واشنطن- ركّز زعماء 7 دول من أغنى ديمقراطيات العالم في اجتماعهم السنوي المنعقد بمدينة هيروشيما اليابانية على دولتين لم تشاركا في القمة هما روسيا والصين، من خلال تبني هدف مزدوج يشمل تشديد الخناق على موسكو، والبحث في سبل مواجهة القوة العسكرية والاقتصادية المتنامية لبكين.
ويعمل الرئيس الأميركي جو بايدن منذ وصوله للحكم في يناير/كانون الثاني 2021، على إحياء وتقوية “مجموعة الدول السبع” التي ظهرت للوجود عقب صدمة النفط العربي في سبعينيات القرن العشرين.
ففي عام 2009، أعلن الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما أن مجموعة العشرين، وهي تجمع أوسع يضم الصين وغيرها من الدول النامية الكبرى، ستصبح المنتدى الأبرز عالميا، في حين ذهب خليفته الرئيس السابق دونالد ترامب إلى أبعد من ذلك، واصفا مجموعة الدول السبع بأنها قد “عفى عليها الزمن”.
لكن الدولة المستضيفة اليابان، التي يجمعها إرث طويل من العداء مع الصين، تأمل في أن تنجح قمة هيروشيما في ربط المخاوف الأمنية لمجموعة السبع الكبار في منطقة المحيطين الهندي والهادي بمخاوف بقية الدول على نطاق أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وربط رئيس الوزراء الياباني في كلمته القتال في أوكرانيا بتهديدات الصين ضد تايوان.
عزل روسيا
قبل وصول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى هيروشيما أعلنت إدارة بايدن موافقتها على تدريب طيارين أوكرانيين على قيادة طائرات مقاتلة أميركية الصنع من طراز “إف-16″، وأنها ستسمح لدول من أعضاء حلف “الناتو” بتزويد كييف بالطائرات الأميركية المتقدمة، ووصف زيلينسكي هذه الخطوة بالتاريخية.
وهيمنت الحرب على أوكرانيا على جدول أعمال أول يومين من مؤتمر هيروشيما الثلاثة، حيث اتفق القادة على فرض مزيد من العقوبات على روسيا وحثّوها على وقف حربها المستمرة وسحب قواتها ومعداتها العسكرية فورا وبشكل كامل وغير مشروط من الأراضي الأوكرانية.
وصرّح مسؤول أميركي تحدث للصحفيين مساء السبت، أن بلاده “وبالتنسيق مع بقية الدول السبع، أصدرت بيانا قويا يعكس الوحدة والقوة والالتزام في ردنا على الحرب العدوانية الروسية”. وقال “لقد اتخذنا خطوات مهمة اقتصاديا لعزل روسيا وإضعاف قدرتها على شن الحرب. كما رأيتم، أعلنا عن أكثر من 300 عقوبة جديدة ضد الأفراد والكيانات والسفن والطائرات، فضلا عن الجهات الفاعلة الأخرى التي تساعد في دعم حرب بوتين”.
وقال بيان صدر عن دول “مجموعة السبع” إنها “تفرض المزيد من العقوبات وتتخذ بعض الإجراءات لزيادة التكاليف على روسيا وأولئك الذين يدعمون مجهودها الحربي. ونحن نبني أيضا على نجاح جهودنا لضمان أن روسيا لم تعد قادرة على استغلال صادراتها من الطاقة كسلاح”.
تحذير مبطن للصين
صعّدت الصين من استعراض قوتها العسكرية في المياه المحيطة بتايوان خلال الأشهر الأخيرة، ودفع ذلك بواشنطن لزيادة انتشارها البحري حول الجزيرة، وقيامها بمناورات ضخمة مع اليابان وكوريا الجنوبية. إلا أنه خلال رحلة قام بها إلى بكين في أبريل/نيسان الماضي، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن أوروبا يجب ألا “تنشغل بأزمات ليست لنا”، في إشارة إلى أزمة تايوان.
وأثارت كلمة ماكرون خلافا طفيفا داخل المعسكر الغربي، وجددت أيضا مخاوف بعض الدوائر الأميركية من أن واشنطن توفر مظلة أمنية للدول الأوروبية عبر حلف الناتو، في وقت لا ترغب هذه الدول في دعم المجهود الحربي الأميركي حال اندلاع أزمة مع الصين حول تايوان.
غير أن مسؤول أميركي رفيع ذكر السبت للصحفيين أن الدول السبع “متحدة بشأن العناصر الأساسية التي تدعم نهجنا تجاه الصين. وفي وقت يسعى كل منا منفصلا إلى إقامة علاقاته الخاصة مع الصين، نقف معا كشركاء في مجموعة السبع متفقين على جملة مبادئ أساسية مشتركة”.
ولم تستهدف قمة هيروشيما طموحات الصين العسكرية فقط، حيث عبّرت عن القلق بشأن ما يسمونه “الإكراه الاقتصادي” من قبل بكين، في إشارة إلى سياسة الانتقام الصينية من أية أعمال تنتقدها، مثل خفض الواردات الأسترالية في عام 2019، أو استهداف كوريا الجنوبية تجاريا عام 2017.
من هنا، أصدر القادة المجتمعون بهيروشيما تحذيرا مبطّنا للصين بسبب ما اعتبروه “إكراها اقتصاديا” تُتهم بكين باستخدامه ضد عدة دول. واستغل زعماء الدول السبع فرصة انعقاد قمتهم كفرصة للرد على استعراض الصين المتزايد للقوة العسكرية حول تايوان.
ورغم دعم الزعماء المجتمعين في هيروشيما للفكرة الأميركية الداعية لتخفيض التعامل الاقتصادي والاستثماري مع الصين، فإن الأخيرة التي تم دمجها فعليا في قلب سلاسل التوريد العالمية، تمثل تحديا أكثر صعوبة من التحدي الروسي.
معضلة دول الجنوب
وفي سعيها لبناء تحالف أوسع لمقاومة التهديدات الصينية والروسية، تواجه جهود “مجموعة السبع” تحديات ضخمة. ويُظهر موقف دول المجموعة، سواء تجاه الحرب الأوكرانية أو التهديدات الصينية لتايوان، تباعدا كبيرا عن مواقف أغلب دول الجنوب (Global South).
ورغم انزعاج العديد من دول الجنوب من الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية، فإنها ترددت في إدانة روسيا بقوة، واختارت أن تتذمر من تأثير هذا الهجوم على أسواق الغذاء والطاقة التي ارتفعت أسعارها، وهو ما يؤثر سلبا على اقتصاديات دول الجنوب.
وعلى المنوال نفسه، لا تكترث دول الجنوب بمصير تايوان، خاصة في ظل استمرار الصين كأكبر شريك تجاري واستثماري مع أغلب هذه الدول.
ولمعالجة معضلة دول الجنوب، ستقدم مجموعة السبعة الكبار لهذه الدول مزيدا من الدعم في مجالات الصحة والأمن الغذائي والبنية التحتية، لتطوير علاقات أوثق تنافس به علاقات تلك الدول مع الصين.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.