أجرت تركيا يوم الأحد الفائت الانتخابات الرئاسية والتشريعية المنتظرة، وأشارت النتائج الأولية إلى إرجاء الحسم في الانتخابات الرئاسية التي تقدم فيها الرئيس أردوغان لجولة إعادة، إضافة لحصول تحالف الجمهور الحاكم على أغلبية البرلمان مجدداً.
النتائج
وفق النتائج الأولية غير الرسمية، حصل الرئيس أردوغان على 26 مليوناً و859 ألفاً و313 صوتاً بنسبة 49.51% من الأصوات، ومرشح تحالف الشعب كمال كليجدار أوغلو على 24 مليوناً و430 ألفاً و618 صوتاً بنسبة 44.88%. مما يعني أن أياً من المرشحين لم يحصل على “نسبة 50%+ صوت واحد” المطلوبة للحسم، الأمر الذي يبقي حسم النتيجة لجولة إعادة ستجرى بعد أسبوعين، على ما أعلنت الهيئة العليا للانتخابات.
وفي الانتخابات البرلمانية، وفي جبهة تحالف الجمهور الحاكم، حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 35.49% من الأصوات ما يمنحه 266 نائباً في البرلمان المقبل، وحزب الحركة القومية على 10.06% و50 نائباً، وحزب الرفاه مجدداً على 2.83% و5 نواب، وحزب الاتحاد الكبير على 0.99% من الأصوات بدون أي نائب في البرلمان. ما يعطي التحالف أغلبية مقاعد البرلمان بواقع 321 نائباً إثر الحصول على نسبة 49.37% من الأصوات.
وفي المقابل، وعلى صعيد تحالف الشعب المعارض، حصل حزب الشعب الجمهوري على 25.37% من الأصوات محققاً 169 مقعداً برلمانياً، والحزب الجيد على 9.75% من الأصوات و44 مقعداً برلمانياً. كما حصل كل من حزب الديمقراطية والتقدم على 14 مقعداً برلمانياً، وحزب المستقبل على 11 وحزب السعادة على 10 والحزب الديمقراطي على 3 مقاعد، عبر مرشحيهم على قوائم الشعب الجمهوري. ويمنح ذلك التحالف ككل 213 نائباً بعد الحصول على نسبة 35.12% من الأصوات.
وفي تحالف العمل والحرية، حصل حزب الشعوب الديمقراطي الذي خاض الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر على نسبة 8.8% من الأصوات و62 نائباً في البرلمان، وحزب العمل التركي على 1.73% من الأصوات و5 نواب، بمجمل 10.52% من الأصوات و66 نائباً. بينما بقي تحالف أتا (الأجداد) وتحالف اتحاد القوى الاشتراكية بدون أي نائب في البرلمان.
حسابات الربح والخسارة
أول ما يلفت في الانتخابات الأخيرة هو نسبة المشاركة المرتفعة جداً فيها، والتي سجلت عند حدود 88.2% ولولا تراجع النسبة بشكل منطقي ومتوقع في المحافظات التي تضررت من الزلزال لكانت تخطت 90%، وهي نسبة أعلى من نسب المشاركة المرتفعة عادة في تركيا. وإذا كان جزء من هذا الارتفاع يُنسب لمستوى الاستقطاب وتقارب المنافسة في الاستحقاق الحالي، فإنه من جهة أخرى يعكس ولا شك ثقة الناخب في تأثير صوته على النتائج، وهي ظاهرة صحية ولا شك.
والملحوظة الثانية أنه رغم حالة الاستقطاب غير المسبوقة والحملات الانتخابية الساخنة وكذلك الإقبال الشديد، فإن العملية الانتخابية سارت بسهولة ويسر ودون حوادث تذكر، وهذا يحسب للناخب الذي أظهر نضجاً وهدوءاً أكثر من بعض السياسيين. وكان من اللافت أن مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليجدار أوغلو قد أشاد بما أسماه “النضج الديمقراطي” الذي تخلل العملية الانتخابية، وهي إشارة مهمة ولا شك على صعيد قبول النتائج، إذ كان ثمة تخوف في الاتجاه الآخر. كما أنه تجدر الإشارة إلى أن التقييم يمكن أن يعتمد على مقارنة النتائج الصادرة مع نتائج الانتخابات السابقة عام 2018 ومع التوقعات على حد سواء.
وفي حسابات الربح والخسارة، فقد تراجع الرئيس أردوغان في نسب التصويت عن الانتخابات السابقة، حيث كان حصل على 26.3 مليون صوت بنسبة 52.5%. ما يعني أن تصويته زاد زهاء نصف مليون صوت فقط رغم مشاركة 5 ملايين ناخب إضافي عن الجولة السابقة، وبالتالي لم يستطع حسم النتيجة لصالحه من الجولة الأولى، وسيحتاج لجولة إعادة لأول مرة في الانتخابات الرئاسية. يعزى هذا التراجع إلى أسباب عدة في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وانشقاق أحزاب عن العدالة والتنمية، ورغبة التجديد لدى فئة الشباب تحديداً.
ورغم أن كفة الرئيس أردوغان ترجح بوضوح في جولة الإعادة، ورغم الادعاءات المبالغ بها للمعارضة بفوز مريح لمرشحها كليجدار أوغلو، فإن ما حققه الأخير يعدُّ نتيجة غير مسبوقة بالحصول على حوالي 45% من الأصوات والحيلولة دون حسم الانتخابات من الجولة الأولى كالعادة.
وبالتوازي مع ذلك، فقد انخفض تصويت حزب العدالة والتنمية أيضاً 7% عن الانتخابات السابقة، لكنه استطاع الحفاظ على أغلبية البرلمان مع حلفائه بفضل قانون الانتخاب الذي يعتمد طريقة “هوندت” النسبية وخوض الأحزاب المنشقة عنه انتخابات البرلمان على قوائم الشعب الجمهوري فضلاً عن عدم استفادة المعارضة من القوائم المشتركة بالدرجة المتوقعة. ومن الأسباب الرئيسة لهذا التراجع طول فترة الحكم، والأوضاع الاقتصادية، والأحزاب التي خرجت من رحمه، وخسارته بعض المقاعد لصالح حليفه الحركة القومية بسبب خوض الانتخابات بقوائم منفصلة ومتنافسة.
ولذلك يمكن القول إن الرئيس أردوغان في صدارة قائمة الفائزين رغم التراجع النسبي -المستمر منذ سنوات- حيث ضمن تحالفه أغلبية البرلمان القادم، وتبدو فرصه أفضل بكثير في انتخابات الرئاسة المعادة، بعد 21 عاماً من الحكم المتواصل وتوقعات الخسارة المحتملة.
وفي المقام الثاني، زادت التيارات القومية من قوة حضورها في السياسة التركية، من خلال أحزاب الحركة القومية والجيد وكذلك حزب النصر الذي لم يدخل البرلمان لكنه حقق نسبة 2.2% من الأصوات في أول انتخابات يخوضها، فضلاً عن مرشح يميني حصل على أكثر من 5% رغم وجود متنافسَيْن قويين وتحالفين عريضين.
كما كان حزب الرفاه مجدداً من أكبر الكاسبين في الانتخابات، حيث ضمن 5 مقاعد في البرلمان محققاً نسبة أعلى مما كان يحققه خصمه التقليدي حزب السعادة بكثير. ومن المفارقات أن الأحزاب “الصغيرة” في تحالف الشعب المعارض من ضمن الكاسبين نسبياً إذ ضمنوا دخول 38 نائباً منهم للبرلمان على قوائم الشعب الجمهوري، وهو أمر لم يكونوا يستطيعونه لو خاضوا الانتخابات بقوائمهم المستقلة.
في المقابل، فإن حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كليجدار أوغلو في مقدمة الخاسرين. صحيح أن الحزب زاد من نسبته في التصويت بمقدار 3% وكذلك عدد نوابه بـ 23، إلا أن حظوظ مرشحه في الانتخابات الرئاسية المعادة ضعيفة، كما أن عدد النواب الذي كسبه ذهب للأحزاب الأخرى في التحالف، فضلاً عن سقف التوقعات المرتفع الذي قدمه بخصوص أغلبية البرلمان لإعادة النظام البرلماني وما إلى ذلك، والذي لم يتحقق.
ورغم أن حزب الجيد حافظ تقريباً على نسبته السابقة، بتراجع مقعد برلماني و2 في الألف فقط من التصويت، يمكن أن يعدَّ كذلك من الخاسرين نسبياً إذ كانت التوقعات بخصوصه مرتفعة جداً قبل أزمة الطاولة السداسية في مارس/آذار الفائت والتي يبدو أنها أضرت بحظوظه كثيراَ، وأفادت حزب الحركة القومية. كذلك تراجع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي خاض الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر، ما يقرب من 3% في نسبة التصويت و6 مقاعد برلمانية.
كما تعرض حزب البلد برئاسة محرم إينجه لخسارة كبيرة، إذ لم يُمثل في البرلمان بأي نائب فضلاً عن انسحاب رئيسه من السباق الرئاسي. ويضاف له حزب النصر المعادي للاجئين والذي لم يتخط العتية الانتخابية ولم يمثل في البرلمان بل لم يتعدَّ نسبة 3% في الانتخابات.
وأخيراً، يمكن القول إن شركات استطلاع الرأي التركية كانت -كالعادة- ضمن قائمة الخاسرين، إذ فشلت الشركات التي سُوِّق لها على أنها دقيقة التوقع في تقديم توقعات قريبة، بينما اقتربت بعض الشركات في توقعاتها من بعض النتائج في هذه الانتخابات لكنها كانت بعيدة في نتائج أخرى وخصوصاً الانتخابات السابقة.
وفي الخلاصة، فقد حسمت الانتخابات التشريعية الأخيرة أغلبية البرلمان لصالح تحالف الجمهور الحاكم، ونقاشَ النظام السياسي في البلاد، إذ لم يعد ممكناً إعادة النظام البرلماني وفق تركيبة البرلمان المقبل. بينما يبقى الحسم في الانتخابات الرئاسية لجولة إعادة تبدو حظوظ أردوغان فيها مرتفعة جداً، ما يعني أن كشف حساب الانتخابات داخل الأحزاب والتحالفات المختلفة، وارتدادات كل ذلك عليها وعلى مستقبل قياداتها، سيؤجل مؤقتاً بانتظار نتيجة جولة الإعادة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.