كانت رحلة البعثة الفضائية “أبولو 11” في يوليو/تموز 1969 أول مهمة مأهولة تصل إلى سطح القمر ويخطو روادها فوقه، وتضمنت أهداف الرحلة الإضافية الاستكشاف العلمي بواسطة طاقم الوحدة القمرية ونشر كاميرا تلفزيونية لنقل الإشارات إلى الأرض، ونشر تجربة تكوين الرياح الشمسية، وأجهزة قياس شدة الزلزال، والعاكس الليزري لتحديد المسافة بين الأرض والقمر، كما كان على رائدي الفضاء جلب عينات من مواد سطح القمر والتقاط عديد من الصور للتضاريس القمرية.
ومنذ ذلك الحين، توالت الدراسات والأبحاث العلمية التي تهدف لاستكشاف بنية القمر الداخلية والخارجية وتضاريسه وتكوين قشرته والمعادن والمواد المتضمنة في تربته، وقد تكرر التساؤل عما إذا كان لب القمر صلبا -مثل الأرض- أم سائلا، وهو أحد التساؤلات التي من شأنها أن تقودنا إلى فهم أكثر دقة لتاريخ القمر، ومن ثم تاريخ النظام الشمسي.
والآن، وبعد 50 عاما من قيام أبولو 11 بتمهيد الطريق لإجراء المسوحات الأولى للقمر، قام فريق من العلماء من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، وجامعات ومراصد فرنسية أخرى، بتسليط الضوء على جزء من هيكل القمر الداخلي الذي ظل حتى الآن لغزا، وقد توصلوا إلى أن للقمر نواة صلبة مثل الأرض، بالإضافة إلى أنهم يقدمون أيضا أدلة تشرح وجود مواد غنية بالحديد في القشرة القمرية، وقد تم نشر نتائج أبحاثهم في دورية “نيتشر” (Nature) في الثالث من مايو/أيار الجاري.
لب داخلي صلب
يذكر البيان الصحفي الذي نشره الموقع الرسمي للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي أنه بعد نحو 20 عاما من التأكد من وجود لب خارجي سائل للقمر، كشف الفريق الآن عن وجود قلب داخلي صلب يبلغ قطره نحو 500 كلم، وهو ما يمثل نحو 15% من الحجم الإجمالي للقمر، وهو مكون من معدن تقترب كثافته من كثافة الحديد التي تقدر بنحو 8 آلاف كيلوغرام لكل متر مكعب.
وقد مكنت الطرق المختلفة سابقا -المتعلقة بشكل خاص بدوران القمر- بالفعل من تحديد اللب الخارجي المائع بوضوح، إلا أن اللب الصلب ظل غير قابل للكشف نظرا لصغر حجمه، حتى تم إثبات وجوده الآن باستخدام بيانات من بعثات فضائية مختلفة وباستخدام المجال الليزري القمري (وهي تجربة مستمرة تقيس المسافة بين الأرض والقمر باستخدام مدى الليزر).
فقد توصل فريق في ناسا عام 2011 إلى نتيجة مماثلة باستخدام تقنيات الزلازل الحديثة، ووجدوا دليلاً على وجود قلب داخلي صلب يبلغ نصف قطره نحو 240 كيلومترًا، وكثافة نحو 8 آلاف كيلوغرام لكل متر مكعب، ويقول بريود وفريقه إن النتائج التي توصلوا إليها هي تأكيد لتلك النتائج السابقة، الأمر الذي ستكون له بعض التداعيات المثيرة للاهتمام على تطور القمر.
انقلاب الوشاح
فضلا عن ذلك، يذكر البيان الصحفي أن عديدا من الأدلة التي حددها العلماء تدعم فرضية حركة المواد داخل الوشاح (أي الطبقة الوسطى بين اللب والقشرة) في أثناء تطور القمر، والذي يُعرف باسم انقلاب الوشاح، وتساعد في تفسير وجود عناصر غنية بالحديد على سطح القمر.
ويفترض العلماء أنه يمكن أن تكون هذه المواد قد ارتفعت إلى السطح، منتجة صخورا بركانية ترسبت في القشرة القمرية، ثم في وقت لاحق غرقت المواد التي كانت كثيفة للغاية مقارنة بمادة القشرة المحيطة عائدة إلى حدود اللب والوشاح.
يقدم هذا العمل في المجمل مساهمة مهمة في فهمنا لتاريخ النظام الشمسي وأحداث معينة، مثل اختفاء المجال المغناطيسي للقمر، الذي كان في الأصل أقوى بـ100 مرة من مجال الأرض اليوم، وهو الآن تقريبا غير موجود.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.