق وقضم الأظافر وخدش الجلد أو كشطه (وهو اضطراب نفسي يشعر فيه المصاب برغبة في حك أو شد جلده باستمرار إلى الحد الذي قد يُلحق ضررا بنفسه). صحيح أن هذه التأثيرات الإيجابية لن تظهر على كل من يتناول هذا الدواء، إلا أنها كانت كافية لجذب انتباه الباحثين في مجال الإدمان. ومَن يعلم؟ فقد يُفضي اقتفاء أثر هذه القصص إلى شيء ما حقا.

 

لم تكن هذه فكرة جديدة في الأوساط العلمية، فقد بذل العلماء جهودا منذ سنوات على حيوانات المختبر لاكتشاف ما إذا كانت العقاقير المماثلة لدواء السيماغلوتايد يمكن أن تحد من استخدام الكحول والكوكايين والنيكوتين والأفيونات، وبالفعل كانت النتائج واعدة. يبدو أن عقار السيماغلوتايد وأقاربه من المواد التي تشترك في تركيب كيميائي مشابه، لعبت دورا مهما -على الأقل في الحيوانات- ضد مجموعة واسعة للغاية من العقاقير المسببة للإدمان، وذلك وفقا لما صرح به الدكتور “كريستيان هندرشوت”، الطبيب النفسي بكلية الطب بجامعة نورث كارولاينا في تشابل هيل بالولايات المتحدة.

 

المشكلة أن معظم علاجات اليوم تُصمَّم خصيصا لنوع معين من الأمراض، فمثلا نجد أن الميثادون يُستخدم للإقلاع عن المواد الأفيونية (عبر تخفيف الأعراض الانسحابية)، فيما يُعتبر البوبروبيون أحد العلاجات التي تستخدم لمساعدة الأفراد على الإقلاع عن التدخين (عن طريق تحفيز إفراز مواد كيميائية في الدماغ يمكنها أن تقلل الرغبة في التدخين)، لكن على الجانب الآخر، يمكن للسيماغلوتايد يوما ما أن يلعب دورا مرشدا في أن ننأى عن جميع هذه العادات الإدمانية باعتبار أن هذه الفئة من الأدوية قد تغيِّر من دوائر المكافأة الأساسية في الدماغ.

 

لم يتوصل العلم بعد إلى نتائج نهائية وثابتة حول هذا الموضوع رغم اهتمام الباحثين بمعرفة المزيد، ويُعد أقرب دليل على اهتمامهم بهذا النطاق هو ما يقوم به الدكتور “هندرشوت” حاليا بجامعة نورث كارولاينا من تجارب سريرية لمعرفة ما إذا كان يمكن للسيماغلوتايد مساعدة الأفراد على الإقلاع عن التدخين وشرب الكحول، ما قد يحيلنا إلى احتمالية أن هذا الدواء الذي يقمع بشدة الرغبة في تناول الطعام قد ينتهي به المطاف باعتباره خير وسيلة لتقليل الرغبة في القيام بالعديد من الأنشطة الأخرى.

 

يُعد تاريخ السيماغلوتايد إحدى المفاجآت السارّة، فقد طوره العلماء في الأصل لمرض السكري بهدف تحفيز البنكرياس على إفراز الإنسولين عن طريق محاكاة هرمون يُسمى “GLP-1” أو “الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1” ( وهو هرمون ببتيدي يُفرَز من الأمعاء بعد تناول الطعام لتنظيم نسبة السكر في الدم، وتعزيز إفراز الإنسولين). لم يكن عقار السيماغلوتايد هو النظير الأول لهرمون الببتيد الشبيه بالجلوكاجون، بل سبقته نظائر أخرى طُرحتْ بالفعل في الأسواق لأكثر من عقد من الزمن لعلاج مرض السكري، مثل الليراغلوتيد (liraglutide) والإكْسيناتيد (Exenatide). لاحظ الأطباء على الفور ظاهرة غريبة مرتبطة بهذه الأدوية، وهي قدرة المرضى الذين تناولوا هذه العقاقير على خسارة وزنهم، وهي أثر جانبي لم يكن مقصودا، لكنه ظل مرغوبا فيه بالطبع. وما إن فرض دواء السيماغلوتايد نفسه على الساحة وبدأ يُطرح في الأسواق حتى أعلن المختصون بأنه النظير الأكثر فعالية لهرمون الببتيد الشبيه بالجلوكاجون (GLP-1).

 

تأثير على الدماغ

لاحظ الأطباء على الفور ظاهرة غريبة مرتبطة ب"سيماغلوتيد" وهي قدرة المرضى الذين تناولوا هذه العقاقير على خسارة وزنهم، وهي أثر جانبي لم يكن مقصودًا، لكنه ظل مرغوبا فيه بالطبع.
(شترستوك)

يعتقد الخبراء الآن أن نظائر “GLP-1” تؤدي دورا أكبر من مجرد كونها تؤثر على البنكرياس أو تحفزه لإفراز الإنسولين. ورغم أن الآلية الدقيقة التي تتبناها هذه النظائر لخسارة الوزن ما زالت غير واضحة، يظل من المحتمل أن تعمل هذه الأدوية بطرق متعددة يمكن أن يعوَّل عليها لقمع الجوع، وذلك عن طريق إبطاء انزلاق الطعام أثناء مروره إلى المعدة، ومنع ارتفاع نسبة السكر وانخفاضها في الدم. أما الحدث الذي قد يستثير الاهتمام حقا فهو قدرة هذه الأدوية على الوصول إلى الدماغ والتأثير عليه فورا.

 

في السياق ذاته، يرى “سكوت كانوسكي”، عالم الأعصاب بجامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة، أن نظائر هرمون “الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1” يبدو أنها ترتبط فعليا بمستقبلات على الخلايا العصبية في عدة أجزاء من الدماغ. فبعدما حجب كانوسكي وزملاؤه هذه المستقبلات في القوارض، باتت العقاقير التي سبق أن تحدثنا عنها من الجيل الأول، كالإكسيناتيد والليراغلوتيد، أقل فعالية في تقليل كمية الطعام المتناولة، وكأن حجب المستقبلات أزال وسيلة رئيسية من وسائل العمل التي تعتمد عليها هذه العقاقير، فضلا عن أن التحكم في الشهية لا يتخطى كونه جانبا واحدا من عدة جوانب لهذه العقاقير. فتأثير هذه الأدوية على مستوى الدماغ والجهاز الهضمي يشير إلى قدرتها على كبح الرغبة في أشياء أخرى أيضا غير الطعام.

 

لفهم الوضع أكثر، علينا إدراك أن نظائر هرمون “GLP-1″ تؤثر بالتحديد على مسارات الدوبامين في الدماغ، كالمناطق التي تتحكم في الإحساس بالمكافأة والسعادة، ويمكن اعتبار أن هذا المسار تطور في الأصل لمساعدتنا على النجاة والبقاء على قيد الحياة. لذا، إن تأملنا في الطعام على سبيل المثال أو أي شيء آخر قد يجلب لنا المتعة، فسنجد أنه مصدر لتغذية الدماغ بالدوبامين، وجرّاء ذلك يتملكنا شعور بالرضا، والرغبة في خوض التجربة مرة أخرى. غير أن الوضع يختلف بالنسبة للمدمنين، لأن هذه العملية يطرأ عليها تغير في أدمغتهم نتيجة أو سببا لإدمانهم.

إذا أمعنا أكثر في الأمر، فسنكتشف أن المدمنين يتمتعون -على سبيل المثال- بعدد أقل من مستقبلات الدوبامين في جزء من مسار المكافأة في الدماغ (وهو عبارة عن مجموعة من البنى الدماغية التي تتنشط كلما جرّبنا شيئا مكافِئا أو مُجزيا)، لهذا السبب بالتحديد قد تجلب المكافأة ذاتها التي يستمتع بها الشخص الطبيعي متعة أقل للمدمن. جمع الباحثون في مجال الإدمان مجموعة من الأدلة على أن نظائر الـ”GLP-1″ تغيّر مسار المكافأة في الدماغ بتجريب ذلك على حيوانات المختبر.

