مسجد الحسن الثاني، مجمع ديني وثقافي، معلم إسلامي وسياحي، يقع على ساحل مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب. بني في عهد الملك الحسن الثاني وسمي باسمه، واستغرق تشييده ست سنوات.
وقد اتخذ له الحسن الثاني شعارا قوله تعالى “وكان عرشه على الماء” (هود – الآية 7) ويعتبر أول معمار ديني يبنى على البحر.
وكان هذا الملك قد أشرف على مراحل بنائه بنفسه، وصمم إحدى قبابه التي استعملت لأول مرة في المساجد المغربية، كما ساهم المغاربة في تشييده عبر اكتتاب وطني عام.
وينفرد المسجد بين العمران المغربي بموقعه وضخامة حجمه وأصالة تصميمه، وبمئذنته المرتفعة 200 متر، بينما تشكل الأبنية الملحقة به مجمعا ثقافيا متكاملا.
ويزوره نحو 300 ألف سائح أجنبي سنويا، ويعد أيقونة المساجد المغربية، التي يحرص المصلون من مختلف المناطق على ارتيادها كلما حل شهر رمضان.
الموقع
يقع مسجد الحسن الثاني في شارع سيدي محمد بن عبد الله في الدار البيضاء، ويبعد عن محطة القطار (الدار البيضاء-الميناء) 20 دقيقة سيرا على الأقدام.
ويمتد نصف هذا المسجد على مياه أطراف المحيط الأطلسي على الشاطئ الغربي للمدينة، ونصفه الآخر على اليابسة.
فكرة البناء
يرجع تاريخ فكرة إنشاء المسجد إلى أول زيارة رسمية للحسن الثاني لمدينة الدار البيضاء بعد توليه العرش عام 1961، وتعهد آنذاك بأن يهب العاصمة الاقتصادية “مبنى كبيرا رائعا يمكن أن تفتخر به حتى نهاية الزمان”.
وقال إن الفكرة راودته حين قرر بناء ضريح والده محمد الخامس في مدينة الدار البيضاء، إلا أنه بعد أسابيع ارتأى أن يكون الضريح في مدينة الرباط، وقرر حينها تعويض الدار البيضاء ببناء معلم تاريخي، ففكر في بناء مسجد على الماء، شعاره الآية الكريمة “وكان عرشه على الماء”.
وكان تخصيص العاصمة الاقتصادية للمملكة بأكبر معلم روحي وحضاري يعكس أهمية المدينة ويشكل رمزا لها، بما يضمن لها تنمية معمارية متناغمة وإشعاعا عالميا روحيا، وذلك على غرار مدينة فاس المعروفة بجامع القرويين، والرباط ( صومعة أو مئذنة جامع حسان) ومدينة مراكش (صومعة أو مئذنة جامع الكتبية).
وكان اختيار الموقع على ساحل الأطلسي، ليطل المسجد على بلاد المغرب وأوروبا، فقد قال الملك “أريد أن يشيد على حافة البحر صرح عظيم لعبادة الله، مسجد تهدي مئذنته جميع السفن القادمة إلى الغرب إلى طريق الخلاص، الذي هو طريق الله.. أريد أن أبني المسجد على الماء، كما أردت أن يكون المصلي فيه والداعي والذاكر والشاكر والراكع والساجد محمولا على الأرض، ولكنه أينما نظر يجد سماء ربه وبحر ربه”.
اكتتاب وطني
في 11 يوليو/تموز 1986 (5 ذو القعدة 1406هـ) وضع الحسن الثاني حجر الأساس معلنا عن انطلاق الأشغال في بناء هذا المسجد، بحضور العلماء وطلبة الكتاتيب القرآنية وبعض رجالات المغرب.
وأعلن بمناسبة يوم الشباب، في 9 يوليو/تموز 1988، عن عملية الاكتتاب الوطني لبناء المسجد، ولو بدرهم من كل واحد منهم، حتى يكون لهم الفضل فيه، ويعود ثواب بنائه عليهم، كما أعلن الحسن الثاني يومها.
وفي 21 يوليو/تموز من العام نفسه، افتتح الحسن الثاني بالقصر الملكي في الصخيرات الاكتتاب العام، وقدم هبة مالية بلغت 4 ملايين درهم (نحو 400 ألف دولار) كما وقع شيكات أخرى باسم عدد من أفراد الأسرة الملكية.
بينما تبرع 12 مليون مغربي لبناء هذا الصرح الإسلامي الكبير عبر اكتتاب استمر 40 يوما، وصدر لكل متبرع إيصال بمبلغ اكتتابه، وشهادة تذكارية عليها صورة المسجد.
