“سباكو البيت الأبيض” إعادة سرد لقصة ووترغيت للمرة المليون | فن


بدأ عرض مسلسل “سباكو البيت الأبيض” (White House Plumbers) على شاشة “إتش بي أو” (HBO) منذ الأول من مايو/أيار الجاري، من تأليف أليكس غريغوري وبيتر هويك وإخراج ديفيد ماندل، استنادا إلى كتاب “النزاهة” (Integrity) الذي صدر عام 2007 من تأليف إيغيل كروغ وماثيو كروغ.

المسلسل من بطولة وودي هارلسون، وجاستن ثيرو، ودومهنال جليسون، وكيرنان شيبكا، ولينا هيدي، وتمتد أحداثه لـ5 حلقات تُعرض كلها خلال مايو/أيار، ويعد إعادة سرد لوقائع فضيحة ووترغيت السياسية الأميركية الشهيرة، التي ظهرت قبل ذلك في عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية، ما يجعل من المنطقي طرح سؤال مثل “لماذا لا نشاهد مسلسلات نقد سياسي عربية مشابهة؟”، مع رواج هذا النوع وجذبه المشاهدين من كل الجنسيات.

الفضيحة السياسية الأشهر

في إحدى مشاهد المسرحية المصرية الشهيرة “المتزوجون” التي عُرضت في نهاية السبعينيات يقول البطل لزوجته “رأيك إيه في فضيحة ووترغيت؟” لترد بشكل كوميدي ويكتمل المشهد شديد الهزلية الذي يُظهر بوضوح المدى الواسع لهذه الكارثة السياسية التي وصلت إلى أن تكون مثار حديث كل الطبقات في بلاد تبعد عن الولايات المتحدة آلاف الأميال.

“ووترغيت” الفضيحة السياسية الأشهر في الولايات المتحدة دارت أحداثها بسبعينيات القرن الـ20 عندما تورط الرئيس الأميركي نيكسون في عملية تلصص على مكاتب الحزب الديمقراطي خلال محاولته للفوز بدورة رئاسية ثانية، ما أدى إلى تنازله عن السلطة في النهاية.

ببحث بسيط على شبكة الإنترنت سنجد الكثير من الأفلام والمسلسلات التي ظهرت فيها فضيحة “ووترغيت” سواء كأساس للحبكة، أو بشكل فرعي أو حتى عابر تماما، ففي عام 2022 على سبيل المثال تم عرض مسلسلين تناولا الأزمة السياسية من وجهة نظر نسائية هما “غاسليت” (Gaslit) و”السيدة الأولى” (The First Lady)، وها نحن في 2023 نتحدث عن مسلسل آخر وهكذا كما لو أنها هي “القضية الوحيدة”.

مسلسل "سباكون البيت الأبيض" (White House Plumbers) المصدر: "أتش بي أو" (HBO)
تمتد أحداث مسلسل “سباكو البيت الأبيض” لـ5 حلقات تُعرض خلال مايو/أيار (إتش بي أو)

مسلسل “سباكو البيض الأبيض” يكمل في الاتجاه ذاته، حيث يطرح زاوية يراها صناعه مختلفة، وهي متابعة الحدث من وجهة نظر الأشخاص الذين خططوا لدخول مكاتب “ووترغيت”.

هوارد هانت وغوردون ليدي، رجلان يمتلكان من الحماس للحزب الجمهوري ورؤيته الخاصة للولايات المتحدة أكثر من الذكاء والحصافة، يتصرفان بشكل كوميدي يوحي بأن إدارة الرئيس نيكسون عبارة عن مجموعة من محدودي الذكاء المهووسين.

والمهمة الأولى لكل من هانت وليدي وقف تسريب الأخبار والبيانات عن الحكومة الأميركية للصحافة، لذلك سميا مكتبهما بـ”سباكي البيت الأبيض”، وهو مسمى يوضح مدى وجهة النظر الهزلية التي يتبناها المسلسل.

مسلسل “سباكو البيت الأبيض” يحاول النظر للحادثة الشهيرة من حيث موقف رجال البيت الأبيض في ذلك الوقت، الذين حاولوا حماية رئيسهم ضد التغيرات السياسية الكبيرة آنذاك، وهزائم حرب فيتنام المتتالية وتصاعد الغضب الشعبي ضده.

من وجهة نظر نيكسون ورجاله كان الغرض هو حماية مكتسباتهم السياسية والدولة التي يؤمنون بها، حتى لو اضطروا لخرق القوانين والتخلي عن النزاهة وأهم قواعد الديمقراطية الأميركية.

ولكن للقيام بذلك وضع العمل أبطاله في هيئة اثنين من الحمقى الراديكاليين الذين تورطوا في أمر أودى بهم وبرئيسهم إلى أسفل سافلين، ولم تكن الخُطَّة سياسية محكمة، ما يسطح من الأزمة ويجعلها هزلية أكثر من اللازم.

 

أين النقد السياسي العربي؟

هل خلا التاريخ العربي من أحداث مثيرة مثل “ووترغيت” يمكن تحويل قصصها إلى عشرات المسلسلات والأفلام؟ الإجابة بالتأكيد لا، فلكل بلد بطبيعة الحال أحداثه ولحظاته الخاصة التي يمكن تسليط الضوء عليها من زوايا مختلفة، والاشتباك معها سواء بالمناصرة أو الهجوم.

أفلام النقد السياسي العربية لها تاريخ طويل يمكن وضع نقطة بدايته مع فيلم “لاشين”، الذي تم إنتاجه عام 1938، من تأليف أحمد بدر خان وإخراج فريتز كرامب، وهو أول فيلم مصري يتم منعه من العرض لأسباب سياسية.

فقد دارت أحداثه حول الفساد في إحدى الدول القديمة، وحارب بطله من أجل مصلحة الشعب والتخلص من الحاكم الظالم، ما عدته بطانة الملك فاروق إشارة واضحة إليه، فلم يتم عرض الفيلم إلا بعد تغيير النهاية التي يتم فيها التخلص من الحاكم، بينما بعد أحداث 1952 آمن البعض بأنه نبوءة حقيقية بما حدث بعد 14 عاما من عرضه الأول.

توالت الأعمال بعد “لاشين”، سواء في السينما أو في المسلسلات التلفزيونية التي وجهت عين النقد إلى الفساد السياسي، ومن أشهر المسلسلات الحديثة التي يمكن اعتبارها تنتمي إلى هذا النوع، مسلسل “موجة حارة”، الذي أخرجه محمد ياسين، والمقتبس من رواية أسامة أنور عكاشة “منخفض الهند الموسمي”.

يجب هنا عدم الخلط بين أعمال فنية تفكك أحداثا سياسية قديمة وتعيد قراءتها وتحليلها، وأعمال أخرى تتخذ من الفن وسيلة لإعلاء أيديولوجية أو اتجاه قومي معين، فلا يمكن وضع فيلم “لاشين” في نفس القائمة مع “رد قلبي”، أو مسلسل مثل “موجة حارة”، ولا يمكن مقارنته مع “رأفت الهجان” أو “دموع في عيون وقحة”.

وما نفتقده في الوقت الحالي هو الأمثلة الأولى، الأفلام والمسلسلات التي تنظر للتاريخ بجرأة وتأخذ منه أحداثا تسلط عليها ضوءا يعين ليس فقط على قراءة الماضي بل الحاضر والمستقبل أيضا.

مسلسل “سباكو البيت الأبيض” يأخذ المشاهد ليضعه في موضع اثنين من الشخصيات التي لا يمكن أن تتبنى وجهة نظرها بسهولة، ولكن يجعلنا نفكر لماذا اتخذوا هذه القرارات الخرقاء، ونطرح أسئلة صالحة لكل زمان مثل “هل يمكن أن تعمي الأيديولوجية العيون لهذه الدرجة؟”، ونأمل أن نرى أعمالا عربية مشابهة، تخلط النقد السياسي بالكوميديا، وتطرح زوايا غير مطروقة على أحداث منسية.




اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post يدافع المدافعون عن القاضي توماس عن قضية إصلاح أخلاقيات المحكمة العليا
Next post مساحيق البروتين: فوائدها وأنواعها وما يجب أن تعرفه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading