منابع ومسارات المرتزقة الأفارقة نحو السودان (1) | آراء


لاستقصاء المعلومات عن حقيقة وجود منابع ومسارات وعمليات تحشيد لمرتزقة محتملين من دول غرب أفريقيا ووسطها إلى السودان للقتال بجانب متمردي الدعم السريع، طرتُ يوم 3 مايو/أيار الجاري من العاصمة الكينية نيروبي إلى العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، ومنها إلى عمق غرب أفريقيا وإلى دول الساحل على وجه الخصوص، للبحث عن حقيقة ما يجري، ولا سيما مع تواتر مرويات ومقاطع فيديو انتشرت بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعي عن تحركات وسط مجموعات سكانية من قبائل غرب أفريقيا، ودعوات للانضمام إلى قوات حميدتي (قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي) في السودان، وفوق ذلك بعد أن ذهب رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس في حواره مع دويتشه فيله الألمانية قبل أيام إلى اتهام قوات الدعم السريع بضم مقاتلين من مرتزقة أفارقة.

البحث شاق وسط الجغرافيا الأفريقية الشاسعة، في مظان ومصادر المعلومات الشحيحة سواء في تشاد بوسط أفريقيا أو جنوب ليبيا أو في دول غرب القارة مثل النيجر ومالي ونيجيريا وبوركينا فاسو وتوغو والكاميرون وبنين وموريتانيا وغيرها، فرغم التواجد الكثيف لقوات وبعثات من الأمم المتحدة وقوات من فرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة، ووجود بعثات سياسية وفرق استخبارية نشطة منتشرة في دول الساحل، وانطلاق عمليات عسكرية بتنسيقات مشتركة أبرزها تحركات الجيش الجزائري في الحدود مع النيجر ومالي والقوات الغربية مع الجيش المالي والنيجري والنيجيري، وهي عمليات تتعلق بمحاربة الإرهاب ومتابعة الجماعات المسلحة المنتشرة في هذه المناطق؛ فإن ضبط حدود هذه البلدان ومنع تدفق مرتزقتها المتنقلين من حرب إلى حرب أمر عسير للغاية.

ما الذي يجرى في السودان؟

فيما يتعلق بالسودان، هناك عدة ملحوظات:

  • أولا: لا بد من الاعتراف أن امتدادات عرقية وثقافية ومذهبية دينية وطرقا صوفية، تتوزع على رقعة واسعة من السودان حتى شاطئ المحيط الأطلسي، تتمثل في طيف ملون ومزركش من قبائل ومجموعات عرقية وطرق صوفية، بالإضافة لما أنتجه طريق الحج القديم من هجرات عبر التاريخ، فقد تقاربت وتداخلت شعوب هذه البلدان لقرون طويلة، فلا تكاد تجد قبيلة في غرب السودان ليس لها وجود في تشاد والنيجر ونيجيريا ومالي والسنغال وبوركينا فاسو وموريتانيا وليبيا، ووفر ذلك الواقع عمليات تواصل مستمر بالإضافة إلى محاضن اجتماعية ظلت تتفاعل عبر التاريخ.
  • ثانيا: انتشرت في الآونة الأخيرة مصطلحات سياسية عن “الشعوب المهاجرة” من غرب القارة إلى وسطها وشرقها، تتحرك من مكان إلى آخر مع اشتداد سعار الحروب والكوارث الطبيعية، وظهور الذهب واتساع نطاقاته ونشاطاته التعدينية الأهلية في بلدان المنطقة، ومن بينها السودان، وتعد هذه العوامل مجتمعة أهم دوافع الهجرة والتنقل لهذه القبائل أو جزء من شبابها، بحثا عن كسب ورزق أو مجد ومغامرة.
  •  ثالثا: مشاركة المجموعات السكانية في الحروب ظاهرة بدأت من فترات مبكرة بُعيد استقلال دول جنوب الصحراء في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد تفاقمت بالصراعات وخاصة النزاعات التشادية التشادية، أو الحرب التشادية الليبية، أو الصراع المسلح في ليبيا قبل سقوط القذافي وبعده، بجانب صراعات النيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى والكونغو، ثم الوضع الأمني المعروف في شمال شرق نيجيريا بسبب بوكو حرام.
  • رابعا: تنامت ظاهرة المرتزقة الجوّالين الباحثين عن المال، تجذبهم كالمغناطيس هذه الحروب والصراعات. فمنذ عام 1965، مع تأسيس حركة “فرولينا” التشادية في مدينة “نيالا” عاصمة ولاية جنوب دارفور بالسودان، شاركت مجموعات سكانية متنوعة في حروب المنطقة، وساهمت ليبيا القذافي في دعم كل الحركات المسلحة في جميع دول أفريقيا جنوب الصحراء. وفي هذا البطن الأفريقي الرخو، فلتت الأوضاع من الجميع، وحُلّ العُقال، وخرج العفريت من القمقم، واتسع الفتق على الراتق!
  • خامسا: عقب اندلاع حرب اليمن، وسبقتها حرب دارفور التي شهدت تأسيس قوات الدعم السريع، توافدت مجموعات كثيرة من دول غرب القارة وتشاد للاستفادة ماليا من “عاصفة الحزم” في اليمن، وعملت بعض دول الخليج التي استفادت من هذه المجموعات على تمويل تجنيد هؤلاء المرتزقة، وتكونت تبعا لذلك عصابات سماسرة عابرة للحدود تشارك في حشد وجمع المقاتلين المرتزقة من القبائل المقاتلة على طول هذا الحزام الطويل في أفريقيا الغربية.

