يشكل المركّب الكربوني الجديد في الفضاء أسس كل الحياة المعروفة، وحدد فريق البحث مكان هذا المركّب في “سديم الجبار” الذي يقع في القرص البروتوكوكبي المحيط بنجم شاب يبعد عن الأرض 1350 سنة ضوئية
تمكن فريق بحث دولي من اكتشاف مركّب كربوني يسمى ثنائي الميثيل “سي إتش 3+” (+CH3) لأول مرة في الفضاء باستخدام بيانات جمعها تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” (NASA) ووكالة الأوروبية للفضاء والوكالة الكندية للفضاء، ونشرت نتائج الدراسة في دورية “نيتشر” (Nature) بتاريخ 26 يونيو/حزيران الماضي.
تقول مريم الياجوري الباحثة المغربية المشاركة في الاكتشاف للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني “هذا الاكتشاف يلقي الضوء على كيفية تشكل المركّبات العضوية في الفضاء وقدرتها على تكوين الحياة، كما يعزز فهمنا لمنشأ الحياة، وقد يساهم في البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض على وجه الخصوص”.
مركّب كربوني جديد
يشكل هذا المركّب الكربوني الجديد في الفضاء أسس كل الحياة المعروفة، وقد حدد فريق البحث مكان هذا المركّب الكربوني في “سديم الجبار” الذي يقع في القرص البروتوكوكبي المحيط بنجم شاب يبعد عن الأرض 1350 سنة ضوئية.
وحسب البيان الصحفي لوكالة “ناسا”، فقد وجد العلماء بصمات جزيء في ضوء قادم من قرص كوكبي دوار من الغبار والغاز حول نجم شاب، والقرص موجود في “سديم الجبار” (Orion Nebula) على بعد 1350 سنة ضوئية من الأرض، علما أن الأقراص الكوكبية هي مراحل أولية لتكوين مجموعات تماثل المجموعة الشمسية.
وتقول الياجوري “هذا الاكتشاف مهم لأن الكربون هو العنصر الأساسي في المركّبات العضوية التي تشكل أساس الحياة على الأرض، ويعتبر جزيء “سي إتش 3+” بداية لتفاعلات كيميائية وتشكيل مركّبات عضوية أكثر تعقيدا، مما يعني وجود مكونات أساسية للحياة في الفضاء، ويعد هذا اكتشافا مهما لفهم كيفية ظهور الحياة على الأرض وكيف يمكن أن تتطور في مكان آخر”.
تأكيد لتوقعات العلماء منذ السبعينيات
حسب الباحثة مريم الياجوري، فإن “هذه الدراسة لها أهمية كبيرة في الأوساط العلمية، لأنها تؤكد توقعات العلماء منذ السبعينيات بشأن دور جزيء “سي إتش 3+” في الكيمياء العضوية في الفضاء، وهذا الاكتشاف سيسهم في تطوير نماذج الكيمياء الفلكية ويعزز فهمنا لعمليات تكوين الكواكب والحياة في الكون”.
ووفق الدراسة العلمية التي أنجزها فريق البحث، فقد تم “اقتراح أن الكيمياء العضوية في الطور الغازي في الفضاء قد بدأت بواسطة الميثيل كاتيون “سي إتش 3+” قبل 40 عاما، لكن حتى الآن لم يتم اكتشافه خارج النظام الشمسي، وقد أصبح هذا ممكنا الآن بفضل بيانات وإمكانيات تلسكوب جيمس ويب الفضائي”.
وتشير مريم في حديثها للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني إلى “أن الطبيعة غير المتوقعة للاكتشاف شكلت تحديا كبيرا لفريق البحث”.
وتقول “عندما التقطنا في البداية طيف قرص تكوين الكواكب فوجئنا لأننا لم نكن نعرف ما الذي نرصده، ولمعالجة هذا الأمر طلبنا المساعدة من علماء آخرين -ولا سيما علماء التحليل الطيفي الذين يعملون في العمل المخبري- لمحاولة إعادة إنتاج ظروف الفضاء لإعادة إنتاج الجزيئات”.
تلسكوب جميس ويب
ووفق البيان الصحفي لوكالة “ناسا، فقد “استخدم فريق من البحث تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا للكشف عن مركّب كربون جديد في الفضاء لأول مرة، وهو جزيء مهم لأنه يساعد على تشكيل جزيئات الكربون”.
وتشكل مركّبات الكربون أسس كل أشكال الحياة المعروفة، وعلى هذا النحو فهي مثيرة للاهتمام بشكل خاص للعلماء الذين يعملون على فهم كيفية تطور الحياة على الأرض وكيف يمكن أن تتطور في مكان آخر في كوننا.
وتوضح الياجوري “تلقينا البيانات الأولية من تلسكوب جيمس ويب في إطار برنامج دولي تجريبي “إي آر إس- بي دي آر إس 4 إيه آي آي” (ERS-PDRs4All) على شريط الجبار في أوريون في سبتمبر/أيلول الماضي، وهذا يعني أنه مر ما يقارب 10 أشهر قبل أن نتمكن من نشر هذا الاكتشاف”.
وتقول ” بين تحليل البيانات ومعايرتها ومعالجتها ثم مقارنتها بالبيانات المختبرية إنه عمل طويل المدى ومستمر على المدى الطويل، ولكن في النهاية يكون هناك عائد للجهود المبذولة”.
وتضيف الياجوري “ساعدنا تلسكوب جيمس ويب في هذا الاكتشاف من خلال قدراته المميزة في التقنية مطيافية، فهو تلسكوب فضائي قوي وحساس يمكنه رصد الإشارات الضعيفة في نطاق الأشعة تحت الحمراء من مناطق تشكل النجوم والسدم والكواكب النامية والمجرات البعيدة”.
وتختم حديثها للجزيرة نت بشأن مستقبل البحث في هذا الاكتشاف بالقول “هذا الكشف العلمي يحتاج إلى مزيد من البحث المتعمق في المستقبل، لأنه في العقود الأخيرة اعتُبر أن تكوين الجزيئات العضوية في الفضاء يحدث بشكل رئيسي على سطح الحبيبات، لكن اكتشاف “سي إتش 3+” يشير إلى وجود طرق بديلة في الطور الغازي لتنشيط الكيمياء العضوية عند وجود إشعاع فوق البنفسجي، فيما يعد الكشف عن “سي إتش 3+” إنجازا واعدا، وهناك العديد من الأسئلة الباقية حول التحفيز والكيمياء والخصائص الطيفية لهذا الجزيء”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.