أصبحت مكملات البروبيوتيك اليوم صناعة تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، والسبب الرئيسي في رواجها هو تلك الادعاءات حول قدرة هذه المكملات على أن تملأ أمعاءك بالبكتيريا المُفيدة التي يمكن أن تعزز صحتك، وتساعدك في التغلب على العديد من الأمراض، بدءا من الإمساك مرورا بالسمنة ووصولا إلى الاكتئاب. (1) لكن هل هذا صحيح حقا؟
من الجهاز الهضمي إلى الدماغ
البروبيوتيك هي بكتيريا “جيدة” يُمكنها أن تساعد في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي كما أنها تقوم بتقوية جهاز المناعة. يمكن للشخص الحصول على البروبيوتيك من خلال مصادر غذائية متنوعة، كذلك يمكن الحصول عليها من خلال المكملات. تذكر منصة هارفارد للصحة أن البكتيريا الموجودة في الجزء السفلي من الأمعاء تساعدنا على هضم الطعام ومحاربة البكتيريا الضارة وتنظيم عمل جهاز المناعة. لكن في بعض الأحيان، عندما يحدث اختلال في توازن البكتيريا، فإن هذا يؤدي إلى الإصابة بالإسهال ومشكلات صحية أخرى.
عندما تُعاني القناة الهضمية من المستويات غير الصحية لبكتيريا معينة، تبدأ بعض الأعراض السيئة في الظهور، وهنا يمكن أن تساعد البروبيوتيك في استعادة توازن القناة الهضمية. وجدت الأبحاث أن هذه البكتيريا تفرز مواد وقائية، تعمل في بعض الأحيان على تعزيز عمل جهاز المناعة ومنع مسببات الأمراض من التوطد والتسبب في أعراض خطيرة. تُشير بعض الدراسات أيضا إلى أنه إذا كان الشخص يتناول البروبيوتيك أثناء تناول المضادات الحيوية، فمن غير المرجح أن يُصاب بالإسهال بسبب المضاد الحيوي، ولذلك من الشائع أن يتناول الأشخاص البروبيوتيك جنبا إلى جنب مع أدوية المضادات الحيوية.
عندما يصف الأطباء المضادات الحيوية لمرضاهم، فإنهم يعرفون أن هذه الأدوية لن تقضي على البكتيريا الضارة المسببة للمشكلات الصحية التي يحاولون التخلص منها فقط، بل إنها في الواقع قد تُبيد مجتمعات كاملة من البكتيريا المفيدة في الأمعاء، وساعتها تمتلئ المنافذ المفرغة بالبكتيريا الضارة التي تفرز السموم، مما يتسبب في حدوث التهاب الأمعاء ويؤدي إلى حدوث الإسهال(2). من ناحية أخرى، تُستخدم البروبيوتيك بشكل شائع لتقليل أعراض الجهاز الهضمي التي لا تنتج عن مرض حاد، مثل الغازات والانتفاخ والإمساك. (3)
يمكن كذلك لمكملات البروبيوتيك أن تقلل من أعراض متلازمة القولون العصبي ومرض التهاب الأمعاء. لكن المكملات ليست هي الطريقة الوحيدة ولا الأكثر موثوقية للحصول على البروبيوتيك، فهناك طرق أكثر فعالية لتغذية ميكروبيوم الأمعاء. من هذه الطرق تناول مجموعة متنوعة من الخضراوات والمكسرات والبذور والحبوب الكاملة، التي توفر لميكروبات الأمعاء الوقود الغني بالألياف الذي تحتاج إليه لتنمو وتزدهر. كذلك، وجد الباحثون أن تناول الأطعمة المخمرة مثل الزبادي ومخلل الملفوف والكيمتشي، التي تحتوي على البروبيوتيك والمركبات المفيدة الأخرى، لها آثار إيجابية على تعزيز ميكروبيوم الأمعاء.(2)
لا تقف الفوائد المحتملة للبروبيوتك عند هذا الحد. تؤكد منصة جامعة هارفارد أنه يمكن للبروبيوتيك أن تقوم بما هو أكثر من مجرد تحسين صحة الأمعاء لدى الشخص، وصولا إلى تعزيز الصحة العقلية بشكل غير مباشر أيضا. تقول المنصة إن هذه النتيجة قائمة على الأبحاث التي أظهرت أن القناة الهضمية والدماغ مترابطان، وتقوم بينهما شراكة تسمى محور القناة الهضمية. يتم الاتصال المعلوماتي الأساسي بين الدماغ والأمعاء من خلال العصب المبهم “Vagus”، وهو أطول عصب في الجسم. بعض الباحثين أطلقوا على القناة الهضمية اسم “الدماغ الثاني” لأنها تنتج العديد من الناقلات العصبية نفسها التي ينتجها الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين، وكلها مواد تلعب دورا رئيسيا في تنظيم الحالة المزاجية.(4)
لكن هناك مشكلة واحدة في هذا السياق، وهي أن كل ما سبق يتعلق فقط بالحالات المرضية، وحتى في تلك الحالات فإن هذا النوع من المكملات يكون إضافة جانبية للعلاجات الأساسية، خاصة أن الأبحاث التي تدعم فوائده ما زالت في أطوارها الأولية، لكن النتائج كانت إيجابية على كل حال. عند تلك النقطة تحديدا، تبدأ المشكلات في الظهور.
صناعة بـ131 مليار دولار
نمت شعبية مكملات البروبيوتيك كثيرا في السنوات الأخيرة. توضح مجلة “العلوم الأميركية” (Scientific American) أن هذه الشعبية الكبيرة جعلت بعض الشركات تُضيف هذه الكائنات الحية الدقيقة حتى إلى مستحضرات التجميل. ووفقا لمسح أجرته المعاهد الوطنية للصحة، فإن عدد البالغين في الولايات المتحدة الذين يتناولون مكملات البروبيوتيك أو البريبايوتكس، وهي الألياف غير القابلة للهضم التي تساعد على نمو بكتيريا الأمعاء، تضاعف بأكثر من أربعة أضعاف بين عامي 2007-2012.
كان عدد المُستخدمين في عام 2007 أقل من مليون شخص، لكن هذا الرقم وصل بعد نحو خمسة أعوام إلى ما يقرب من أربعة ملايين شخص. تقدر شركة الاستشارات التجارية “Grand View Research” ومقرها سان فرانسيسكو أن سوق البروبيوتيك العالمي تجاوز 35 مليار دولار في عام 2015، وتتوقع الشركة أن يصل الرقم إلى 66 مليار دولار بحلول عام 2024.(1) بعض الإحصائيات أيضا تُشير إلى أن من المتوقع أن تصل قيمة السوق العالمي لمكملات البروبيوتيك إلى 94.48 مليار دولار بحلول عام 2027، مع تسجيل معدل نمو سنوي مركب بنسبة 7.9%.(5)
وأشارت تقديرات أحدث إلى أن قيمة سوق البروبيوتيك العالمي قد قُدرت بنحو 62.4 مليار دولار أميركي في عام 2022، وسترتفع قيمته إلى نحو 131 مليار دولار أميركي في عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7.9% بين عامي 2023-2032.(6)
هل مُكملات البروبيوتيك مفيدة حقا؟
لنأتي الآن للسؤال الأهم: هل يستحق الأمر حقا كل هذا العناء وكل هذه النفقات؟ المستهلكون لمكملات البروبيوتيك الذين يُقدّر عددهم بملايين الأشخاص ويقومون بدفع مليارات الدولارات للحصول على هذه المكملات ربما يعتقدون حقا أن تناول مكملات البروبيوتيك هو أمر مفيد بشكل مطلق وقاطع، ورُبما يرددون لأنفسهم أنه حتى وإن لم يكن مفيدا، فهو آمن على أقل تقدير، لكن الواقع ليس كذلك.
تُظهر العديد من الأبحاث التي حاولت دراسة المكملات القائمة على الميكروبات أن معظم الادعاءات الصحية الخاصة بالبروبيوتيك هي مجرد “دعاية”. فشلت غالبية الدراسات في الكشف عن أي فوائد لمكملات البروبيوتيك بالنسبة للأفراد الذين يتمتعون بصحة جيدة بالفعل، مشيرة إلى أن هذه البكتيريا يبدو أنها تساعد فقط أولئك الذين يعانون من بعض الاضطرابات المعوية المحددة.
يقول ماثيو سيوربا، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي بجامعة واشنطن في سانت لويس: “لا يوجد دليل يُشير إلى أن الأشخاص الذين لا يُعانون من اضطرابات معوية يمكنهم الاستفادة من تناول البروبيوتيك”. المفاجأة أنه في بعض الحالات، قد يكون تناول مكملات البروبيوتيك خطيرا بالنسبة للأشخاص الأصحاء، فهو يرتبط بمعدلات أعلى من سرطان الرئة والثدي والبروستاتا. لكن هذا لم يمنع المسوقين من دفع المستهلكين للحصول على هذه المكملات وتناولها باعتبارها مفيدة للغاية أو على أقل تقدير “آمنة”. (1)
أحد المخاطر النظرية لمكملات البروبيوتيك أيضا هو أنه إذا كان لدى شخص ما ضعف في جهاز المناعة بسبب مرض ما أو تناول دواء معين، فقد تؤثر هنا البروبيوتيك سلبا على هذا الشخص. من مصادر القلق الرئيسية كذلك هو أن تلك المركبات تصنف على أنها مكملات غذائية وليست أدوية. نتيجة لذلك مثلا، في الولايات المتحدة الأميركية، قد لا تراقب إدارة الغذاء والدواء الأميركية تصنيع البروبيوتيك. هنا يُصبح من غير الواضح ما إذا كانت البروبيوتيك التي يمكن شراؤها من الصيدليات ومحلات الأغذية الصحية هي منتجات عالية الجودة أم لا. أيضا يجب معرفة أن بعض المنتجات منخفضة الجودة قد لا تحتوي حتى على مقدار بكتيريا البروبيوتيك المدرجة على الملصق.(3)
