توصل فريق بحث دولي إلى اكتشاف أكثر من 50 أثرا من آثار أقدام حيوانات (زواحف) ما قبل الديناصورات، والتي تسمى “الكابتورينيدات” (captorhinomorph) وعاشت في العصر البرمي المتوسط إلى المتأخر ما قبل 252 مليون سنة في شمال أفريقيا.
وتشير الأدلة التي توصل إليها فريق البحث إلى أن المغرب لعب دورا رئيسيا كممر لهجرة هذه الحيوانات. ونشرت نتائج الدراسة مؤخرا في دورية “باليوجيوغرافي، باليوكلايمتولوجي، باليوإكولوجي” (palaeogeography palaeoclimatology palaeoecology).
وتواصلت الجزيرة نت مع الباحث المغربي عبد الواحد الكناوي المشارك في هذا الاكتشاف، وقال في تصريح عبر البريد الإلكتروني “تفتح الدراسة مجموعة من التساؤلات حول دور الجغرافيا القديمة والتضاريس القديمة في توزيع الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية”.
آثار أقدام حيوانات عاشت قبل الديناصورات
وبحسب الدراسة العلمية، تمكّن فريق البحث من خلال دراسة ترسّبات في منطقة أركانة بالأطلس الكبير الغربي في المغرب، من التوصل إلى أدلة جديدة تؤكد وجود آثار أقدام نسبت لمجموعة من الحيوانات الفقارية المنقرضة التي تسمى الكابتورينيدات، من نوع “هيلويديتشنوس” (Hyloidichnus)، وهي بصفة أدق من عائلة “الموراديسورينات” (Moradisaurinae).
ويقول عبد الواحد الكناوي “هذه الأدلة تشير إلى أن المغرب قد لعب دورا رئيسيا كممر أو ملتقى لهذا النوع من الحيوانات المهاجرة من النصف الجنوبي للكرة الأرضية، أو ما يعرف آنذاك بقارة “كوندوانا” (Gondwana)، إلى النصف الشمالي للكرة الأرضية، أو ما يعرف آنذاك بقارة “لوراسيا” (Laurassia)”.
ويضيف عبد الواحد أن الدراسة “تضمنت تحليلا لشكل آثار الأقدام ولنمط وشكل مسارات هذا النوع من الحيوانات، وخلص من خلالها فريق البحث إلى أن الكابتورينيدات تمتلك أطرافا منفتحة أو متباعدة، وهو ما يعرف بـ(Abducted posture). وهذا النوع يتحرك بوتيرة بطيئة، ولديه حركة مباشرة ومتناظرة بين الأطراف، حيث تكون حركات الأطراف الأمامية والخلفية بمسافة أو خطوة مماثلة، ويتحرك الحيوان بطريقة بطيئة خلال الجري”.
وتم اكتشاف هذا الموقع خلال رحلة ميدانية لجبال الأطلس الغربي سنة 2013، حيث وجد فريق البحث آثار أقدام معزولة. لكن بداية سنة 2020، ومن خلال تكثيف التنقيب بمنطقة أيفرد، استطاع الفريق اكتشاف أكثر من أربعة مسارات لهاته الحيوانات تتجاوز المترين لكل واحد، بالإضافة إلى آثار أقدام معزولة ومتفرقة على نفس الصخور. واستغرق تحليل المعطيات والنتائج، وإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد ملون ثم كتابة البحث ونشره ما يقرب من ثلاث أعوام.
البيولوجيا القديمة للحيوانات الفقارية
ويشير الكناوي إلى أن لهذه الدراسة “أهمية كبيرة في فهم البيولوجيا القديمة للحيوانات الفقارية من خلال فهم سلوكياتها وطريقة مشيها، بالإضافة إلى انتشارها الجغرافي بالكرة الأرضية وفهم البيئات المفضلة لعيشها خلال هذا العصر، حيث عاشت هاته المجموعات بشكل رئيسي في مناطق تقع بين خطوط عرض منخفضة، وهذا قد يكون مرتبطا أساسا بالتغيرات من مناخ استوائي إلى مناخ قاحل بالأساس”.
وبحسب فريق البحث، فإن هذه الدراسة قدمت أيضا جوابا عن الطرق التي تسلكها هذه الحيوانات المكتشفة للهجرة من الشمال إلى الجنوب، كما أنها فتحت الباب للبحث في الجغرافيا القديمة والظروف المناخية للمناطق المحاذية، في الوقت الذي كان فيه المغرب عبارة عن سهول وأنهار.
ويقول عبد الواحد الكناوي إن الجمهور العام مهتم بمعرفة التاريخ الجيولوجي والبيولوجي للمغرب عبر الأزمنة، وخصوصا ما قبل 252 مليون سنة، حيث كان المغرب قناة الربط الأساسية لهجرة الحيوانات شمالا جنوبا وشرقا غربا، إذ إن الحيوانات المهاجرة من أفريقيا لأوروبا أو من أوروبا لأفريقيا كان لا بد أن تعبر المملكة المغربية.
بالإضافة إلى ذلك، فالجمهور أيضا مهتم بمعرفة كمية التنوع البيولوجي عبر الأزمنة الجيولوجية، وما تركه من آثار يعتبر موروثا طبيعيا يجب استغلاله في السياحة الجيولوجية والسياحة النظيفة، كما يجب على المسؤولين أيضا العمل على التوعية بهذا الموقع والمواقع المشابهة من أجل جذب السياحة، وذلك من خلال إرساء إستراتيجيات للحفاظ على تلك المواقع من العوامل المناخية والبشرية”.
نتائج مهمة وأسئلة جديدة
وخلصت الدراسة العلمية إلى نتائج مهمة، منها أن مجموعة “كابتورينيدات” وُجدت في شمال أفريقيا من العصر البرمي المتوسط حتى العصر البرمي المتأخر، أي ما قبل 252 مليون سنة، إضافة إلى أن أفراد هذه المجموعة وُجدت بأحجام مختلفة بين الكبير والصغير والمتوسط.
كما أن نمط المسارات يشير إلى أن هذه المجموعة كانت من الحيوانات ذات الأطراف المنبسطة التي تركض بشكل بطيء، وقد عاشت هاته الحيوانات في بيئات نهرية ذات طاقة هيدرودينامية منخفضة وبمناطق خطوط عرض منخفضة ما بين خط عرض 30 شمالا و30 جنوبا.
صعوبات وأسئلة مستقبلية
وواجه فريق البحث مجموعة من التحديات المرتبطة أساسا بالتنقيب والبحث في مناطق معروفة بوعورة تضاريسها حيث الانحدار شديد، كما أن ديناميكية عوامل التعرية قد تساهم في تدمير أو إخفاء مثل هاته الآثار التي تكون سريعة الحث مما يقلل نسبة اكتشافها.
إضافة إلى ذلك، قال عبد الواحد الكناوي “لم يتلق أعضاء فريق البحث أي تمويل من الجامعات التي ينتمون إليها، وهذا أيضا يدخل في باب التحديات التي نواجهها، إذ لو توفرت مصادر لتمويل الرحلات، لكان سهلا على فريق البحث تكثيف الرحلات الاستكشافية من أجل التنقيب والبحث”.
وبشأن مستقبل البحث في هذا الكشف العلمي، يُنهي عبد الواحد حديثه للجزيرة نت بالقول “بطبيعة الحال، بعد كل اكتشاف وخلاصات كل دراسة، تطرح أسئلة جديدة تدفعنا للتنقيب والبحث أكثر من أجل إيجاد أجوبة لهاته الأسئلة.
وعلى سبيل المثال، وجدنا إلى جانب آثار الأقدام هاته، آثارا لقطرات المطر وموجات التيارات المائية ومستحاثات نباتية وجحورا لفقاريات ولافقاريات وآثار حراشيف جلد حيوانات فقارية وأجنحة حشرات؛ مما يشير إلى أن الطبقات تم ترسيبها في سهول طينية تغمرها مياه الأنهار بشكل فجائي وربما بحيرات صغيرة، مما يعني أن كل الظروف كانت ملائمة لوجود تنوع أكبر للفقاريات، وكل هاته التساؤلات ستدفع للتنقيب من جديد والبحث أكثر في الظروف المناخية التي سادت آنذاك.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.