- عـراب مـشـروع المـراكـز الصـحـية في المـمـلـكة وكـاتب أول مـذكـرة لـتأسيس «سـابك»
سلطان الشعر بمعانيه المتجددة يأخذنا بدواوينه من «جزائر اللؤلؤ» إلى «قطرات من ظمأ» إلى «معركة بلا راية» لآفاق رحبة، حقق المعادلة الصعبة بين رواسب الماضي وانفتاح الحاضر فنهل من معين الثقافات المختلفة التي خبرها وعايشها ليبحر بنا في محيط ثقافـــي عالمي غني، بدءاً من نشأته الخليجية مرورا بتعليمه الجامعــي في مصر وصولا الى الدراسات العليا في الولايات المتحدة وانجلترا.
افكاره ســبقت ابناء جيــله في المنطقة، فكتب أول قصائده في الثالثة عشرة، وأولى قصصه في السابعة عشرة وأول رواية في التاسعة عشرة، غني التجربة، متعدد المعارف، اغترف العلم في بداية النهضة الحديثة وعاد الى بلاده ليؤدي مهامه الوطنية كإداري ومثقف صقل موهبته بالعطاء شعرا ونثرا ليصبح رائدا من رواد المعرفة والثقافة في الخليج والعالم العربي وليتفاخر به العرب شاعرا وباحثا وأديبا وروائيا ووزيرا وسفيرا واكاديميا.
ملأ الدنيا وشغل الناس بشخصيته المهنية والرسمية وكذلك الأدبية يفضل دوما اللجوء إلى أعماق نفسه والابحار في تلافيف ذاكرته، وفي الاعماق الراكدة، في الغابات التي تكشف الروح وذلك رغم كثرة ما ناله من رحيق المديح والاطراء ورغم ما داهمه من نقد.
بنى سمعة واسعة باعتباره عربيا يستطيع رغم تحفظاته ان يتفهم الغرب وان يتعاطف معه وصار يستطيع ان يقدم العرب للغربيين والغربيين للعرب مستعينا في ذلك بمهاراته الكبيرة في تحليل مواقف الحضارات المختلفة ومعتقداتها».
مدينة المجددين
وصف بمدينة المجددين وصاحب الدم الجديد في الشعر الذي لم يسرقه من الوظيفة، حيث شغل منصب وزير التجارة والصناعة ووزير الصحة ووزير المياه والكهرباء ووزير العمل وفي رأيه ان الادباء الموظفين انتجوا اضعاف اضعاف ما انتجه الادباء المتفرغون.
فعندما كان وزيرا للصناعة كتبت عنه صحيفة الفايننشال تايمز قائلة: «إنه اب من آباء التنمية الصناعية استطاع ان يحظى باحترام الجميع» واعتبرت اللوموند ان القصيبي نشط ولا يمكن افساده وذكرت صحيفة «دي فليت» أنه من اوائل التكنوقراطيين الذين ابدوا موهبة عظيمة وصعدوا بسرعة وألقيت على عاتقه مهمات كادت تكون مستحيلة.
قمقم المحلية
فغازي القصيبي خرج من قمقم المحلية ليصبح شخصية عربية خليجية ودولية كان هدفها الأول التنمية التي كان يرى ان الطريق اليها يمر بالتعليم وثانيا بالتعليم وثالثا بالتعليم فبصماته التنموية واضحة في بلاده إذ يعتبر القصيبي عراب مشروع المراكز الصحية عندما كان وزيرا للصحة كما كان القصيبي كاتب اول مذكرة لتأسيس «سابك» التي اصبحت واحدة من أكثر واكبر الشركات البتروكيماوية وأسرعها نموا في العالم اما في وزارة العمل فركز على أهمية السعودة.
المتنبي والحمداني
يقرأ للجميع ولكن شغفه الكبير يبقى للمتنبي ويليه «أبو فراس الحمداني» الذي يرى ان وجوده مع المتنبي في عصر واحد ظلمه كثيرا وكذلك عمر أبو ريشة والاخطل الصغير وبدوي الجبل، وبعض قصائد نزار قباني.
و «لابي يارا» الكنية الأقرب الى قلبه العديد من المؤلفات لعل ابرزها: حياة في الادارة الذي تردد كثيراً قبل نشره وتوقع ان يبيع فقط الف نسخة ويقتصر شراءه على الاداريون المختصون ليصبح بعد نشره اكثر كتبه مبيعاً لدرجة اذهلت القصيبي نفسه».
يؤمن بحكمة «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك» ويقول انه لو يستطيع ان يتذكر اي فرد منا هذه الحكمة في تصرفاته اليومية لما حدثت مشاكل على المستوى الشخصي ولو استطعنا ان نطبقها على المستوى الدولي لما حدثت أي مشاكل.
القصيبي السفير
شغل حقائبه الديبلوماسية بدءا من عام 1965 ويعرّف السفير قائلا «هو مرآة تعكس مواقف دولته أمام الدولة المضيفة وتعكس مواقف الدولة المضيفة أمام دولته وان يفعل ذلك بدقة المرآة وموضوعيتها، مع كل كذبة يكذبها السفير يحدث شرخا في المرآة، ومع توالي الشروخ لا تعود المرآة صالحة للاستعمال، السفير الكذوب، كالمرآة المشروخة، لا ينفع وكثيرا ما يضر».
لم يكن القصيبي كحال بعض المثقفين العرب الذين يهمهم الحفاظ على الشعبوية بل كان لا يخشى في الحق لومة لائم فوقف مدافعا صلبا عن المملكة العربية السعودية ضد الحملات الظالمة التي تعرضت لها من الإعلام العالمي عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر.
ففي تكريمه في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض الشهر المنصرم توجه وزير الثقافة والإعلام السعودي د.عبدالعزيز خوجة قائلا: «إن وزير العمل غازي القصيبي يعد رمزا من رموز الوطن، وهامة ثقافية وإدارية، ولد كبيرا في الشعر والنثر والإبداع».
وأضاف «ان القصيبي عرف كيف يصبح الأديب معبرا عن قضايا أمته، فهو أديب ذو قضية، وقضيته هذه الأمة من المحيط الى الخليج» واصفا شعره بأنه «يجمع بين الرومانسية والوطنية».
وخاطب خوجة المحتفين بالقصيبي قائلا: «ان المثقفين يحتفلون برمز ثقافي، فقبل 50 عاما لفت القصيبي الأنظار عبر ديوانه الأول وكان حينها صوتا جديدا على الشعر، وشكل علامة بارزة وصوتا مهما في مسيرة الأدب العربي الحديث».فالقصيبي رجل الشعر والقصة والرواية وهو الناقد والمؤرخ والخطيب المفوه ورجل الإعلام والثقافة ورجل الدولة والديبلوماسي الذي من النادر ان تجتمع كل تلك الصفات في شخص ويبرع فيها كما اجتمعت في غازي القصيبي.
ولأنه صاحب رؤية متجددة تعرض لعواصف عاتية من النقد كان يقابلها بقول الأديب السوري محمد الماغوط: «ما من موهبة تمر بدون عقاب» ويضيف عليها: «وما من موقف يمر بلا ثمن».
رحلة الحياة
رحلة القصيبي المهنية بدأت بعد عودته الى الرياض عندما تقدم للعمل في التدريس الجامعي لمادتي مبادئ القانون ومبادئ الإدارة العامة ثم استاذا مساعدا، ثم عميدا للكلية بالجامعة نفسها ورئيسا لقسم العلوم السياسية.
وقد تولى د.غازي العديد من المناصب بدأها بمنصب مدير عام مؤسسة الخطوط الحديدية بالدمام، ثم وزيرا للصناعة والكهرباء، ثم وزيرا للصحة، وبعدها أصبح سفيرا للمملكة العربية السعودية في البحرين، ثم سفيرا في بريطانيا، وفي عام 2002 أصبح وزيرا للمياه، ثم وزيرا للعمل.
القصيبي له الكثير من المساهمات في الأنشطة الاجتماعية والخيرية، فقد أسس الجمعية السعودية لرعاية الأطفال المعاقين عام 1980، وتولى عضوية جمعية البر بالرياض والدمام، وهو عضو مؤسس في مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وعضو بلجنة الجائزة بالمؤسسة نفسها وعضو بالهيئة الاستشارية العليا لمؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية.
معركة اليونسكو
للقصيبي مع منظمة اليونسكو تجربة لم يقدر لها أن تصل الى خواتيهما السعيدة عام 99 حيث كان ابرز المرشحين لمنصب المدير العام لها، وقد ألقى محاضرة وصفت بالتاريخية سلطت الضوء على تلك المرحلة قال فيها: معركة اليونسكو التي شغلت الرأي العربي العام المثقف، ودارت رحاها اكثر من سنة، كانت حربا حامية الوطيس، متعددة الجبهات خاضها أطرافها في العواصم، ومواقع الانترنت والأثير، وأوراق الصحف وانتهت بانتصار المرشح الياباني انتصارا نغالط أنفسنا إذا لم نقل انه كان انتصارا كاسحا.