 

توصل الباحثون في النهاية إلى أن الفئران التي تعرضت لعقار “الإكْسيناتيد” تمتعت بكمية أقل من الدوبامين بعد شربها بعض الكحول، في حين تبددت عزيمتها تجاه الكوكايين والأوكسيكودون (وهو مسكن قوي ينتمي إلى فئة الأفيونات)، وسعت إلى تعاطي كميات أقل، في حين لاحظ فريق البحث أن سعدان الفرفت الإفريقية (vervet monkeys)، المهيأة لشرب الكحول، تناولت كميات أقل منه بعد تعاطيها لعقاري الليراغلوتايد والإكسيناتيد. والجدير بالذكر أن معظم الأبحاث المنشورة اعتمدت على هذين العقارين، لكن يتوقع الباحثون أن العديد من الدراسات المختصة بعقار “السيماغلوتايد” ستسفر مسعاها عن نتائج إيجابية قريبا.

 

ربما ليس للجميع

03.06.2022 Germany A Drug box of Ozempic containing Semaglutide for treatment of type 2 diabetes and long-term weight management on a table and in the background different medical books.
أفاد الأفراد الذين تناولوا الدواء لخسارة الوزن أن السيماغلوتيد لا يقلل من جميع متع الحياة، إذ لازال بإمكانهم الاستمتاع ببضع لقيمات من الطعام أو بإيجاد الفستان المناسب، لكن الفرق أنهم باتوا أكثر تعقلًا دون مبالغة أو انكباب محموم على الأشياء. (شترستوك)

بالنسبة إلى البشر، فالأدلة العلمية المتاحة للدراسة أو البحث حول هذا الموضوع نادرة وغير كافية لإجراء استنتاجات دقيقة، فمثلا بدت بعض الدراسات -التي أُجريت على مدمني الكوكايين بعد تناولهم لعقار “الإكسيناتيد”- قصيرة جدا بحيث لا يمكن أن يُعوَّل على نتائجها، بينما أظهرتْ دراسة أخرى أُجريت على مدمني الكحول بعد تناولهم العقار نفسه أن مراكز المكافأة في أدمغتهم لم تعد تعمل بالكفاءة ذاتها عند عرض صور للكحول أثناء خضوعهم للتصوير بالرنين المغناطيسي. ومع ذلك، لم يقلل المرضى في الدراسة بشكل عام من شرب الكحول عند استخدام الدواء، رغم أن الفئة الفرعية التي كانت تعاني من السمنة استجابت للدواء الذي قمع شهيتهم بالفعل.

في السياق ذاته، يقول الدكتور “أندرس فينك جنسن”، الطبيب النفسي بجامعة كوبنهاغن بالدنمارك، الذي أجرى الدراسة على مدمني الكحول: “لا أتوقع أن ينجح الدواء مع الجميع” (تلقى جنسن تمويلا من شركة “نوفو نورديسك [Novo Nordisk]”، وهي شركة الأدوية المصنِّعة لعقار أوزمبيك، فقد تواصلت الشركة معه لإجراء بحث منفصل حول استخدام نظائر الـGLP-1 لعلاج زيادة الوزن الناجم عن الأدوية المتعلِّقة بمرض الفصام). لذا، فالسبيل الوحيد للتأكد من فعالية دواء السيماغلوتايد من عدمه في علاج الإدمان هي التجارب الأكبر والأطول باعتبار أنها ستكون أكثر قدرة على نقل الحقيقة.