مِن هذا نخلص إلى الآتي:

  • توجد مجموعات عائدة من حرب اليمن واصلت العمل مع قوات الدعم السريع وبقيت في السودان عقب أبريل/نيسان 2019، تقدرها تقارير عسكرية أوروبية بحوالي 18 ألف مقاتل، أصولهم من تشاد والنيجر ومالي وشمال نيجيريا وجنوب ليبيا.
  • استمر عمل مجموعات السمسرة وجالبي المرتزقة وتوّسع بعد دخول شركة فاغنر الروسية إلى أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا، ونشأت جيوب صغيرة في دول أفريقية أخرى، ترافق ذلك مع اضمحلال النفوذ الفرنسي في القارة وغروب شمسه.
  • مناجم الذهب والتعدين الأهلي في كل دول المنطقة جلبت العديد من العناصر المهاجرة وأصبحت من بؤر تجنيد المرتزقة ونفايات الحروب.

التشاديون أهم العناصر الوافدة للعمل العسكري، لأسباب منها التداخل القبلي وتقارب العادات والثقافة المشتركة مع غربي السودان وسهولة الحركة والتسلل إلى السودان ووجود حواضن اجتماعية

منابع المرتزقة في دول المنطقة

ونصل الآن إلى إجابة سؤال: ما أهم منابع المرتزقة في دول المنطقة؟، وهي كما يلي:

  • (أ) تشاد [وهي أهم مورد]:
  1. محافظة شاري باقرمي، وهي حيث تقع العاصمة “نجامينا”.
  2. محافظة أم التيمان، على الحدود مع السودان وأفريقيا الوسطى.
  3. منطقة أندي، شمال تشاد.
  4. أتيا، بلتن، وادي (أبشي).
  5. منطقة وادي سيرا وعاصمتها قارسيلا على حدود السودان.
  6. إقليم كانم على الحدود مع النيجر.
  7. مناطق التعدين الأهلي في تشاد، في مناطق الشمال على الحدود مع ليبيا (كوري بوجودي، مسكي، منطقة 35، منجم 13)، ومنطقة قيرا وسط تشاد، وسلامات في شرق البلاد.
  8. عناصر الحركات والمرتزقة التشاديين المبعدين من ليبيا، وخاصة الذين شاركوا في الحرب لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأبرزهم مجموعات الجفرة التي دُرّبت بواسطة فاغنر الروسية، ومجموعة “المثلث” عند الحدود الليبية السودانية التشادية، وهي أكبر تجمع للمرتزقة في المنطقة.

يمثل التشاديون أهم العناصر الوافدة للعمل العسكري، لعدة أسباب معلومة للجميع، منها: التداخل القبلي، وتقارب العادات والثقافة المشتركة مع غربي السودان، وسهولة الحركة والتسلل إلى السودان، ووجود حواضن اجتماعية.

يعدّ شمال وشرق وغرب النيجر منابع للمرتزقة، رغم النفي المغلظ والمتكرر من الحكومة في نيامي، ومناطق النشاط التجنيدي هي:

  1. ولاية ديفا في جنوب شرق النيجر على الحدود مع تشاد (1500 كيلومتر شرقي العاصمة نيامي)، وهي منطقة تقطنها قبائل عربية أهمها المحاميد الذين هاجروا عام 1980 إلى هناك بعد الحرب الأهلية في تشاد، والفيديوهات المنتشرة مؤخرا تنسب لأفراد من هذه المنطقة، وتوجد مجموعات عربية أخرى، كما يوجد نشاط لجماعة بوكو حرام.
  2. ولاية أغاديس في الشمال، وهي أكبر الولايات في النيجر وعاصمة الطوارق، وكانت توجد مجموعات منها في ليبيا، وبعض من بقايا الحركات المسلحة المعارضة في تاريخ النيجر مثل حركة الجبهة الوطنية للشباب (MNJ)، وبقايا حركة الوحدة والجهاد، وما تبقى من حركة دونوتشيفو، ومجموعات متبقية من حركات الطوارق والفولان في النيجر ومالي، وتمثل مجموعات الطوارق العدد الأكبر في شمالي النيجر.

 

نواصل الحلقة القادمة في بقية دول المنطقة

 


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post سيحضر الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI ، سام التمان ، عشاء البيت من الحزبين
Next post منتخب الشاطئية يواجه قيزغستان بدلا من السودان فى افتتاح كاس العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading