طهران- بعد أن عرقلت العقوبات الغربية المفروضة على إيران إكمال مسار النقل الرابط بين الشمال والجنوب لفترة تزيد على عقدين، أسهمت العقوبات التي فُرضت على موسكو في استثمارات روسية لإنشاء آخر حلقة من الممر الذي يهدف إلى الربط بين الهند وروسيا عبر إيران.
وشهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي توقيع اتفاق بمبلغ 1.6 مليار دولار لتمويل وإنشاء خط للسكك الحديدية بطول 162 كيلومترا بين مدينتي رشت وآستارا (شمال غربي إيران)، ليكون جزءا من ممر نقل يهدف إلى ربط الموانئ الروسية بالموانئ الإيرانية المطلة على مياه الخليج.
وبينما تصف إيران الاتفاق بأنه “خطوة مهمة وإستراتيجية في مجال التعاون الثنائي بين طهران وموسكو”، تقول روسيا إن هذا الممر يمكنه منافسة قناة السويس بوصفه طريقا رئيسيا للتجارة العالمية.
مواجهة العقوبات
وبعد توقيع كل من روسيا وإيران والهند عام 2000 الوثيقة الأولى لإنشاء الممر، يرى مراقبون إيرانيون في العقوبات الغربية المفروضة على كل من طهران وموسكو عاملا أساسيا دفع الجانبين الإيراني والروسي إلى تسريع إكمال المشروع من أجل الالتفاف على العقوبات.
في غضون ذلك، علق فيدانت باتيل نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية -في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي- بالقول إن “أي مشروع لتفادي العقوبات أمر مقلق بالنسبة لنا”.
من جهته، يصف الباحث في الاقتصاد السياسي فرزاد أحمدي الاستثمار الروسي في السكة الحديدية بأنه “خطوة متأخرة”، مستدركا “أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا”، وأضاف أن الحرب الروسية على أوكرانيا زادت الشرخ بين الشرق والغرب، وهو ما أسهم في التعجيل بإكمال ممر “شمال-جنوب”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى أحمدي أن العقوبات الغربية أغلقت أبواب أوروبا في وجه البضائع الروسية، مما حث موسكو على الاستثمار في ممر “شمال-جنوب” لفتح أسواق جديدة في شرق آسيا وتعويض الأسواق التي خسرتها في الدول الغربية.
تحديات دولية
وعزا الباحث الإيراني سبب التأخير الروسي في المساهمة بمشروع ممر “شمال-جنوب” إلى فقدانه الجدوى الاقتصادية المطلوبة مقارنة مع التجارة مع الدول الغربية، وتوقع تنامي التعاون بين بلاده وروسيا خلال السنوات المقبلة لمواجهة العقوبات الغربية المفروضة على البلدين.
ولفت أحمدي إلى أن نحو 10% من التجارة البحرية العالمية تمر عبر قناة السويس التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، واصفا الحديث الروسي عن قدرة الممر الرابط بين روسيا والهند عبر إيران علی منافسة قناة السويس بأنه مبالغ فيه ويأتي لتسليط الضوء علی أهمية الممر الجديد.
ويبلغ طول الممر الممتد من مدينة سان بطرسبورغ الروسية على بحر البلطيق عبر بحر قزوين وإيران، ومياه الخليج حتى المحيط الهندي 7200 كيلومتر، ويقلل الفترة الزمنية بما قد يصل إلى 30 يوما مقارنة مع الممر التقليدي عبر قناة السويس.
وخلص أحمدي إلى أن الجهات التي تفرض عقوبات على كل من إيران وروسيا ستعمل على عرقلة تحويل الممر الجديد إلى طريق رئيسي للتجارة العالمية، لا سيما في مياه الخليج.
تنافس إقليمي
وفي السياق، يقرأ الباحث الاقتصادي غلام رضا مقدم مشروع مد السكة الحديدية الجديدة (شمال غربي إيران) في إطار التنافس الإقليمي والدولي، موضحا أن السكة الحديدية الجديدة ستستخدم في ممري شمال-جنوب وغرب-شرق اللذين يربطان كازاخستان بتركيا وأوروبا عبر الأراضي الإيرانية.
أما الضغوط الغربية على روسيا فإنها تشكل فرصة للجانب الإيراني لتفعيل الممرات المعطلة بسبب عجز التمويل، وزيادة نصيبه من التجارة العالمية، وفق رضا مقدم الذي أوضح للجزيرة نت أن بلاده تأخرت كثيرا في إنجاز شبكة الممرات، وأنها تخشى في الوقت الراهن من ضياع موقعها الجيوإستراتيجي جراء ذلك.
ولفت الباحث الإيراني إلى أن هناك ممرين آخرين تمضي عمليات إنشائهما على قدم وساق شرقي إيران وغربها، موضحا أن اتفاق أوزبكستان وباكستان وأفغانستان عام 2021 على مشروع السكك الحديدية البالغ طوله 600 كيلومتر الذي يمتد من مزار شريف وكابول وبيشاور سيربط بين أوروبا وآسيا بعد إكماله.
ووصف اتفاق بغداد وأنقرة في مارس/آذار الماضي لربط ميناء الفاو العراقي على المياه الخليجية بالأراضي التركية بأنه الممر الثاني الذي من شأنه منافسة ممر “شمال-جنوب” عبر الأراضي الإيرانية، وحث طهران على إكماله قبل إنجاز الممرين المنافسين شرق بلاده وغربها.
وختم رضا مقدم بالقول إن السعة الاستيعابية لممر “شمال-جنوب” ستبلغ نحو 30 مليون طن من البضائع سنويا بعد تشغيله بالكامل، مما يشكل دفعة قوية للاقتصاد الإيراني، علما أن سعته الراهنة لا تتجاوز مليوني طن.
ورغم أن إيران كانت أعلنت تدشين الممر قبل عامين ونقل شحنة ورق من فنلندا إلى الهند، عبر شاحنات من ميناء آستارا الإيراني على بحر قزوين إلى المياه الخليجية عبر القطار ثم بحرا إلى الهند، فإن المشروع تعثر لأسباب لم تعلن بعد، بيد أن مراقبين يعزون السبب إلى عدم استكمال السكة الحديدية بين رشت وآستارا.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.