وبلغ مجموع التبرعات العامة للمغاربة نحو 30 مليون درهم (3 ملايين دولار) كما أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك.
التصميم
صمم مسجد الحسن الثاني المهندس المعماري الفرنسي ميشيل بينسو، وهو ممن استقدمهم الملك إلى المغرب، للعمل على تصميم عدد من القصور الملكية والمباني الإدارية في البلاد ومناطق جديدة بالمدن الكبرى.
وقام بينسو بتصميم المسجد على بنية تاريخية وأفق فني منفتح على العمارة المعاصرة، وذلك بعد سنوات قضاها في دراسة العمارة الإسلامية المغربية بعدما عاش في الدار البيضاء لأكثر من 20 عاما.
وذكر هذا المهندس -في مقابلة أجريت معه عام 1993- أن إلهامه لمشروع المسجد الكبير الذي اشتهر به في مساره المهني كان من 3 مصادر رئيسية، وهي جامع الكتبية في مراكش، والجزء القديم من مسجد حسان في الرباط، ثم الجامع الكبير في إشبيلية.
وجاء تصميم المسجد على مساحة إجمالية تبلغ 90 مترا مربعا، بمثابة خليط من التصميمات الأندلسية العتيقة بهذه المساجد، فأدمج أسلوبا مغربيا مع خصائص حديثة في تصميم المبنى، مسايرة للتطورات التي تشهدها المباني التاريخيّة حول العالم.
وشيد هذا المسجد على جانبين، الأول من جهة اليابسة عبارة عن مدخل مُزين بأبواب مزركشة وأقواس منقوشة ذات دلالات تاريخيّة، والثاني وسط البحر.
وكانت من التحديات التي واجهت البناء وقتها دفن وردم 15 هكتارا من مساحة البحر باستخدام مواد شديدة المقاومة، تكفل متانة البناء وثباته فوق الأمواج، مثل طلاء الترافرتين والتيتانيوم للأبواب، و”تدلاّكت” (نوع من الأصباغ المضادة للماء ومشهور في العمارة المغربية) في الداخل لمواجهة الرطوبة.
واستدعى البناء المغمور في ماء المحيط ما يناهز 300 ألف متر مكعب من الخرسانة و40 ألف طن من الفولاذ.
مواد بناء مغربية
كانت جميع مواد البناء المستخدمة في بناء المسجد من المغرب، باستثناء الأعمدة المصنوعة من الغرانيت الأبيض و50 ثريا زجاجية، استوردت من مورانو في إيطاليا.
واحتاجت زخرفة المسجد 25 ألف طن من الرخام والحجر الجيري والغرانيت، وقرابة 10 آلاف متر مربع من الزليج (السيراميك) و37 ألف متر مربع من الجبص، و53 ألف متر مربع من الخشب المنحوت، و10 آلاف متر مربع من “تدلاّكت” و300 ألف من بلاط الألمنيوم المصبوب، و980 مترا مربعا من النحاس و300 ثريا نحاسية، وسقف متحرك يزن 1100 طن ومساحته 3400 متر مربع، مغطى بخشب الأرز المنحوت والمطلي.
تدشين المسجد
استغرق العمل مدة 50 مليون ساعة، بمساهمة أكثر من 11 ألف موظف من مهندسين معماريين وفنيين وعمّال وحرفيين، لاستكمال عملية البناء ضمن المدة التي أرادها الحسن الثاني عام 1989، واعتمد طاقمان من آلاف العمّال والمهنيين والحرفيين من جميع مناطق المغرب، عملوا ليلا ونهارا.
وانتهى الأمر بتدشين المسجد، الذي كلف بناؤه نحو 500 مليون دولار، في 30 أغسطس/آب 1993 (11 ربيع الأول 1414هـ)، أي بعد 6 أعوام من الأشغال.
وتزامن افتتاح هذا المعلم مع الاحتفالات بذكرى المولد النبوي، وحضره عدد من قادة ورؤساء البلدان الإسلامية، وتولى البث الإذاعي والتلفزي لهذا الحدث أكثر من 800 مراسل من مختلف بقاع العالم.
وعام 2009، أحدثت مؤسسة تعرف بـ “مؤسّسة مسجد الحسن الثاني” لإدارة المسجد وتدبيره، تحت الرئاسة الشرفية لملك البلاد.
