بعد نحو 12 عاما من غيابه عن حفلات لبنان، أحيا الفنان المصري عمرو دياب حفلا موسيقيا في بيروت، حظي بحضور جماهيري كبير، هو الأضخم في بيروت منذ سنوات، ما يعكس امتداد تألق النجم المصري رغم مرور السنوات وتعاقب الأجيال.
وحضر أكثر من 16 ألف شخص حفل الفنان الشهير بـ”الهضبة”، ارتدوا جميعا اللون الأبيض، في استجابة لطلب منظمي الحفل الذي امتد لقرابة ساعتين، تنقل خلاله دياب بين أبرز ما أنتج خلال مشواره الممتد 40 عاما.
نجومية ساطعة
في عام 2013، سجل عمرو دياب رقما قياسيا بعد فوزه بـ 4 جوائز “وورلد ميوزيك أوورد” لأكثر الألبومات مبيعا في الشرق الأوسط عن ألبوماته “عودوني 1996″ و”أكتر واحد بيحبك 2001″ و”الليلة دي 2007″ و”الليلة 2013”.
ورغم أنه سيتم عامه الـ62 في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فإن دياب لا يزال محتفظا بقدر كبير من نجوميته، ويتربع في قوائم الأكثر استماعا على منصات البث منذ إطلاقه أولى ألبوماته “يا طريق” عام 1983، فما سر هذه النجومية الممتدة؟
قصة البدايات
في فيلم “أيس كريم في جليم” عام 1992، أحد الأفلام الأربعة التي شارك “الهضبة” في بطولتها، جسد الشاب البالغ من العمر حينها 30 عاما، دورا يشبه إلى حد ما شخصيته الحقيقية، فظهر بشخصية مغن حالم اسمه سيف، يحاول رسم ملامح مشروعه الموسيقي، يتخبط بين الذوق التجاري الغربي وذوق الشارع المعاصر حينها، يسكن مرآبا ويقود دراجة نارية، ويكسب قوت يومه من توصيل شرائط الفيديو.
وفي الفيلم، يتحدث سيف إلى أصدقائه الموسيقيين عن تقنية جديدة في التسجيلات الموسيقية وما تتيحه من إمكانيات جديدة للموسيقيين والموزعين، وكانت تقنية “تسجيل المسارات الصوتية المتعددة” (Multi-Tracking Recording) جديدة بحق، وتسهل عملية الإنتاج الموسيقي، حيث تتيح تسجيل كل صوت موسيقي على حدة ومن ثم معالجته وتوليفه مع بقية المسارات لصناعة أغنية كاملة.
وظهرت التقنية في النصف الثاني من الثمانينيات وازدهرت في النصف الأول من التسعينيات، بالتزامن مع فترة ازدهار عمرو دياب موسيقيا وانتشاره في حدود أوسع.
ربما كانت هذه “اللمحة” التي ذكرها سيف عن “التراك” جزءا من حوار الفيلم، لكنها لمحة أصيلة عن عمرو دياب، الذي يتابع تطورات سوق الموسيقى عالميا ومحليا، ويملك بوصلة تشير إلى أين يتجه ذوق الجمهور، فصاغ معادلته الخاصة الملخصة في الجمع بين الأغاني مضمونة النجاح عبر أغنية طربية ذات إيقاع مقسوم تبرز إمكانياته الغنائية، إلى جانب التجريب في “تراكات” جديدة يدخل فيها التقنيات الجديدة.
وكان دياب من أوائل المطربين العرب المبادرين إلى استخدام موسيقى “التكنو” في “حبيبي ولا على باله” ضمن ألبوم “أكتر واحد بيحبك 2001″، و”الهاوس” في ألبوم “وياه 2009″، وبخيارات كهذه تمكن من الاحتفاظ بشباب جمهوره، مثلما يجتهد للاحتفاظ بشبابه، ونجح في الوصول لشرائح أكبر من الجمهور، مع احتفاظه بالجمهور المعتاد.
إقلاع عن الخيارات الفاشلة
بالإضافة إلى ميله إلى المغامرة والتجريب في الموسيقى الذي يستهدف به جذب الجمهور الأصغر سنا، يدرك عمرو دياب الخيارات الفاشلة ونقاط ضعفه ويتخلى عنها، بدليل إدراك حظه الضئيل من موهبة التمثيل، وبالتالي اختار الابتعاد عن التجارب السينمائية والتركيز على ما يفهمه بشدة، الموسيقى وميول الجمهور الموسيقية.
كما يدرك عمرو دياب ما يمكن للرأي أن يتركه في نفوس الجمهور، ويتجنب دائما إبداء آرائه بشكل عام، كما لم يقع في فخ إبداء موقف سياسي، فلم يغنِّ أي كلمات تحمل معنى سياسي معارض أو مؤيد، فالأغنيات الوطنية القليلة التي غناها لا تفصح عن رأي سياسي، وهي أغنيات يمكن تأويلها وفق موقع المستمع لكن لا يمكن إثبات القصد من ورائها، في حين وقع بعض معاصريه من المغنين في إبداء مواقف سياسية تراجعوا عنها فيما بعد، فقل رصيدهم عند جمهور بنى إعجابه بناء على الموقف السابق.
وحتى أغنية “واحد مننا 2010” التي أشيع أنها مغناة للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، يمكن اعتبارها مغناة للمواطن المصري بشكل عام، ولأي رئيس بشكل خاص، وأغنياته الأخرى تتغنى بالقاهرة ومصر والنيل مثلا.
قاموس غنائي محدود
بينما يتميز عمرو دياب بتنوعه الموسيقي وتطويره في النغمات والإيقاعات، يتراجع تطوره في كلمات الأغاني التي يختارها، وتأتي الانتقادات دائما في محدودية قاموسه اللغوي الغنائي، ويأتي هذا ترجمة لخيار أقره في حوار مع الإعلامي المصري مفيد فوزي بعد نجاح ألبوم “ميال 1988” حين قال إنه يرفض “كلمات الأغاني التي تدّعي الثقافة، ويميل إلى الكلمات البسيطة، ولكن الجديدة منها”.
غير أن ذلك لم يمنع دياب من إصدار ألبومين أحدهما “الليلة دي” والآخر “الليلة”، وتغلب على أغانيه كلمات محددة مكررة، تتراوح بين “الليلة، حبيبي” وتتكرر في غالبية أغانيه.
وطالت الانتقادات أغنيات أخرى تكررت فيها الكلمات أكثر من مرة، فعلى سبيل المثال، تكررت كلمتا “بناديك تعالى” في الأغنية التي “تحمل نفس الاسم من كلمات الشاعر تامر حسين، 30 مرة، خلال 3 دقائق و15 ثانية هي مدة الأغنية. وتكررت كلمة “حبيبي” أكثر من 45 مرة في أغنية “آه حبيبي” من ألبوم “معدي الناس”.
وقد تكون تلك الانتقادات سببا في في اختيار دياب الغناء من كلمات الشاعر الأندلسي ابن زيدون في آخر تجاربه “والله أبدا”، لكنها كانت تجربة لم تحقق النجاح المرجو.
وإلى جانب حرصه على التجديد في الموسيقى، اعتاد عمرو دياب تغيير شكله وقصة شعره وأسلوبه في الملابس، فمع كل ألبوم ثمة موضة شكلية جديدة يصنعها دياب، وتنتشر بين الشباب مع انتشار موسيقاه، لكن يبدو أن هذه الصرعة انتهت مع تجاربه الأخيرة الموسيقية التي لم تلق النجاح الكافي، والشكلية التي قوبلت بسخرية وتساؤلات عديدة.
ورغم ذلك لم تتأثر جماهيريته وأعداد مرات استماعه على المنصات ومبيعات تذاكر حفلاته، وكانت آخرها حفلة بيروت.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.