غزة – “لم نمت ولم ننجُ” بهذه الكلمات عبّر سكان في قطاع غزة عما بداخلهم من آثار العدوان الإسرائيلي، كلمات معدودة لكنها تحمل الكثير من معاني القهر والألم وفقدان الأمان.
العشرات من المنازل دُمرت بشكل كامل من شمال قطاع غزة إلى جنوبه خلال دقائق قليلة معدودة، تشرد المئات من المواطنين، وأصبح مأواهم الشارع خلال ساعات الليل الطويلة.
حصيلة ضحايا الحرب 33 شهيدا، من بينهم 6 أطفال و3 نساء، و190 جريحا، بالإضافة إلى خسائر خسارة اقتصادية بلغت مليون دولار، حسب بيان لوزارة الاقتصاد.
لحظات استهداف المنازل
كمال أبو طير أبو رامي (69 عاما) استهدفت الطائرات الحربية منزله في بلدة عبسان الكبيرة جنوبي قطاع غزة.
في حديثه للجزيرة نت، يقول أبو رامي “لا أستطيع أن أخبرك عن الألم الذي أشعر به كلما رأيت منزلي ومنزل أبنائي بهذا الشكل، سألت نفسي كثيرا لماذا أنا؟ هل يعلمون كيف وضعي الصحي؟ هل يعلمون أن هذا البيت بُني بمعاناة كبيرة؟ لا أستطيع أن أصف الوجع الذي أشعر به، فهو أضعاف ما أشعر به من آلام مفاصلي التي أجريت فيها مؤخرا عملية تركيب مفصل ولا أستطيع العمل، كيف ستتم إعادة بناء هذا كله؟ ومن أين في ظل وضع البلد الصعب جدا؟”.
عن اللحظات الأولى لتدمير المنزل، يقول أبو رامي “مساء يوم الجمعة أخبرني أحد الجيران بضرورة إخلاء المنزل، صرخت على الجميع للخروج، خرج الأطفال وسط صياح وبكاء شديدين، والنساء لا يريدن ترك البيت الذي يعيش فيه أكثر من 25 شخصا، جميعهم تشردوا في الشوارع قبل أن يستقبلنا الجيران، لكن الأطفال لم يستطيعوا رؤية المنزل يتدمر بهذا الشكل، وبكوا كثيرا ولم يناموا ليلهم أبدا”.
خيمة على الركام
بدورها تقول أم رامي أبو طير (66 عاما) إنها بنت المنزل من ميراث أبيها، مضيفة “وضعنا الاقتصادي سيئ جدا، لا نستطيع بناء منزل كامل لأبنائي الثمانية مع أولادهم، هل تتخيلون أن البيت به ما يقارب 30 شخصا لا يوجد لهم مأوى، من أين سنعيد بناء هذا البيت؟ وكيف سنعيش بعد ذلك؟ هذا الموقف من أصعب ما يمكن أن يعيشه المواطن في غزة”.
وأضافت أن “الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إيذاءنا بمختلف الأشكال، وهو يكذب عندما يقول إنها أهداف عسكرية، هل منزلي هو هدف عسكري له؟ هو كاذب ويتعمد أن يوجع قلوبنا على منازلنا وعلى تعب عمرنا الذي قضيناه في بناء منزل يجمعنا”.
وأوضحت أنها ستضع خيمة على ركام المنزل حيث لا يوجد مكان آخر للمعيشة، مضيفة “أين سنجد مكانا يضم 30 فردا، كان لدي بيت يسترني والآن أصبحت في الشارع، هذا ما يريده الاحتلال، تشريدنا ووضع الحسرة في قلوبنا”.
لم يسلم ذوو الاحتياجات الخاصة
لم يكن استهداف منزل عائلة نبهان في مخيم جباليا شمال قطاع غزة عاديا، ولم يكن ساكنوه أيضا قادرين على الإخلاء بسهولة لأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويقول خالد نبهان أبو جمال (60 عاما) إن الإنسان السليم في حالة الحرب لا تستطيع قدماه أن تحملاه، فكيف لشخص يعاني من صعوبة الحركة أن يركض مسرعا؟
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أبو جمال أن جيش الاحتلال اتصل بأحد الجيران لإخبارنا بضرورة الخروج من المنزل قبل قصفه، وعبثا حاول الجيران إقناع الاحتلال أن المنزل يعيش فيه أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفا “خرجنا جميعا من المنزل المكون من 4 طوابق وبه 8 شقق سكنية، حاول أبنائي إخراج إخوتهم ذوي الإعاقة وكانوا يصرخون من الخوف وبعضهم يبكي في انهيار شديد، خرجنا ننظر إلى البيت وهو يُدمر بشكل كامل”.
وتابع “أي قانون دولي يقبل بذلك؟ عندما شاهدت المنزل يتدمر كأن قلبي انتزع من مكانه، هم لا يفكرون في مصيرنا، هم فقط يريدون الدمار لنا”.
أدوية تحت الركام
من جانبها، أوضحت أم جمال أبو نبهان (57 عاما) أن 4 من أبنائها ذوي إعاقة، وأنها هربت من المنزل دون أن تحمل معها الدواء الخاص بهم، مضيفة “ابنتي تعاني من كهرباء زائدة في جسمها وتحتاج لعلاج في وقت محدد، وتأتي لها الحالة منذ قصف البيت ولكن دواءها موجود الآن أسفل الركام”.
وفي حديثها للجزيرة نت، أضافت أم جمال “لديّ ذوو إعاقة حركية وكراسيهم المتحركة أسفل الركام، وآخرون لديهم إعاقة سمعية، هؤلاء ما ذنبهم أن يتشردوا في الشوارع وهم يحتاجون رعاية خاصة وبيئة مناسبة وليس النوم في الشوارع، الاحتلال دمّر المنزل الذي كان يجمعنا، تشردنا أكثر من 30 شخصا، كيف لهذا أن تتم عادة بنائه؟”.
حسرة الأطفال
من أكثر المشاهد التي تم تداولها خلال العدوان بكاء الأطفال بحرقة شديدة على فقدان منازلهم وألعابهم.
وبحسرة بالغة، يقول حسن ابن العشرة أعوام من مخيم جباليا “هدموا البيت، لا يوجد لدي ملابس، ولا حتى دراجتي التي كنت أنتظر نهاية الدراسة لألعب بها مع أصدقائي على شاطئ البحر”.
ويضيف الطفل “رأيت الحارة كلها تبكي وتصرخ كأنه كابوس، الجميع خرج من البيت ونسينا ابن عمي وأخته في البيت نائمين قبل أن نعود لإنقاذهما ونحن نصرخ”.
وببراءة يختتم حسن وهو ينظر لركام منزله “أنا حزين لأنه لم يعد لنا بيت، أنا لا أحب الحرب أبدا وأخاف من صوت الطيران والصواريخ”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.