نابلس- لا يتمكن أهالي قرية عوريف بجنوب نابلس (شمال الضفة الغربية) حصر قنابل الغاز الخانق التي أطلقها جنود الاحتلال الإسرائيلي عليهم وعلى بيوتهم وكرومهم. ويحاول ابن القرية عبد الحكيم شحادة التقاطها ليتحدث عن جانب من عنف الاحتلال ومستوطنيه في قريتهم.
منذ مساء الأربعاء الماضي، وتحديدا بعد الإعلان عن أن منفذيْ عملية “مستوطنة عيلي” التي أدت إلى مقتل 4 مستوطنين وإصابة آخرين بجروح خطيرة، خرجوا من القرية، بدأت هجمات المستوطنين الانتقامية على عوريف وبيوتها وشجرها.
واستمرت الاعتداءات في الأيام التالية وطالت مسجد القرية ومدرستها الثانوية وبعض المنازل، وكاد المستوطنون يرتكبون مجزرة في القرية لولا تنبّه الأهالي.
استعداد للمواجهة
إلى منطقة “المراح” شرقي عوريف، وتحديدا في “شارع المواجهات” كما بات يُعرف، اقتادنا رئيس المجلس القروي عبد الحكيم شحادة، وتحدث عن مشاركة نحو 300 مستوطن في الهجوم على القرية.
ويقول شحادة للجزيرة نت إن الأهالي وبعد “عملية عيلي” استعدوا لمواجهة هجمات المستوطنين التي لم تكن جديدة على القرية في العقد الأخير خاصة.
ويضيف “تجهز مئات المواطنين وتمركزوا بأكثر من موقع، واستطعنا بأجسادنا العارية وبما حملناه من حجارة وعصي صد الهجوم الأعنف على القرية، ومع ذلك استطاعوا الوصول لبعض المواقع والاعتداء عليها”.
وتنشط في القرية لجان حراسة تتناوب ليلا ونهارا لرصد تحركات المستوطنين وترسل إشعارات بأي هجمات محتملة، ليتم الاتصال بالجهات المسؤولة التي تحشد الأهالي عبر مكبرات الصوت في المساجد، كما يتم تتبع كاميرات المراقبة فوق أسطح المنازل لرصد المستوطنين.
ويعجّ الموقع الذي يركز المستوطنون هجماتهم عليه عادة بالمراكز الحيوية في القرية كالمسجد والمدرسة الثانوية وخزّان المياه الرئيس الذي يغذي 5 آلاف مواطن هم سكان القرية، إضافة لنحو 40 منزلا تتعرض باستمرار لاعتداءاتهم، وكلها أحيطت بالسيجات الحديدية وجرى تحصين نوافذها، وتحضّر سكانها بما يملكون من أدوات بدائية لصد أي اعتداء عليهم ومنها العصي والقضبان والجنازير الحديدية.
30 هجوما منذ بداية العام
وداخل المدرسة الثانوية التي بدت وكأنها سجن كبير، استقبلنا آذنها نصر شحادة، وأخبرنا أن المستوطنين حطموا الأقفال وكسروا نوافذ الغرف الصفية وألقوا الزجاجات الحارقة بداخلها. وأضاف “لقد حولها المستوطنون إلى سجن”.
وكذلك فعلوا بمسجد “الرباط” أسفل المدرسة، يضيف شحادة، بعد أن حطموا بوابته الرئيسية مستغلين توتر الأحداث وانشغال الأهالي بالتصدي لهم في موقع آخر. وقال “اقتحموا المسجد رفقة كلاب لهم وقاموا بتمزيق المصاحف قبل أن يلقوا بها أرضا ويفروا هاربين، وهذا ليس الاعتداء الأول عليه”.
غير بعيد من المسجد، التقينا المواطن نضال صبَّاح الذي بات يخشى الوصول لأرضه ولا يحصي اعتداءات المستوطنين عليها، ولكنه يجزم أنها تجاوزت الـ20 مرة أو أكثر. ويقول للجزيرة نت وهو يشير إليها: “قطعوا عشرات الأشجار وحطّموا الشيك (السياج)، ومع كل اعتداء أعيد زراعة الأرض ثانية، وسأظل أفعل ذلك”.
