رغم أن العام 2023 لا يزال في نصفه الأول، فيمكن القول إن فيلم “سوبر ماريو” (The Super Mario Bros) ظاهرة العام بلا منازع، إذ فاق أداؤه أكثر التوقعات تفاؤلاً وحقق أرقامًا قياسية.
و”سوبر ماريو” كسر حاجز المليار دولار هذا الأسبوع، ليتحوّل المشروع الذي بدأ “مغامرة” من “استوديو يونفيرسال” ليصبح الأعلى إيرادًا لهذا العام حتى الآن.
ورغم نجاح هذا العمل جماهيرياً، فإنه نال استقبالاً فاتراً من النقاد، إذا لم يحصل سوى على نسبة 59% على موقع “الطماطم الفاسدة” (روتن توماتوز Rotten Tomatoes).
“سوبر ماريو” والأرقام القياسية
حطم “سوبر ماريو” حاجز المليار دولار بعد 26 يوما فقط من عرضه بالسينما، ليصبح فيلم الرسوم المتحركة العاشر الذي استطاع تحقيق مليار دولار، وأول فيلم رسوم متحركة يحقق هذا الإنجاز في عصر “ما بعد كوفيد-19”.
وبالنسبة لـ “استوديو يونيفرسال” فإن هذا الفيلم أصبح سابقة بالفعل وحقق نجاحات تجاوزت أحلام أكثر المنتجين تفاؤلاً، فهو أعلى فيلم رسوم متحركة إيرادًا بتاريخ الاستوديو متفوقًا على سلسلة “مينيونز” وثالث فيلم من ناحية الإيرادات بشكل عام بعد “عالم الديناصورات” (Jurassic World) والفيلم الكلاسيكي الرائد “إي تي” (E.T. The Extraterrestrial).
وأما على مستوى هوليود بالكامل، فإن “سوبر ماريو” يعد رابع فيلم من حيث الإيرادات منذ العام 2019 أي ما قبل الوباء والهزة العميقة التي لاقتها السينما نتيجة للحجر الصحي والإغلاق وانتشار المنصات. كما يعتبر الأعلى إيرادًا بين الأفلام المقتبسة من ألعاب إلكترونية، وأول فيلم من هذه الفئة يحقق مليار دولار.
و”سوبر ماريو” فيلم تحريك بواسطة الحاسوب، مقتبس من لعبة نينتندو الشهيرة التي تحمل ذات الاسم، من إخراج أرون هورفاث ومايكل جيلينيك، وقام بالأداء الصوتي عدد من نجوم السينما الأميركية على رأسهم كريس برات، آنيا تايلور جوي، جاك بلاك، سيث روغان. وهو ثاني محاولة لتقديم هذا العالم سينمائيا، ففي التسعينيات تم عرض فيلم بذات العنوان لكنه تعرض لفشل تجاري ونقدي كبير، مما جعل إعادة التقديم مغامرة كبيرة وضعت خارج إطار التفكير الجدي، وذلك حتى عام 2016 بمحادثات بين كل من مبتكر اللعبة واستوديو يونيفرسال و”اليمنيشن للترفيه” (Illumination) وبدأ الإنتاج الفعلي عام 2020.
فيلم لكل الأعمار
كانت لعبة “سوبر ماريو” جزءًا أساسيًا من طفولة جيل الألفية -أي مواليد منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات، وهذا الجيل اليوم هو الأب أو الأم التي تصطحب أولادها لدور العرض لمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، الأمر الذي مكّن “سوبر ماريو” من اجتذاب عدة أجيال.
ويقدم الفيلم قصة الشخصية المحبوبة ماريو وأخيه لويجي، الأميركيين من أصل إيطالي، ماريو السباك الماهر يعيش في نيويورك بمنزل العائلة، ويحاول إدارة شركته الخاصة وإثبات قدرته على النجاح أمام عائلته المتشككة.
وبإحدى الليالي يغرق حي بروكلين بسبب مشكلة في الصرف الصحي، فيتوجه ماريو ولويجي لحلها أملًا في نيل الشهرة والحصول على زبائن مستقبليين، ولكن عن طريق الصدفة وأنبوب صرف “سحري” ينتقلان إلى مكان مختلف لم يتوقعا وجوده على الإطلاق؛ فيصل ماريو إلى “مملكة الفطر” بينما يحط لويجي ذو الحظ التعس في “الأراضي المظلمة” التي يحكمها الشرير والمستعمر “بوزار”.
ويحاول ماريو إنقاذ شقيقه بمعاونة الأميرة “بيتش” التي تواجه مملكتها خطر بوزار، فيقومان بمغامرة صعبة لتحقيق الهدفين معًا، وتتصاعد الأحداث حتى نصل إلى المواجهة بين جانبي الخير والشر.
إعادة إحياء عالم الخيال
فتور النقاد تجاه “سوبر ماريو” والتقييم الضعيف الذي حصل عليه نتيجة طبيعية لفيلم يمكن اعتباره أقل من المتوسط من الناحية الفنية وحتى التقنية، مقارنة حتى بأفلام ديزني التقليدية للغاية مثل “كوكو” أو “موانا” التي تعتمد على رحلة البطل الذي يواجه المخاطر لإنقاذ نفسه أو مجتمعه، لذلك تعتبر قصة ماريو أكثر بساطة وطفولية، بل إن رحلته لم تحظ حتى بتقلبات مفاجئة تستطيع إدهاش المشاهد أو كسر أفق توقعاته.
وما قدمه “سوبر ماريو” وحصل بسببه على المليار دولار هو إعادة تمثيل عالم الذكريات الطفولية بشكل دقيق على الشاشة الكبيرة، واستخدام تفاصيل اللعبة الأصلية، مثل حركة البطل والعقبات التي يجب عليه التغلب عليها للوصول إلى هدفه نهاية كل جولة، كطريقة القفز والحصول على “الفطر” للتغلب على الصعاب، شكل الأميرة وقلعتها، وحركة السلاحف الشريرة ودمج عناصر من الموسيقى التصويرية الشهيرة للغاية.
وتجربة هذا الفيلم تلعب بصراحة على استدعاء الذكريات (النوستالجيا) لدى الأجيال الأكبر، وتعزيز التواصل بين الآباء والأبناء باستخدام فيلم يمكن للجميع الاستمتاع به معًا.
ومن العوامل التي ساهمت في نجاحه قصر مدته الزمنية لحوالي 1.5 ساعة وسرعة الأحداث، وهو ما يتناسب مع قدرة الأجيال الأصغر على متابعة نفس الفيديو/الفيلم لوقت مستمر، والتي تأثرت بسبب انتشار الفيديوهات محدودة الزمن عبر التطبيقات المختلفة مثل تيك توك ويوتيوب، والتي كلما كانت أقصر وأسرع أصبحت أمتع لصغار السن.
فيلم “سوبر ماريو” عمل لم يتوقع له أحد سوى نجاح معقول، وإيرادات لن تتجاوز نصف مليار على أحسن تقدير، ولكن لأسباب مختلفة استطاع اعتلاء قائمة الأعلى إيرادًا وتحطيم عدد من الأرقام القياسية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.