 

على المنوال ذاته، أفاد الأفراد الذين تناولوا الدواء لخسارة الوزن أن السيماغلوتايد لا يقلل من جميع متع الحياة، إذ ما زال بإمكانهم الاستمتاع ببضع لقيمات من الطعام أو بإيجاد الفستان المناسب، لكن الفرق أنهم باتوا أكثر تعقلا دون مبالغة أو انكباب محموم على الأشياء. وعن هذا، تقول “إليزابيت جيرلهاج هولم”، الباحثة في مجال الإدمان في جامعة غوتنبرغ السويدية، إن أعراض “الأنهيدونيا (Anhedonia)”، وهي فقدان القدرة على الشعور بالمتعة، لم تظهر على الأفراد الذين تناولوا دواء السكري، ولم تعد أذهانهم تندفع في حلقات تفكير مهووسة بالشدة ذاتها التي انسحقوا تحت وطأتها سابقا.

 

تأكيدا على ذلك، تقول “كيمبرلي سميث”، التي لطالما وجدت صعوبة في السيطرة على كمية الطعام التي تتناولها: “ما وصلت إليه في النهاية جراء الدواء كان إغاثة كبيرة لي ومصدرا للشعور بالراحة”. فبالنسبة إلى مرضى مثلها، ‏جاد الدواء بمذاقات جديدة للحياة بعد ترويضه لسلوكياتها الإدمانية التي بلغت مستوى غير صحي.

 

أبلغ المرضى عن تغيرات غير متوقعة في سلوكياتهم، والتي تشمل سلوكيات إدمانية على غرار التدخين والشرب، وسلوكيات قهرية كخدش الجلد وعض الأظافر. وعلى عكس الإدمان، يتعلق الاضطراب القهري بالسلوكيات التي لا تهدف إلى المتعة (فالفرق بين الإدمان والوسواس القهري أن الإدمان بتعاطي المواد الأفيونية والمخدرات يهدف إلى الحصول على متعة ما، في حين يتعلق الوسواس القهري بالسلوكيات المتكررة دون تحقيق أي متعة أو رضا).

 

على الرغم من أن العلماء في سبيل طموحهم لم يكفوا عن المحاولة بإجراء مجموعة من الأبحاث على الحيوانات لاكتشاف مدى تأثير نظائر “GLP-1″ على السلوكيات الإدمانية، فلا وجود لشيء تقريبا حتى الآن يشير إلى تأثيرها على الاضطرابات النفسية الأخرى التي لا تتعلق بالطعام (كالقلق المفرط، والتحقق المتكرر، والتنظيف المفرط). ومع ذلك، ما زال محتملا أن تكون السلوكيات الإدمانية والقهرية محكومة بـ”مسارات المكافأة المتداخلة في الدماغ (overlapping reward pathways)” (وهي مسارات تنشط عند تلقي مكافأة، وتشمل مسارات الدوبامين والسيروتونين وغيرها. وعندما تتداخل هذه المسارات، فقد تؤدي إلى السلوكيات الإدمانية القهرية). وثمة احتمالية بأن يكون للسيماغلوتايد تأثير على كلا السلوكين.

 

في مواجهة الوساوس القهرية

يُعَد السيماغلوتيد دواءً جديدًا نسبيًا، وصُنِّف باعتباره أحد الأدوية المُعتمدة لمكافحة مرض السكري منذ عام 2017، ما يعني أن فهم مدى تأثير تناوله لعقود في المستقبل لا يزال بعيد المنال
يُعَد السيماغلوتيد دواءً جديدًا نسبيًا، وصُنِّف باعتباره أحد الأدوية المُعتمدة لمكافحة مرض السكري منذ عام 2017، ما يعني أن فهم مدى تأثير تناوله لعقود في المستقبل لا يزال بعيد المنال. (شترستوك)

تصف “ماري ماهر” حالتها بعد المواظبة على الدواء لمدة شهرين، لتدرك فجأة أن جلد ظهرها الذي استمرت في خدشه بصورة قهرية لعدة سنوات قد شُفي تماما. رزحت “ماري” تحت وطأة هذا المرض طويلا، ووصلت معاناتها إلى الحد الذي جعلها تنزف جراء الحك المتواصل في ظهرها، لدرجة أنها باتت تتجنب ارتداء ثياب بيضاء. لكن المفاجأة أنها لم تلاحظ كيف مضى وقت طويل منذ توقفت عن حك جلدها، وعن ذلك تقول: “يقف وعيي حيال هذا الأمر حائرا لا يستطيع تصديق ما حدث. لقد تلاشت الرغبة ببساطة!”.