الطراز المعماري
جسد مسجد الحسن الثاني خصائص العمارة العربية الإسلامية، من حيث الشكل والزخرفة والحجم والموقع، وكانت هندسته المعمارية مستوحاة من الغنى الثقافي لفن البناء الذي عرف به المغرب على مر القرون.
وهو من سلاسل المنشآت والمباني الإسلامية في إحياء التراث الأندلسي، مع المحافظة على الشكل المعماري المغربي.
ومن أهم ملامح هذا النمط التركيز على قاعة الصلاة (المصلى أو صحن المسجد) بما يتناسب مع مساحة المسجد، لأنها مصدر الضوء والهواء لباقي أجزائه.
وتقع قاعة الصلاة على مساحة هكتارين في قلب المبنى، وتتسع لـ 25 ألف مصل، إضافة إلى 80 ألفا آخرين في الساحة الخارجية.
ويعلوها سقف متحرك ارتفاعه 60 مترا، يفتح ويغلق آليا في 5 دقائق لتحويل مركزه إلى فناء مشمس على غرار البنايات القديمة التي تميز الهندسة العربية الأندلسية، كما تضاء بثريات المورانو، والأبواب الزجاجية بالجدار الشمالي، ومجموعة من الشماسات المرمرية الفخمة، و3 فتحات مصنوعة في إطار خشبي مقوس.
وصحن المسجد مجهز بأرضية مدفأة مغطاة بالرخام والغرانيت والحجر الجيري، الذي يحاكي ديكور سجاد مغربي، وتزينه قباب تدعى “ستينيا” وقباب على شكل وردة، أطلق عليها اسم “حسّانية” أشرف الملك بنفسه على تصميمها، وطلب من الصانعين خلال فترة البناء تشكيلها، فكانت أول قباب تستعمل في مساجد المغرب، وهي عبارة عن خشب محفور ومثبّت على إطارات مصنوعة من 971 طنا من الفولاذ غير القابل للصدأ ومعلّق بهيكل خرساني.
ويتميز المسجد بارتفاع أعمدته 13 مترا، وتنوعها من حيث الشكل والمهارة الحرفية، في توظيف جمالي لخط وزخرفة الخشب والجبص والنحاس والرخام والفسيفساء والأصباغ بتشكل ألوانها، وقد أبدعتها أيادي أمهر الصناع التقليديين المغاربة.
وكان الحرفيون يعرضون على الملك آنذاك نماذج زخرفية تراثية متنوعة من الخشب والنحاس والحجر والرخام والزليج والجبص، أنجزت أثناء ورش بناء المسجد، وانتقى من بينها 142 عينة فنية، معروضة في متحف الحسن الثاني، الذي دشنه الملك محمد السادس عام 2012.
تصميم المئذنة
يتميز المسجد بمئذنة ذات طابع معمار مغربي أندلسي عريق، تتجه نحو القبلة توجها ركنيا، وليس كباقي المساجد في العالم الإسلامي التي بنيت أضلاعها في اتجاه القبلة.
وترتفع المئذنة 200 متر، مما يجعلها من أعلى المعالم الدينية في العالم، وهي مزودة بمنارة، وجامور مكون من 3 كرات ذهبية بارتفاع 15.5 مترا، ويشع منه شعاع ليزر يبلغ مداه 30 كيلومترا، وتعد في الوقت ذاته منارة للسفن القادمة إلى ميناء الدار البيضاء.
وكان الملك خلال زيارته للموقع، عندما كان قيد البناء، قد طلب من الشركة المسؤولة عن الأشغال رفع المئذنة بمقدار 25 مترا إضافيا بعد أن لاحظ أن حجمها لا يتناسب مع حجم المبنى، مما استدعى تطوير مواد البناء لتكون قادرة على تحمل الوزن الإضافي جراء هذا التعديل.
أما واجهات المئذنة فهي مزينة بأشكال زخرفية من الحجر الجيري الروداني، وبعجينة زجاجية خضراء فسيفسائية الشكل، وصنعت من التيتانيوم، ومثبّتة على إطارات من الفولاذ المقاوم للصدأ. وتبلغ مساحة قاعدتها 625 مترا مربعا، وجهزت من الداخل بمصعد يتسع لـ 12 شخصا، يمكنهم من الوصول إلى قمة المئذنة في أقل من دقيقة.
مجمع ثقافي متكامل
تشكل الأبنية الملحقة بالمسجد مجمعا ثقافيّا متكاملا، هدفها الارتقاء بالمسجد من مجرد معلم يعكس الإبداع المغربي في فن العمارة بمميزاته الهندسية والجمالية، إلى منارة إشعاع ديني فكري وثقافي تعمل على نقل المعرفة، وهي:
المدرسة القرآنية للتعليم النهائي العتيق
دشنها الملك الحسن الثاني عام 1988، على مساحة 4840 مترا، وهي مصممة على شكل هلالي، شرق محراب المسجد، أصبح اسمها مدرسة العلوم الإسلامية ابتداء من عام 2016، وتضطلع بمهمة التكوين في مجال العلوم الإسلامية، وعلوم الأديان، وعلوم العربية واللغات الأخرى، وكذا التعليم العتيق.
متحف الحسن الثاني
دشنه الملك محمد السادس عام 2012، على مساحة تناهز 3160 مترا مربعا، ويضم أهم منشآت الصناعات التقليدية المعتمدة في بناء المسجد، وهي عبارة عن مجموعة من القطع المنتقاة بعناية من قبل الصناع الحرفيين أثناء بناء هذا المعلم التاريخي، والمصنف ضمن لائحة التراث الوطني.
أكاديمية الفنون التقليدية
بنيت عام 2012، وهي فضاء متميز للبحث العلمي في مجال الفنون التقليدية، من خلال استكشاف وحفظ الخصائص الفنية للفن التقليدي والحفاظ عليه من الانقراض، وتخريج مهندسين معنيين بكل ما يختص بالتراث المعماري المغربي.
المكتبة الوسائطية
دشنها الملك محمد السادس عام 2010، على مساحة إجمالية قدرها 12 ألفا و400 متر مربع، فيها فهرس إلكتروني، يشمل رصيدا وثائقيا بلغات مختلفة.
أرقام قياسية تكنولوجية
صاغ خبراء الإدارة العلمية، في ورش بناء المسجد، نوعا خاصا من الإسمنت من شأنه أن يضاعف بنسبة 4 مرات المقاومة المألوفة، وهو رقم قياسي في العالم من حيث الإسمنت العالي الفاعلية.
وأدت الزيادة، في علو المنارة، بالمهندسين العاملين في قسم التجهيزات إلى دراسة واستنباط أساليب خاصة لإعادة تركيب حاملة الأثقال في ميدان الورش.
واعتمد الخبراء منتجا جديدا للتغطية، أنجع وأخف من القرميد التقليدي المصوغ بالطين المطبوخ، حيث تمكنوا من التفرد بصوغ قرميد من ألمنيوم مسبوك، وذلك بقصد تأمين فاعلية عالية.
أعمال الترميم
بعد 10 سنوات من افتتاح المسجد، تدهور الهيكل الخرساني نتيجة التعرض للمياه المالحة من المحيط الأطلسي، حيث يوجد ما يقرب من نصف أساسات المسجد.
وأديرت أعمال الترميم على 4 مراحل، بداية من أبريل/نيسان 2005 حتى أغسطس/آب 2008، من قبل فريق خبراء، بكلفة إجمالية بلغت 10 ملايين يورو.
واستخدم في هذا العمل 1300 طن من الصلب المقاوم للصدأ، مع خرسانة عالية الجودة (100 ألف متر مكعب من الخرسانة المسلحة و10 آلاف متر مكعب من الخرسانة عالية القوة) لجعل الهيكل مقاوما لهجوم الكلوريد.
صقور مكافحة تكاثر الحمام
عام 2019، أنشئ صندوق عش اصطناعي في أحد طوابق مئذنة مسجد الحسن الثاني، لجذب أفراد صقور الشاهين التي رصدت بشكل متقطع في المنطقة، وستساعد في مكافحة تكاثر الحمام. ويعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في المغرب والعالم العربي.
جوائز وتصنيفات عالمية
- الأول في ترتيب قائمة أجمل 10 مساجد في العالم، تصنيف وكالة “سيفيتاتيس” السياحية، عام 2022.
- قيّد مسجد الحسن الثاني معلما تاريخيا في عداد الآثار الوطنية في المغرب، عام 2018.
- صنّفت مجموعة من التحف التي تنتمي لمتحف مسجد الحسن الثاني ضمن لائحة التراث الوطني.
- صنفته صحيفة ديلي ميل البريطانية ضمن أفضل مساجد العالم إلى جانب مساجد أخرى بدول عربية وإسلامية عام 2015.
- رابع أجمل مساجد العالم بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، حسب تصنيف موقع “ووندر ليست” المتخصص في وضع أحسن القوائم عبر العالم عام 2014.
- أطول منارة في العالم في موسوعة غينيس للأرقام القياسية للعام 2013.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.