مراسلو الجزيرة نت
نيروبي- لا تزال تبعات قضية الانتحار الجماعي في ما يعرف بـ”صوم الجنة” تلقي بظلالها على كينيا إثر وصول عدد الضحايا إلى نحو 240 شخصا، بعد أن قضوا أياما من دون طعام وماء استجابة لدعوة رجل دين مسيحي.
تعود القضية إلى يوم 14 أبريل/نيسان الماضي، حين أفاقت كينيا على خبر يفيد بأن الشرطة اكتشفت وفاة 4 أشخاص جوعا، بعد أن أمرهم قس بالصيام حتى الموت، لإنقاذهم من “موت مؤلم في العالم”.
وأفادت الأخبار يومها بأن الأربعة وهم عبدة في كنيسة للقس بول ماكنزي، ماتوا بعد أن قضوا أياما من دون طعام وماء في قرية شاكهولا في مقاطعة ماغاريني، لكن لم تكن تلك الوفيات إلا بداية لاكتشاف أحد أبشع الانتحارات الجماعية في القرن الحالي.
ووفقا لتقرير الشرطة، فقد تصرف رجال الشرطة بناء على بلاغ وقاموا بزيارة مكان الحادث لتقصي الحقائق، وتمكنوا من إنقاذ 15 شخصا، من بينهم 4 أصيبوا بالهزال وكانوا في حالة حرجة، وماتوا قبل وصولهم إلى المستشفى.
وباستنطاق الذين تم إنقاذهم، أفادوا بأن عدد الصائمين أكبر ممن تم اكتشافهم إثر البلاغ، فمنذ ذلك الوقت أصبحت كينيا تستفيق يوميا على أخبار اكتشاف جثث جديدة ضحية “صوم الجنة”، حتى وصل عدد الوفيات إلى 239، رغم مرور أكثر من شهر على اكتشاف الجريمة، كما أن الشرطة لا تزال تشك في وجود 600 جثة أخرى.
إقناع بالانتحار
وسلم القس بول ماكنزي -المتهم بإجبار أتباعه على الموت- نفسه للسطات الكينية مع 6 من مساعديه، مدعيا أنه لم يجبر أحدا على الموت، ورغم تمكنه من الحصول على إخلاء سبيل بكفالة، فإن السلطات أعادت اعتقاله سريعا، بعد اكتشاف هول الفاجعة، وقامت بإغلاق مؤقت لـ20 حسابا بنكيا يتبعه أو يتبع كنيسته.
وحول كيفية إقناع أتباع طائفة ما بالانتحار الجماعي، أفادت المختصة في العلوم النفسية في نيروبي رحيمة نيامبورا غاثومبي بأن سيكولوجية الطوائف تتجسد في 4 مراحل، ففي البداية يبدأ الشعور بالانتماء عندما يجد أعضاء الطائفة أن دينهم يساوي بين الجميع، وبالتالي يجدون في تلك الطائفة ملاذا من ظلم ما يشعرون به في المجتمع، إثر ذلك يتحد الأعضاء لغرض أعلى وهي عبادة الإله.
وتابعت غاثومبي -في حديث للجزيرة نت- أنه عند الوصول لتلك المرحلة تبدأ الهوية الجماعية في التشكل، حيث تكون للجماعة هوية واحدة تقوم على أساسها، عندها يبدأ تكوّن الدعم المجتمعي إذ يقدم أعضاء الطائفة الدعم العاطفي لبعضهم البعض، وعند الوصول لتلك المرحلة، تجمع كل هذه المبادئ الأساسية للاحتياجات الإنسانية العاطفية، ليصبح الاقتناع بالموت من أجل الوصول إلى الهدف الجماعي سهلا.
تجاذبات سياسية
بعد أن تحولت الحادثة إلى قضية هزت الرأي العام الكيني، اعتذر الرئيس وليام روتو للشعب الكيني عن التقصير الحكومي في مواجهة الحادثة التي أصبحت تعرف إعلاميا بحادثة “شاكهولا”، نسبة للغابة التي وقعت فيها.
وقال روتو “من الواضح أن هناك تراخيا في حكومتنا أدى للأسف إلى وفاة عديد من الكينيين، وأنا لا أستخف بالأمر”، مضيفا أنه سيبذل كل ما في وسعه لمنع حادث شاكهولا آخر، “سنعمل مع الكنيسة والمنظمات الدينية لمنع حدوث أي شيء كهذا مرة أخرى في كينيا”.
وللبحث في ملابسات هذا الحادث، شكل الرئيس الكيني لجنة تحقيق برئاسة القاضية جيسي ليسيت، وستحقق اللجنة -إضافة لبحثها عن ملابسات الحادث- في الظروف التي أدت إلى ظهور المؤسسات الدينية المتطرفة وغيرها.
هذه الخطوة وجدت صداها لدى المعارضة، فقد رفع تحالف أزيميو المعارض، بزعامة رايلا أودينغا، دعوى قضائية لمنع بدء جلسات اللجنة بحجة أن تعيين الرئيس ويليام روتو للفريق المكون من 8 أعضاء غير قانوني وتجاوز للسلطات المخولة لأجهزة الدولة الأخرى خاصة الشرطة، بموجب الدستور. بناء عليه، علقت المحكمة العليا يوم 22 مايو/أيار الجاري عمل اللجنة لمدة 7 أيام في انتظار صدور حكم مفصل هذ الأسبوع بشأن دستورية اللجنة.
في الأثناء، حاول زعيم المعارضة رايلا أودينغا زيارة غابة شاكهولا، إلا أن السلطات منعته، ودافع الرئيس وليام روتو عن هذا المنع، قائلا إنه ليس له دور في التحقيق الجاري، مضيفا أن تحرك أودينغا كان لأغراض سياسية وأن زيارته لن تضيف أي قيمة للتحقيقات الجارية.
ويرى الصحفي في شبكة “نايشن” الكينية بريان موشيري أن هذا التجاذب السياسي لفاجعة شاكهولا، هو شوط جديد في الصراع السياسي في كينيا منذ إعلان فوز الرئيس روتو أغسطس/آب الماضي، إذ سعى أودينغا لاستغلال هذه الحادثة كورقة جديدة لزيادة الضغط على الرئيس روتو، خصوصا بعد أن قبل هذا الأخير تشكيل لجنة للحوار، وهو ما يفسر إصرار الرئيس على منع أودينغا من زيارة قرية شاكهولا.
ويوضح موشيري، للجزيرة نت، أن زعيم المعارضة يخشى أن يكون تشكيل الرئيس الكيني للجنة تحقيق مناورة سياسية من قبل خصمه، مشددا على أن التماس أودينغا للمحكمة لمنع أعمال هذه اللجنة ليس إلا محاولة لقطع طريق أي خطوة يمكن أن يستغلها روتو لمصلحته السياسية في هذه القضية.
يذكر أن التجاذبات السياسية بشأن هذه القضية تأتي في وقت بدأ فيه ائتلاف الحكومة وتحالف المعارضة محادثات متعثرة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، بعد عدة مظاهرات عنيفة نظمها زعيم المعارضة رايلا أودينغا، احتجاجا على نتائج الانتخابات الماضية وارتفاع تكلفة المعيشة، انتهت بهدنة مؤقتة لفسح المجال للمحادثات.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.