لتأكيد هذه النقطة تقول الدكتورة باتريشيا هيبرد، أستاذ طب الأطفال في مستشفى ماساتشوستس في بوسطن، التي درست البروبيوتيك في الأطفال الصغار وكبار السن، إن جزءا أساسيا من مشكلة البروبيوتيك هو طريقة الإعلان عنها، موضحة أنه لم تتم الموافقة على أيٍّ من المكملات الغذائية أو الأطعمة التي تحتوي على هذه البكتيريا لمنع أو علاج أمراض معينة، ولكن يُسمح للمصنعين بتقديم فوائد صحية “عامة” للإعلان عن منتجهم. على سبيل المثال، يمكن لصانعي بعض الأطعمة التي تحتوي على البروبيوتيك أن يقولوا إن منتجهم “يحسن صحة الجهاز الهضمي”، وهي عبارة غامضة غير محددة بوضوح.(7)
يضيف لورنزو كون، الأستاذ ومدير برنامج الطب التكاملي في مركز “إم دي أندرسون” للسرطان بجامعة تكساس في هيوستن، في حديث لواشنطن بوست، أن تناول جرعات مركزة من سلالات قليلة من البكتيريا يمكن أن يخل بالتوازن في الأمعاء. يوضح لورنزو قائلا: “يمكنك إنشاء شكل من أشكال الخلل عن غير قصد من خلال وجود الكثير من البكتيريا الجيدة، إنك لا تقوم هنا فقط بمزاحمة الأشياء السيئة، بل إنك تقوم أيضا بمزاحمة الأشياء الجيدة الأخرى التي يجب أن توجد في الأمعاء لخلق تنوع عالٍ من الميكروبيوم”.(2)
في هذا السياق تُشير الدراسات إلى أن تناول مكملات البروبيوتيك لدعم الصحة العامة للشخص يمكن أن يغير تكوين الميكروبيوم ويقلل من مستويات التنوع الميكروبي في الأمعاء، وهو الأمر الذي يرتبط بعدد من المشكلات الصحية. وحتى فيما يتعلق بالفوائد التي يمكن لمكملات البروبيوتيك أن تُحققها عند تناولها مع المضادات الحيوية، أسفرت إحدى الدراسات التي نُشرت عام 2018، وأُجريت بهدف التحقق من فوائد استخدام البروبيوتيك مع المضادات الحيوية عن نتائج مفاجئة.(8)
الأمر أكثر تعقيدا!
توضح مجلة “العلوم الأميركية” أن فكرة استهلاك البروبيوتيك لتعزيز قدرة البكتيريا الأصلية التي تعمل بشكل جيد بالفعل هي فكرة مشكوك فيها لعدة أسباب. أول هذه الأسباب هو أن مصنعي البروبيوتيك غالبا ما يختارون سلالات بكتيرية معينة لمنتجاتهم لأنهم يعرفون كيفية زراعتها بأعداد كبيرة. المشكلة أن تلك السلالات المعينة من البكتيريا، التي توجد عادة في العديد من منتجات الزبادي والمكملات، من النوع الذي يمكنه البقاء على قيد الحياة فقط في البيئة شديدة الحموضة للمعدة البشرية، وهو الأمر الذي لا يُمكِّن هذه البكتيريا من الوصول إلى الأمعاء من الأساس.
تقول شيرا دورون، خبيرة الأمراض المعدية في مركز تافتس الطبي: “لا تزال الكائنات الحية المجهرية مجرد قطرة في دلو. الأمعاء لديها عدد ضخم من الميكروبات”. وفقا لأحدث التقديرات، يحتوي الجهاز الهضمي البشري على نحو 39 تريليون بكتيريا، معظمها موجود في الأمعاء الغليظة.(1) كوننا لا نعرف الكثير عن تلك الكائنات يشير إلى أن العبث معها ربما يكون مخاطرة كبرى.
أضف إلى ذلك أن هناك أيضا العديد من الأسئلة التي لم يُجب عنها بعد حول مكملات البروبيوتيك، على شاكلة: ما مقدار منتج البروبيوتيك الذي يحتاج الناس إلى استهلاكه لتحقيق الآثار الصحية المفيدة؟ وكيف تعمل البروبيوتيك بالضبط في الجسم؟ وما الجرعات التي تعمل بشكل أفضل عند التعامل مع حالات طبية معينة؟ للأسف لا نعرف بعد إجابة هذه الأسئلة.(4)
———————————————————————————————–
المصادر:
1- Do Probiotics Really Work?
2- Probiotic supplements may do the opposite of boosting your gut health
3- Should you take probiotics?
4- Probiotics may help boost mood and cognitive function
5- The global probiotics market size
6- Probiotic Market Size is Expected to Reach USD 131 Bn by 2032
7- Don’t Be Fooled: 5 Probiotics Myths
8- Post-Antibiotic Gut Mucosal Microbiome Reconstitution Is Impaired by Probiotics
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.