عندما يأتي الصيف في الشتاء.. هل يدفع تغير المناخ مصر نحو “دائرة النار”؟ | علوم


“عندما يأتي الصيف في الشتاء والربيع في الخريف”.. بهذه الكلمات اختزل سيد رمضان صاحب عربة طعام متنقلة بالقرب من شارع رمسيس وسط القاهرة التعبير عن شعوره بالضيق والارتباك بسبب العواصف والأتربة والارتفاع غير المعتاد في درجات الحرارة.

يقول رمضان للجزيرة نت وهو يحاول تجميع ما تطاير من عربته بفعل الرياح والأتربة، وكذلك الأمطار، إنه لم يكن يصدق تحذيرات خبراء الطقس “لكن من الواضح إن الأمر هذه المرة خطير”.

ولم تكن خسارة صاحب عربة الطعام سوى جزء بسيط من تفاصيل أكبر ومشهد كارثي يحذر منه خبراء المناخ على مستوى العالم، ولن تبعد مصر عنه كثيرا كما يقول الخبير بالهيئة العامة للأرصاد الجوية كمال هيبة.

ويصف خبير الأرصاد -في حديثه للجزيرة نت- موجة الرياح المحملة بالرمال التي بدأت تضرب القاهرة بأنها “غير مسبوقة هذا الوقت من العام وستكون لها توابع كثيرة” مشيرا إلى أن ذلك يتزامن مع سقوط أمطار وتقلبات حادة في الطقس.

ويوضح سبب التحول بأن المناخ كان يتغير في مصر على المدى الطويل وبشكل بطيء، لكن السنوات الأخيرة شهدت زيادة درجات حرارة الهواء القريب من سطح الأرض نتيجة تزايد الإشعاع طويل الموجة العائد إلى سطح الكوكب بمعدل أكبر من المغادر منها، مع التزايد المستمر لغازات الاحتباس الحراري بالجو نتيجة الحرق غير المسبوق للوقود الأحفوري وتجريف الغابات التي كانت تمتص بعضا من غاز ثاني أكسيد الكربون.

وذكر الخبير أن درجة الحرارة في مصر كانت تتزايد كل 30 سنة بمقدار 1.25 درجة مئوية، لكنها بدأت منذ سنوات تتحرك لأعلى بوتيرة أسرع زادت على 3 درجات. وأضاف “هذا ناقوس خطر يدق منذ فترة” موضحا أن تجاوز درجات الحرارة بالقاهرة الأيام الماضية 42 درجة كان لافتا وينذر بالاقتراب نحو الخمسين أو ما يسميها “دائرة النار”.

Wood thermometer showing air temperature.
درجة الحرارة في مصر بدأت منذ سنوات تتحرك لأعلى بوتيرة أسرع (غيتي)

للشتاء بقية

وحسب تقديرات الأمم المتحدة، تعتبر مصر شديدة التأثر بتغير المناخ، مع الزيادة المتوقعة في موجات الحر والعواصف الترابية، وكذلك العواصف على طول ساحل البحر المتوسط، مع توقعات بظواهر جوية “شديدة”.

ويؤكد أستاذ المناخ وعلوم البيئة إبراهيم قطب -للجزيرة نت- أن الغلاف الجوي لم يعد قادرا على امتصاص حرارة الأرض. وأضاف “ربما تستيقظ صباحا لتجد أن الدنيا تغيرت من حولك وانقلبت رأسا على عقب” موضحا أن التقلب الحاد بدرجات الحرارة صعودا وهبوطا قد يجعل الناس تعتقد في ذروة الصيف أن “للشتاء بقية”.

في السياق نفسه، يتوقع الخبير الزراعي مروان الشافعي -في حديثه للجزيرة نت- أن يؤدي ارتفاع الحرارة إلى تأثيرات خطيرة على مراحل نمو المحاصيل الشتوية، موضحا بأن تغير الطقس بزيادة عدد الأيام الحارة “سيطارد على سبيل المثال محصول القمح في طوره اللبني أو العجيني مما قد يجففه قبل تمام النضج ويؤثر على إنتاجيته”.

كما يشير الشافعي إلى أن التغيرات المناخية ستنعكس على “جفاف مؤكد لكن بشكل نسبي” في البحيرات والأنهار ومصادر المياه اللازمة للزراعة فيتعقد الموقف أكثر في مصر التي توصف بيئتها الزراعية بأنها قاحلة الأمطار باستثناء الساحل الشمالي الغربي.

ويدعو إلى استحداث تراكيب محصولية جديدة، ومحاولات التأقلم مع التغير المناخي من خلال اختيار أصناف جديدة تتحمل الحرارة ولها دورة نمو أقل، مع “تغيير إجباري” في مواعيد الزراعة.

ويتحدث بهذا الصدد بقدر لافت من الأسى، ويعبر عن ضيقه الشديد لتراجع الاهتمام بمراكز البحوث الزراعية، قائلا إن لديها المقدرة على استحداث أصناف زراعية تتكيف مع المتغيرات الجديدة، مشيرا إلى أن خبراء هذه المراكز توصلوا مؤخرا لإنتاج بذور من القمح تتحمل التقلبات الجديدة وتوفر إنتاجية جيدة مع إمكانية الري بمياه البحر المعالجة “لكن لم يتم الاستفادة بذلك لسد الفجوة الغذائية المتوقعة”.

وفي سياق مختلف، توصي خبيرة التغذية سلمى حسين بضرورة تغيير السلوكيات الغذائية للمصريين عبر التحول -كما تقول للجزيرة نت- إلى استخدام محصول الذرة كغذاء رئيسي مع القمح، بسبب ملاءمته لتغير المناخ واحتمال زيادة إنتاجه مستقبلا، في ظل توقعات بتراجع إنتاج القمح. وتقول إن هذا التحول سيأخذ بعض الوقت “لكن الخيارات محدودة”.

كما يرى محمود محيي الدين المبعوث الأممي الخاص المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة أن تغير المناخ يأتي في مقدمة المخاطر التي تهدد العالم.

وشدد -في تصريحات نشرتها الصحف المحلية- على ضرورة التعامل مع هذا الأمر بجدية من خلال تعزيز الاستثمار في خطوط دفاع ثلاثية تتمثل في تخفيف الانبعاثات الضارة، التكيف مع تأثيرات التغير المناخي، التعامل مع الخسائر والأضرار.

وأوضح محيي الدين أن هناك حاجة ملحة لهذا الاستثمار، مشيرا إلى أن العمل المناخي يعاني من فجوة تمويلية كبيرة لا يمكن سدها من خلال 100 مليار دولار تعهدت بها الدول المتقدمة عام 2009 لتمويل العمل المناخي بالدول النامية سنويا، ولم تف بها حتى الآن.

هذا الصباح-تربية الأسماك مهنة تواجه صعوبات ببحيرة المنزلة
ارتفاع حرارة مياه البحر سيؤدي لتغير نوعية المياه بالبحيرات الشمالية مما يؤثر على الثروة السمكية (الجزيرة)

سيناريوهات صعبة

ويحذر المبعوث الأممي من أن تأثير التغير المناخي سيتجاوز الظواهر الجوية المتطرفة والحرائق والفيضانات، ليلقي بظلاله على حياة البشر وسبل عيشهم.

وأضاف محيي الدين “الضرر سيلحق بالطبيعة والزراعة ونظم المياه، وسينتج عن ذلك ما يعرف باللجوء المناخي، أو الهجرة الاضطرارية للبشر من الأماكن الأشد تأثرا بتغير المناخ إلى أماكن أخرى صالحة للعيش، وهو ما سيربك الدول والمجتمعات المختلفة مستقبلا”.

وتتحدث دراسة حديثة -نشرها مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية- عن سيناريوهات “صعبة” وتوقعات بزيادة مستوى سطح البحر بمقدار 100 سنتيمتر حتى عام 2100 مع الأخذ بالاعتبار هبوط الأرض في الدلتا، مما يتسبب في دخول المياه المالحة على المياه الجوفية، ويؤدى إلى تلوثها وتملح التربة وتدهور جودة المحاصيل وفقدان الإنتاجية.

وحسب هذه الدراسة -التي أعدها صابر عثمان، وهو أحد خبراء مصر لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ- فإن ارتفاع درجة حرارة مياه البحر سيؤدي إلى تغير نوعية المياه بالبحيرات الشمالية، مما يؤثر على الثروة السمكية في هذه البحيرات.

وتبدو مشكلة التصحر واحدة من أخطر التحديات البيئية حيث تصنف مصر من أكثر الدول معاناة من تلك المشكلة “وذلك وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة التي تؤكد أن هناك 3.5 فدادين تتعرض للتصحر كل ساعة” حسب الدراسة.

****داخليه فقط**** حديقه الفسطاط المصدر : صفحه (مبادرة المكتبة - جامعة بنها ) على الفيسبوك
“تلال الفسطاط” حديقة ضخمة بالقاهرة مساحتها 500 فدان (صفحة مبادرة المكتبة-جامعة بنها على فيسبوك)

“تلال الفسطاط”

وفي مواجهة تلك المخاطر، تنفي الحكومة المصرية اتهامات لنشطاء البيئة بالتسبب بدفع البلاد نحو التصحر وتجريف الحدائق وقطع الأشجار، وتعلن عن مشروعها لإقامة واحدة من أكبر الحدائق العامة التي تحمل اسم “تلال الفسطاط” سيتم افتتاحها قريبا. وتقام -كما يقول مجلس الوزراء عبر صفحته الرسمية- على مساحة 500 فدان وتضم نحو مليون شجرة قد تكون رئة خضراء مهمة لقلب القاهرة الذي يعاني بسبب تراجع جودة الهواء وزيادة الاحترار تحت وطأة تغير مناخي لا يرحم، حسب ما تقول الباحثة بعلوم المناخ رانيا عوض.

وتدعو الباحثة إلى مشاركة “فعالة وحقيقية” من جانب مؤسسات الدولة في مؤتمرات تغير المناخ، وكذلك المساهمة في عمليات التخفيف العالمية بتقليل العوادم والحفاظ على البيئة بتشجير الطرق بأشجار تتحمل الحرارة وقلة المياه، وكذلك ترشيد استهلاك الطاقة والوقود والمياه.

وتقول للجزيرة نت إن المساحات الخضراء في مصر تشهد تراجعا لافتا بسبب ما تسميها “القطع الجائر للأشجار وإزالة بعض الحدائق العامة” بهدف توفير المياه. وتوضح أن تراجع نصيب الفرد من تلك المساحات خفض جودة الحياة بالقاهرة على سبيل المثال، وجعلها واحدة من أكثر المدن تلوثا على مستوى العالم.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post تظاهر امرأة ، 28 عامًا ، بأنها طالبة تبلغ من العمر 17 عامًا في مدرسة لويزيانا الثانوية
Next post منتخب غينيا يتقدم على مصر 1 / 0 بعد مرور 30 دقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading