مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- إذا كان للحرب وجه مشرق فإنها نفضت الغبار عن قيم وعادت وتقاليد راسخة في المجتمع السوداني كان يعتقد كثيرون أنها اندثرت.
رغم المتاعب والمعاناة التي يواجهها أهل السودان بسبب القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، برز تكافل السودانيين وتضامنهم عبر مبادرات تبناها شباب كان يظن البعض أنهم بعيدون عن إرث الآباء والأجداد، وانفصلوا عن بيئتهم وباتوا غرباء في مجتمعهم.
ومنذ بداية الاشتباكات في منتصف أبريل/نيسان الجاري، تحرك مواطنون سودانيون ومقيمون لمغادرة الخرطوم برا، حاملين معهم أغلى ما يملكون، ترافقهم حالة قلق وخوف على أنفسهم وأطفالهم مما قد يواجهونه أثناء سفرهم نحو المجهول.
غير أن ما خفف عنهم قسوة رحلة النزوح، هو استقبال أهل القرى والمدن بترحاب وبشاشة وتقديم مساعدات مختلفة، وما إن غادروا منطقة حتى تقابلهم مجموعة أخرى بالابتسامات والمياه المثلجة والفطائر والحلوى، وحتى بعض الأدوية للمصابين بالأمراض المزمنة لمن يطلبونها.
مبادرات ومشاعر فياضة
نشطت عدة مبادرات سعت إلى مساعدة الفارين من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة المتاخمة، أو عبر ولاية نهر النيل إلى بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر، أو عبر الولاية الشمالية نحو معبري أرقين وأشكيت للعبور إلى مصر، أو عبر ولاية القضارف نحو معبر القلابات إلى إثيوبيا.
في هذا السياق، يقول أحمد الهندي عضو مبادرة شباب البشاقرة التي تبعد 76 كيلومترا عن الخرطوم إنهم استقبلوا آلاف العابرين في طريقهم إلى ود مدني حاضرة الولاية أو الولايات الشرقية ومنطقة سنار.
يصل كثيرون في ظروف نفسية صعبة وحالة من الإحباط والحزن، لكن خلال ساعات تتبدل أحوالهم وتنفرج أساريرهم عندما يجدون حسن الاستقبال والضيافة، ما يمنحهم طاقة وأملا يساعدهم في استكمال رحلتهم إلى مقصدهم، حسب حديث الهندي للجزيرة نت.
أبرز مشهد إنساني يتذكره الهندي هو وصول شابة في حالة مخاض أوشكت على الولادة في السيارة، لكنهم استدعوا لها قابلة لتضع الطفل وهي تبكي من الفرح والسعادة وسط مساعدتها من نساء المنطقة والاحتفاء بها واستضافتها في منزل مع زوجها.
وفي مدني حاضرة ولاية الجزيرة ثاني أكبر ولايات البلاد من حيث عدد السكان بعد الخرطوم، هيّأ نخبة من الشباب المنازل والسكن الجامعي لاستضافة النازحين الذين لا يستطيعون توفير إيجار المنازل التي وصلت إلى حوالي 100 دولار يوميا.
بدوره، يوضح منسق مبادرة “مرحبا بكم” خالد السماني، أنهم يدركون أن القتال في الخرطوم فاجأ سكانها، وكثيرون غادروا منازلهم على عجل لتجنب أهوال الحرب ومآسيها وليس في يدهم من المال ما يكفي وواجهوا ظروفا قاسية، لذلك تحرك أعضاء المبادرة لتجهيز 3 مجمعات سكنية تابعة لجامعة الجزيرة تستوعب 5 آلاف شخص لاستضافة النازحين.
ويضيف السماني أن المبادرة تشمل غير السكن توفير الأكل والشرب والحليب للأطفال والرعاية الطبية، فضلا عن التأهيل النفسي لمن أصيبوا بالصدمة من أصوات الأسلحة الثقيلة، ولاحظ أن أكثر من تأثروا هم الأطفال والأمهات الجزعات على مصير أطفالهن.
وبادر شباب آخرون بتصميم تطبيق “سلامات سودان” المعني بالخدمات الأساسية في مختلف الولايات، مثل أماكن الأطباء، ووجود الدواء، ومحطات الوقود التي تعمل، ووسائل التنقل، وغيرها من الخدمات الأساسية والضرورية في حالات الحرب.
رحلة الإرهاق والمتاعب
الرحلة بالبر من الخرطوم إلى معبر أرقين الحدودي مع مصر تستغرق 14 ساعة، وكثير من الأسر التي لجأت إلى شمال وادي النيل بها كبار سن ومرضى لا يتحملون الإرهاق، كما أن الانتظار في المعبر لاستكمال إجراءات الدخول للأراضي المصرية يستغرق وقتا طويلا أيضا.
شباب من مدينة دنقلا حاضرة الولاية الشمالية نفذوا مبادرة لاستضافة العابرين ساعات لالتقاط أنفاسهم، وأخذ قسط من الراحة تعينهم على استكمال رحلتهم التي تستغرق 4 ساعات حتى المعبر.
ويروي محمد ساتي للجزيرة نت أن من بين الفارين إلى مصر مرضى بالفشل الكلوي وأمراض أخرى وهم في وضع صحي معقد، ولجأ بعضهم إلى مستشفى دنقلا التي توجد به وحدة لغسيل الكلي، وكبار سن على كراسي متحركة لا يستطيعون المشي على أقدامهم، ولم يكونوا يفكرون في مغادرة وطنهم لولا أهوال الحرب التي شهدوها.
ورغم أن جميع هذه المبادرات فردية، ولن تغطي كافة الاحتياجات والآثار الواسعة للحرب، فإنها عززت قيم التكافل وأظهرت الوجه الحقيقي للمجتمع السوداني، وعكست أن تطور الحياة وأوضاع البلاد لم تضعف هذه القيم المغروسة في وجدان الشعب، حسب الباحث الاجتماعي حسن الطاهر.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.