 

ما زالت الآثار طويلة الأمد لدواء السيماغلوتايد -خاصة على الدماغ- مجهولة بعض الشيء. فمن المفترض أن يُستخدم السيماغلوتايد مدى الحياة إذا تعلّق الأمر بمرض السكري والسمنة، إلا أن تأثيره المفاجئ والقوي على الأفراد سرعان ما يتلاشى بمجرد أن يتوقفوا عن تناوله. تقول “جانيس جين هوانغ”، الطبيبة المتخصصة في علاج مرض السمنة في كلية الطب بجامعة نورث كارولينا: “المشكلة أن كل شيء يعود لسابق عهده، يكتسب المرضى الوزن من جديد، ويزول تأثير قمع الشهية مع العودة إلى الشعور بالجوع مرة أخرى”.

 

قد ينطبق الشيء ذاته على بعض أشكال الإدمان الأخرى، فقد لاحظ الأطباء وجود آصرة غريبة بين الإدمان وعلاج آخر للسمنة، فالمرضى الذين يخضعون لجراحة السمنة (أو عمليات تصغير المعدة) يتعرضون أحيانا إلى حالات انتقال إدمانية، بتحويل اندفاعهم المحموم إزاء الطعام إلى الكحول أو المخدرات. صحيح أن جراحات السمنة مفيدة جزئيا لقدرتها على زيادة إنتاج هرمون “GLP-1” إلى مستوياته الطبيعية في الجسم، إلا أننا ما زلنا في حاجة إلى دراسات مطولة لتحديد ما إذا كان بإمكان أدوية “GLP-1” أن تُحدِث التحول ذاته.

 

يُعَد السيماغلوتايد دواء جديدا نسبيا، وصُنِّف باعتباره أحد الأدوية المُعتمَدة لمكافحة مرض السكري منذ عام 2017، ما يعني أن فهم مدى تأثير تناوله لعقود في المستقبل لا يزال بعيد المنال (لأن تأثيراته على المدى البعيد لم تخضع بعدُ إلى الدراسة). في الوقت ذاته، تأمل “ماري ماهر” -مريضة التسحُّج العَصبي أو خدش الجلد- في الاستمرار في استخدام الدواء مدى الحياة بقولها: “كانت فاعليته مؤكدة بصورة لا يمكن للعقل استيعابها”، لتدرك “ماري” في النهاية أن معاناتها التي ظلت تكابدها منذ سنوات كانت في الأصل مسألة بيولوجية ولا علاقة لها بالعزيمة الصادقة أو قوة الإرادة.

 

قبل تناول عقار السيماغلوتايد، أمضت “ماري” نحو 30 عاما في محاولة لإنقاص وزنها بحساب السعرات الحرارية تارة وممارسة الرياضة تارة أخرى، وبالفعل تمكنت من خسارة وزنها، لكنها لم تستطع الحفاظ على هذا الوزن كثيرا. لكن ما إن تناولت السيماغلوتايد حتى اختفت هواجسها المتعلِّقة بالطعام، وأرشدها الدواء بعيدا عن القلق المفرط الذي ظل يؤرقها حتى عندما كانت نحيفة. لم يساعدها العقار على التوقف عن حك جلدها فحسب، بل ساعدها على التوقف عن قضم أظافرها، وبات عقلها الآن أكثر هدوءا وسلاما، وعن هذا الشعور تقول مختتمة حديثها: “استطاع هذه الدواء تغيير طريقة تفكيري بصورة حسّنت من حياتي كثيرا، وهي الصورة التي أود الاحتفاظ بها للنهاية”.

———————————————————————————–

هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: سمية زاهر.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post المرشح الأفرو لاتيني توني إميليو سوسا يتحدث عن تصميم الأزياء في برودواي
Next post خطأ فادح يرتكبه الجميع.. لا تخزنوا الحليب في هذا المكان!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading