لندن- تحوّل ملف الذكاء الاصطناعي إلى أولوية لدى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي عقد في أسبوع واحد اجتماعين مع مديري كبرى المؤسسات التكنولوجية التي تشرف على تطوير برامج الذكاء الاصطناعي.
ويظهر أن هذه الاجتماعات حملت الكثير من الرسائل المقلقة لرئيس الوزراء، الذي سرّبت مصادر مقربة منه للصحافة البريطانية أنه سيعقد قمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع المقبل في واشنطن، وسيكون من بين الملفات ذات الأولوية في هذه القمة: التفكير في ضبط برامج الذكاء الاصطناعي.
وتطمح بريطانيا أن تكون صاحبة السبق في التشريع ووضع الأرضية القانونية لضبط تطوير برامج الذكاء الاصطناعي، بالتنسيق مع الأميركيين، بعد رفض سوناك فكرة تأسيس تحالف دولي للتعامل مع هذا الملف.
تحركات رئيس الوزراء البريطاني لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة للرسالة التي تلقاها ووقع عليها أكثر من 350 عالما في التكنولوجيا والأمن السيبراني، تحذر من أن الذكاء الاصطناعي إن لم يتم التعامل معه بجدية، فقد يسبب خسائر شبيهة بجائحة كورونا أو ضربة نووية.
وكان المستشار العلمي السابق للحكومة البريطانية باتريك فالانس، قال -في تصريحات صحفية- إن الذكاء الاصطناعي “بات يشكل خطرا حقيقيا على الحياة البشرية إن لم يتم ضبطه”.
سحب الورقة البيضاء
وخلال أسبوع واحد، عقد رئيس الوزراء البريطاني اجتماعين مهمين مع أكبر الشركات المهتمة بتطوير برامج الذكاء الاصطناعي.
اللقاء الأول كان مع سوندار بيشاي المدير التنفيذي لشركة “ألفابيت” المالكة لشركة “غوغل”، والثاني عقده مع مديري كل من: شركة “الذكاء الاصطناعي المفتوح” (Open AI) المطورة لبرنامج “شات جي تي بي” (ChatGTP)، ومدير شركة “غوغل ديب مايند” (Google Deepmind)، ومدير شركة “أنثروبيك” (Anthropic)، وكلها تعتبر شركات عملاقة ورائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقد خرج رئيس الوزراء البريطاني بخلاصات، من بينها ضرورة الاستعجال في وضع تشريعات لضبط هذا المجال، وكذلك الاستفادة منه في الابتكار والصناعة والتكنولوجية، خصوصا أن الحكومة البريطانية سحبت وثيقة أطلقت عليها “الورقة البيضاء” تتحدث عن مزايا الذكاء الاصطناعي دون الحديث عن عيوبه، قبل أن تنتبه لخطورة هذا الملف وتسحب الوثيقة من جديد.
وبحسب مصادر حضرت هذه الاجتماعات تحدثت لوسائل إعلام بريطانية، فإن الاتفاق الذي تم بين رئيس الوزراء ومديري هذه الشركات، تضمن الموازنة بين التشريعات والقوانين الضابطة لعمل هذه البرامج، وفي الوقت ذاته تشجيع هذا المجال وحمايته.
ريادة ومنافسة
وضع سوناك ملف الذكاء الاصطناعي في قائمة الملفات التي سوف يناقشها مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى واشنطن يومي 7 و8 من الشهر الحالي، ومن المتوقع أن يلتقي سوناك أيضا عددا من قادة السياسيين في الكونغرس، إضافة لكبار رجال الأعمال.
الغرض من هذه اللقاءات هي إقناع المشرّعين الأميركيين بوضع تشريعات تخص الذكاء الاصطناعي، تتسق مع التشريعات التي سيتم وضعها في بريطانيا، أما اللقاء مع رجال الأعمال، فالهدف منه هو سعي سوناك لإقناعهم بالاستثمار في المملكة المتحدة في تطوير الذكاء الاصطناعي.
ويسابق سوناك الزمن من أجل جعل بلاده سباقة في هذا المجال، وأن تصبح منصة عالمية للذكاء الاصطناعي، في ظل منافسة أوروبية خصوصا مع فرنسا التي استقبل رئيسها عددا من شركات التكنولوجيا، في مقدمتهم إيلون ماسك مالك شركتي “تويتر” و”تسلا”، وكان اللقاء حول ملف الذكاء الاصطناعي.
تحذيرات مبالغ فيها
لا يتفق رئيس مركز الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي في جامعة شرق لندن أمير النمرات مع التقييم الذي يقول إن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطرا مشابها لخطر ضربة نووية أو ظهور جائحة جديدة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد النمرات أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي سوف تصل إلى مراحل متقدمة في التعلم التلقائي، وبالتالي التطور التلقائي دون التدخل البشري، لكنه يعتقد أن هناك مبالغة في الموضوع، بسبب ما يصفه بالحمى الإعلامية التي أصابت العالم حول هذا الموضوع.
ولفت الخبير في الذكاء الاصطناعي إلى وجود رغبة أميركية بريطانية في قيادة العالم في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا يتماشى مع إستراتيجية البلدين وكذلك مجموعة دول “الأعين الخمسة” التي اتفقت على عدم مشاركة الأبحاث العلمية والمعلومات حول الذكاء الاصطناعي مع دول أخرى خارج هذه المجموعة لتكون لديها اليد العليا في هذا المجال، وتضم المجموعة: بريطانيا وأميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
وتوقع النمرات أن تحقق بريطانيا وأميركا تطورا كبيرا في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة ببقية دول العالم، وهذا راجع لكون هذه الدول “استثمرت بشكل كبير في التكنولوجيا، مثل الحاسوب الكمومي أو ما يعرف بالسوبر كومبيوتر، وبدأت تضع البنية التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، خصوصا في المجال العسكري”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.