والآن، بعد ان انتهت المعركة وهذا الغبار يتعين علينا نحن العرب ان ننظر الى ما كان لا بعين الاعتذار والتبرير ولكن بمنظار التحليل والنقد لنعرف لماذا انتصر من انتصر وانهزم من انهزم وهنا آثرت ان اكون صريحا منذ البداية فاخترت لهذه الكلمة عنوانا يعترف صراحة بالحقيقة، دروس الفشل، ولعل الأمانة تقتضي ان أضيف اني بمفردي اتحمل المسؤولية عن هذا الفشل، لقد اعطتني دولتي دعمها الكامل وأعطاني الأشقاء العرب تأييدا منقطع النظير ومع ذلك كنت المسؤول الى حد كبير عن وضع إستراتيجية الحملة وتطبيقها، وإذا كان من طبيعة الأمور ان يعتبر المرشح المنتصر نفسه مسؤولا عن الانتصار كليا أو جزئيا فالعدالة تقتضي ان يتحمل المرشح المهزوم قسطه من المسؤولية وهذا القسط في حالتي يصل الى حد تحمل العبء كله.
على انه ينبغي ان أسارع فأضيف انني إذا كنت أؤمن بنقد الذات فإنني أبعد الناس عن الإيمان بجدوى جلد الذات. تمكن المرشح العربي من الوصول الى المرتبة الثانية في سباق شرس خاضه 11 مرشحا وذلك إنجاز لا يستهان به وقد اشارت الصحف الرئيسية الصادرة في باريس ولندن الى ان المرشح العربي باعتباره مرشحا قويا كان يمكن يفوز في السباق وتمكن المرشح العربي من ان يوصل الى مسامع عواصم عالمية مؤثرة صوتا عربيا حضاريا منفتحا على العصر وعلى الآخرين.
لو كنا خضنا المعركة بهدف تحقيق انتصارات إعلامية أو سياسية محدودة كهذه ما كان لنا ان نتحدث عن هزيمة، اما وقد خضناها لكي ننتصر فأي إنجاز دون الانتصار، مهما كان شأنه يبقى فشلا لا ريب فيه.
أعظم القادة
يرى القصيبي ان الرجل الذي تأثر به سياسيا والذي هو ظاهرة سياسية تميزه ومن أعظم القادة السياسيين عبر التاريخ هو الملك عبدالعزيز، رحمه الله، ويقول انه يصعب على المعاصرين ان يحكموا على إنسان ولكن عظمة الملك عبدالعزيز تزداد وكلما ابتعدت الفترة الزمنية تبدو إنجازاته واضحة.
وتترقب المملكة عودة القصيبي بإذن الله في غضون الاسابيع المقبلة بعد رحلة علاج يقضيها منذ اشهر في احد مستشفيات الولايات المتحدة الاميركية.
المواطن الغاضب
لا تخلو سيرة القصيبي الوزير من مواقف طريفة تسبب فيها غـــازي الأديب، إذ يروي القصيبي انه في أحد الأيام إبان وزارته في الكهرباء والصناعة حصل انقطاع للكهرباء في أحد أحياء الريـــاض، وكان القصيبي يذهب إلى مقر الشركة ويتلقى الشكاوى الهاتفية مع موظفي السنترال كلما حدث انقطاع، فلما كان ذاك اليوم، واثناء تلقيه للاتصالات على سنترال الشركة، حادثه مواطن غاضب قائلا: «قل لوزيركم الشاعر انه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء عن الرياض».
يقول غازي: «فقلت له ببساطة: شكرا.. وصلت الرسالة! فقال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير. قال: أحلف بالله! فقلت: والله. وكانت هناك لحظة صمت من الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة».
أقرب القصائد إلى قلبه
في احد لقاءاته الصحافية عام 93 سئل عن اقرب القصائد اليه فقال: ديوان «قطرات من ظمأ» وقصيدة «قبل الرحيل» هي الأقرب إلى قلبي ويقول فيها:
- قبل أن أرحل عن هذي الديار
- قبل ان اضرب في تيه البحار
- قربي مني.. اسمعي اغنية
- لحنها ضم هدوئي وانفجاري
- صغتها من لهفة الروح.. ومن
- رعشة الشوق.. ومن قسوة ناري
- رجفت في قلمي فانسكبت
- احرفا تكتب مأساة اندحاري
- اسمعيها.. وارقبي اصداءها
- حين تأتيك على بعد المزار
- ما أمر اللحن يجتاح الفما
- موجعا.. ينزف نارا ودما
- ترعش الذكرى على خفقته
- رعشة الطائر في الفخ ارتمى
- ويثير الامس جرحا.. كلما
- ضج في الأضلع احيا الألما
- لن أناجيك بأنغام المنى
- وصدى اللوعة يكسو النغما
- انت من فجر بركان الاسى
- فاسمعيه يتلظى حمما
بين السياسة والثقافة
عشق الحياة السياسية والديبلوماسية، وكذلك الأدبية وله صولات وجولات ونجاحات بها، ولكن تبقى الأقرب الى قلبه الحياة الأديبة، وذلك لسبب بسيط حسبما يقول وهو: لأنك في الحياة الأدبية والفكرية تكون في دفة القيادة وتستطيع ان تقرر مثلا قضاء وقت مرعب فتقرأ رواية من روايات الرعب، وتحب ان تتأمل فتقرأ كتابا من كتب الفلسفة. وتريد ان تحاور المتنبي فتذهب لديوان المتنبي. يعني بامكانك عن طريق القراءة ان تطل على التاريخ من أوله الى آخره. وفي عالم الفكر تستطيع ان تعيش من غير ان تعقد مساومات أو صفقات وتستطيع ان تعمل ما تشاء من غير أي حلول وسط. بينما في عالم السياسة لا يوجد خير وشر ونادرا ما تقول هذا خير وهذا شر لأن الأمور ممتزجة والعالم هذا بطبيعته عالم غير مثالي ومليء بوجوه النقص. ولذلك فإن محاولة البحث عن أهون الشرين ليست محاولة شيقة أو ليست محاولة ممتعة انما هي محاولة متعبة وأحيانا تعيش مع أنظمة ترفضها أخلاقيا ويجب ان تتعايش معها في عالم السياسة وأحيانا تتعامل مع أشخاص تستثقلهم، ولكن يجب ان تتعامل معهم فعالم السياسة وعالم الديبلوماسية عموما هو حلقة لا تنتهي من حلول الوسط ومن أهون الشرين.
القصيبي والكويت
للكويت مع غازي القصيبي صفحات مشرقة ووضاءة وقف فيها صادحا بالحق كوقفة قيادة المملكة وشعبها وناصر بلدنا حين كان مغتصبا وأقسم برب البيت ان ترجع الكويت من بنادق الغزاة، وكانت مساهماته عديدة لعل ابرزها مقالات «في عين العاصفة».
- كان الليل مظلما ـ كضمير الطاغية..
- عندما تسربت خفافيش الغدر..
- على جناح كابوس بشع..
- وهاجمت حمامة وادعة نائمة..
- في عش صغير بقرب الساحل
- وكان اسم الحمامة «الكويت»..
- لف الفجر نشيج صامت..
- والحمامة تتململ في اغلال من حديد..
- والعش محاصر بالدبابات..
- والدوريات تعتقل كل حلم في العيون..
- وتصادر كل ابتسامة في الشفاه..
- وقال من قال: «ذهبت الكويت!».
- واستلقى الطاغية على عرش من الجماجم يستعرض دُمى الموت والدمار
- تمر فوق القبور.. ثم يقهقه..
- وتضحك الخفافيش في كل مكان طربا..
- ويسأل الناس: «أين الكويت؟!»
- تنبثق ارادة الحياة..
- وترفض الحمامة الصغيرة ان تلثم الاغلال..
- ويدوي نداء التحرير
- ويعود الفجر مسلحا بألف فراشة..
- وتنبت في الرمال نخلة حمراء..
- طالعة من دم الشهداء والشهيدات..
- ويرتفع الأذان..
- وتنقر الحمامة الأغلال.. فتسقط..
- ومرت خمس سنوات..
- نسي الطاغية عهد القهقهة..
- واختفى بعيدا عن دُمى الموت والدمار
- وأصيبت الخفافيش بالذعر..
- وتهاوت مع أشعة الشمس..
- وفي العش الوادع الصغير..
- تصدح حمامة وادعة صغيرة..
- بكل أغاني الحب والحياة والأمل..
- اسم الحمامة «الكويت»!
وقد كرمته الكويت في مارس عام 1992 بوسام الكويت ذي الوشاح من الدرجة الممتازة تقديرا وعرفانا من الشعب الكويتي للمواقف المشرفة له اثناء الاحتلال العراقي الغاشم ومساهماته الأدبية العديدة في هذا المجال، كما تم تكريمه عام 2003 في مهرجان القرين الثقافي.
الجدير بالذكر ان خبر “غازي القصيبي تفاخر به العرب شاعرا وأديبا – اشراق العالم24” تم اقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق ينبوع المعرفة والمصدر الأساسي هو المعني وتم حفظ كافة حقوقه
المصدر
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.