في سباق التربع على عرش أكثر الكواكب امتلاكا للأقمار، تتناوب عدد من الكواكب الصدارة مع كل كشف جديد عن أقمار خافتة لم تكن مرئية لنا من قبل.
ومع كل تطور للتلسكوبات وأساليب الكشف عن الأجسام الفضائية، تتغير نتيجة هذا السباق، فبعد بضعة أشهر من اكتشاف امتلاك المشتري 92 قمرا، يتقدم الآن زحل ليعتلي الصدارة بـ145 قمرا.
تضمن الكشف الجديد -وهو نتاج عمل فريق دولي من الباحثين- 63 قمرا جديدا، مما يجعل زحل يحتل المركز الأول بوصفه أكثر الكواكب امتلاكا للأقمار، وأيضا بوصفه أول كوكب يتجاوز عدد أقماره المئة، بحسب البيان الصحفي الذي نشرته جامعة “بريتيش كولومبيا” (The University of British Colombia) الكندية على موقعها في العاشر من مايو/أيار الجاري.
ويذكر البيان أنه على مدى العقدين الماضيين تم فحص محيط زحل مرارا وتكرارا بحثا عن أقمار بطرق مختلفة تزداد دقة بمرور الوقت، وفي هذه الدراسة الأخيرة استخدم فريق بحثي بقيادة الدكتور إدوارد أشتون -زميل ما بعد الدكتوراه في معهد “أكاديميا سينيكا” للفلك والفيزياء الفلكية في تايوان- تقنية تُعرف باسم “تبديل وتكديس الصور” من أجل العثور على أقمار زحل الأصغر والأكثر خفوتا، وهي الطريقة التي تم استخدامها من قبل في عمليات البحث على الأقمار حول نبتون وأورانوس.
تقنية “تكديس الصور”
يؤدي تغيير مجموعة من الصور المتعاقبة بمعدل تحرك القمر عبر السماء إلى إيضاح إشارة القمر عند جمع البيانات، مما يسمح للأقمار الخافتة جدا (التي لا يمكن رؤيتها في الصور المفردة) أن تصبح مرئية في الصور “المكدسة”، وقد استخدم الفريق البيانات المأخوذة بين عامي 2019 و2021 باستخدام منظار (تلسكوب) “كندا-فرنسا-هاواي” “سي إف إتش تي” (CFHT) المثبت في جبل “مونا كيا” في هاواي.
ومن خلال تكديس العديد من الصور المتسلسلة التي تم التقاطها خلال فترات زمنية مدتها 3 ساعات، تمكنوا من اكتشاف أقمار زحل الصغيرة، التي يبلغ قطرها حوالي 2.5 كيلومتر.
وعلى الرغم من أن اكتشاف آشتون وزملائه تم في عام 2019، فإن مجرد العثور على جسم قريب من زحل لا يكفي للجزم بأنه قمر، فيمكن أن يكون كويكبا صادف مروره بالقرب من زحل، إذ إن هذا غير مرجح لكنه ممكن من حيث المبدأ، وللتأكد من هوية الجسم الفضائي وجب تتبعه لعدة سنوات قبل التمكن من إثبات أنه يدور حول الكوكب بشكل مؤكد.
وبعد إجراء مطابقةٍ مضنية للأجسام المكتشفة في ليال مختلفة على مدى عامين، تمكّن الفريق من تتبع 63 جسما، وتأكيد أنها أقمار جديدة، وتم الإعلان عن أحدها، وأخذ الرمز “S / 2019 S 1” في عام 2021، وتم الإعلان عن الباقي خلال الأسبوعين الماضيين.
يقول إدوارد أشتون إن: تتبع هذه الأقمار يجعلني أتذكر لعبة الأطفال “توصيل النقاط”، لأنه يتعين علينا ربط الأشكال المختلفة لهذه الأقمار في بياناتنا بمدار واقعي، ولكن مع وجود حوالي 100 شكل مختلف على الصفحة نفسها، لا يمكننا معرفة أي النقط تتبع أي شكل.
أقمار غير نظامية
تقع جميع الأقمار الجديدة في فئة الأقمار غير النظامية، والتي يُعتقد في البداية أنها التقطت من قبل كوكبها المضيف منذ فترة طويلة، والتي تتميز بمداراتها الكبيرة والبيضاوية المائلة مقارنة بالأقمار العادية، وقد تضاعف عدد الأقمار غير النظامية المعروفة لزحل إلى 121، منها 58 قمرا كانت معروفة من قبل، بما في ذلك الأقمار الـ24 المنتظمة، بإجمالي 145 قمرا تم التعرف عليها.
وتميل الأقمار غير النظامية إلى التجمع معا في مجموعات مدارية بناء على ميل مداراتها، وفي حالة زحل توجد 3 مجموعات من هذا القبيل: مجموعة الإنويت، ومجموعة الغاليك، والمجموعة الإسكندنافية الأكثر اكتظاظا.
وتقع 3 اكتشافات جديدة في مجموعة الإنويت وهي: “S/2019 S 1″ و”S/2020 S 1″ و”S/2005 S 4” بمدارات صغيرة جدا مائلة بشكل مشابه لمدارات كيفيوك وإيجراق، وهي أقمار أكبر غير منتظمة كانت معروفة سابقا.
بقايا تصادمات قمرية
تقع جميع الأقمار الجديدة في واحدة من المجموعات الثلاث المعروفة، مع كون المجموعة الإسكندنافية مرة أخرى هي الأكثر اكتظاظا بالأقمار الجديدة، ويُعتقد أن هذه المجموعات تكونت نتيجة تصادمات، أي أن مجموعة الأقمار الحالية هي بقايا تصادم واحد أو أكثر مع الأقمار النظامية السابقة، ومن ثم فإن الفهم الأفضل للتوزيع المداري يوفر نظرة ثاقبة لتاريخ التصادم لنظام الأقمار غير النظامية لزحل.
وبناء على الدراسات السابقة لهذه الأقمار، اقترح الفريق أن العدد الكبير من الأقمار الصغيرة في مدارات معاكسة لاتجاه حركة الأقمار الأخرى هو نتيجة لاضطراب حديث نسبيا، حدث خلال مئة مليون سنة الماضية لقمر غير نظامي متوسط الحجم تحطم إلى أجزاء تتم الآن فهرستها في المجموعة الإسكندنافية.
ويوضح البروفيسور بريت غلادمان من قسم الفيزياء وعلم الفلك في جامعة بريتيش كولومبيا قائلا “مع تزايد قدرات التلسكوبات الحديثة، نجد أدلة متزايدة على أن قمرا متوسط الحجم كان يدور حول زحل عكسيا قد تحطم قبل 100 مليون سنة”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.