يشكك المؤرخ والأكاديمي المصري خالد فهمي -في الجزء الثاني من حواره مع برنامج “المقابلة”- في أن يكون مؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا قد جاء بمشروع لبناء الدولة، موجها نقدا لاذعا لتجربته ولنواياه اتجاه المصريين.
ويقدم فهمي -وهو صاحب كتاب “كل رجال الباشا محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة”- قراءة مختلفة لتاريخ تأسيس الدولة المصرية الحديثة، إذ يصف تأسيسها على يد محمد علي وخلفائه بالإنجاز الضخم، لكنه يتساءل عن كيفية ووقت تأسيسها، والتكلفة التي أسست بها هذه الدولة، وعن الطرف الذي دفع الثمن، مؤكدا أنه يشكك في مقولة “إن محمد علي جاء بمشروع”، وأن مشروعه كان لتأسيس حكم أسري.
ويكشف أن محمد علي الذي ولد في مدينة “قولة” باليونان -وكانت إقليما عثمانيا- جاء إلى مصر في مارس/آذار 1801، مع حامية عثمانية قوامها 4 آلاف جندي بغرض طرد الفرنسيين من مصر، وكان ضابطا غير نظامي، ولم يكن يتحدث اللغة العربية بل إنه كان أميا، ولم يكن له كفيل في الدولة العثمانية، ولم يكن من الأشراف.
ويشير إلى أن محمد علي تولى السلطة في مايو/آذار 1805 بعد رحيل الفرنسيين والبريطانيين الذين ساعدوا الجيش العثماني في طرد الفرنسيين، ولم يكن الشارع مصدر شرعيته الحقيقي بل كان الفرمان العثماني. أما مصدر قوته فكانت الحامية الألبانية التي جاءت معه إلى مصر.
ويؤكد المؤرخ المصري أن محمد علي تولى السلطة كحاكم عثماني، لكنه كان مدركا اختلافه عن الحكام العثمانيين السابقين، وهو ما أسس لهاجس عميق شكل مفتاح شخصيته.
وفي العقد الأول والثاني من حكمه، حقق محمد علي -كما يقول ضيف حلقة (2023/6/25) من برنامج “المقابلة”- إنجازات غير مسبوقة، مثل تغيير نظام ملكية الأرض واستحداث زراعة القطن واحتكار كل المحصولات الزراعية وإعادة النظام الضريبي بشكل عام.
غير أن الإنجازات التي حققها محمد علي لم تعد بالنفع على المجتمع المصري، وخاصة الفلاحين الذين يشكلون أغلبيته، ويؤكد فهمي أن عمال المصانع مثلا كانوا يعاملون كعبيد، حيث يربطون بسلاسل في الآلات، بالإضافة إلى أن المجتمع المصري كان يحكمه نظام بوليسي صارم، ونخبة شكلها محمد علي تتكون من أعضاء أسرته ومعارفه وطبقات أخرى لا يوجد فيها مصريون.
ورغم إقراره بأن محمد علي نجح في تأسيس آلة عسكرية جبارة حققت انتصارات، يقول فهمي إن الجهاز الإداري والدولة التي أسسها لم تكن قادرة على الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها جيوشه.
تهميش المصريين
كما يقول المؤرخ المصري إن محمد علي لم يراهن على المصريين وجعلهم خاضعين للدولة التي أسسها، بل إنه كان يحتقرهم، في مقابل اعتماده على مستجلبين من الخارج، مثل الألبان والأتراك والأوروبيين وغيرهم. ولم تتم ترقية المصريين إلى مناصب قيادية في الجيش إلا بعد أن حكم سعيد، ابن محمد علي باشا.
ويشير إلى أن ثورة القائد العسكري والسياسي المصري، أحمد عرابي، كانت نتيجة حتمية لسخط الشعب المصري ضد تهميشه واعتراضه على سياسة عزله ومنعه من تولي المناصب القيادية.
ويذكر أن محمد علي تنازل عن الحكم عام 1848 لأسباب صحية، وتوفي عام 1849.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.