وفي عوريف وحدها، شن المستوطنون أكثر من 30 هجوما منذ بداية العام الجاري وضعف ذلك في العام الماضي، وتخللتها عشرات الاعتداءات على البيوت والمرافق العامة.
ويأتي المستوطنون المهاجمون من مستوطنة “يتسهار” المقامة على أراضي جنوب نابلس، ويقطنها الأشد تطرفا منهم. وخلال تمددها، صادرت المستوطنة أكثر من نصف مساحة القرية المقدّرة بنحو 4 آلاف دونم (الدونم= ألف متر مربع).
بحماية جيش الاحتلال
وعبر نقطة عسكرية لجيش الاحتلال، يمر المستوطنون لشن اعتداءاتهم، بل إنهم -كما يؤكد أهالي القرية- ينسقون مع الجنود الإسرائيليين الذين يسارعون لاقتحام المنطقة لحماية المستوطنين فور بدء هجماتهم، ويطلقون النار والغاز تجاه الفلسطينيين.
ورغم حمايتهم، وصف جيش الاحتلال في بيان له الأحد، اعتداءات المستوطنين المستمرة منذ أيام بأنها “إرهاب قومي” وأنه يعمل لوقفها.
وأمام هذا العنف المتواصل لجأ الشاب شادي شحادة وعائلته لتحصين منزلهم في عوريف بحماية حديدية فضلا عن إقامة سور إسمنتي تعلوه السيجات الشائكة حول المنزل، ورغم ذلك تطالهم الاعتداءات التي “وصلت إلى غرف المعيشة”، كما يقول.
ويقول شادي للجزيرة نت بينما يشير لنافذة منزله الذي تقطنه عائلته المكونة من 9 أفراد، إن عشرات المستوطنين حاولوا بمعداتهم خلع النافذة وإلقاء مواد مشتعلة لإحراق المنزل، وكادت العائلة تلاقي مصير عائلة دوابشة (أحرقها المستوطنون بقرية دوما 2015 وقتلوا 3 من أفرادها).
وذات مرة أصيب شادي برصاص الجنود الإسرائيليين وهو يحاول الدفاع عن عائلته. وقال “يقع منزلنا في مركز اعتداءات المستوطنين، وإن لم نصدهم سيخرجوننا منه أو يتسببوا لنا بكارثة، وهذا لن يكون”.
ووفقا لبيان أصدرته هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (رسمية) فإن المستوطنين شنوا أكثر من 500 اعتداء ضد الفلسطينيين خلال مايو/أيار الماضي فقط، تنوعت بين حرق المنازل والمراعي والمحاصيل الزراعية والضرب المباشر واقتلاع أشجار وسرقة ممتلكات.
لجان الحراسة.. ضرورة ملحّة
وعلى خطى عوريف تسير القرى الفلسطينية المحاذية للمستوطنات في جنوب نابلس خاصة ومنها “قُصرة وجالود وقريوت”، والتي نشطت فيها لجان الحراسة وتنوعت أساليب تصديها للمستوطنين.
ويقول الناشط ضد الاستيطان في “قُصرة” فؤاد حسن، إن لجان الحراسة المحلية استطاعت منذ 2012 درء حوالي 80% من اعتداءات المستوطنين، وإن دورها تعدى تحذير أهالي القرية عبر كل أشكال الاتصال إلى تنبيه قرى مجاورة كـ”جالود” ومساندتها خلال أي هجوم كما جرى قبل يومين.
ويقول حسن للجزيرة نت، إن اللجان تسيّر دوريات راجلة في المنطقة الجنوبية خاصة للتصدي لمخططات المستوطنين وهجماتهم، كما أنشأت لجان الحراسة مركزا طبيا مؤخرا معززا بطواقم الإسعاف والإطفاء.
وهو أمر يقول مسؤول ملف الاستيطان بشمال الضفة الغربية غسان دغلس إنه “ضرورة ملحة” في ظل حملات المستوطنين الشرسة ضد الأهالي.
ويضيف أنهم -كجهات رسمية- يقومون بجولات مكثفة “وخاصة مع تشكل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الأخيرة لحث الأهالي على التصدي لإرهاب المستوطنين”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.