في الجزء الذي يُعد هو الأكثر قدسية وروحانية ضمن مراسم تتويج ملك بريطانيا الجديد، من المُنتظر أن يتم مسح الملك تشارلز الثالث بزيت مقدس تم جلبه خصيصا من مدينة القدس لهذا الغرض، حيث يتم به إتمام تنصيب حاكم المملكة رسميا في تقليد يمتد لمئات السنين.
فما قصة هذا الزيت، وما أهميته وجدواه بالنسبة للمراسم؟
تقليد مسح ملك بريطانيا بالزيت المقدس
الجزء “الأكثر قداسة” في التتويج، وفقًا لموقع “رويال كولكشن تراست” (Royal Collection Trust) البريطاني، هو ما يُسمى بـ”المسحة المباركة” على الملك بالزيت المقدس.
فعلى الرغم من أن التتويج يُنظر إليه على أنه لحظة عظيمة من الاحتفالات الوطنية والطقوس التاريخية، إلا أن هناك عنصراً دينياً قوياً في المُعادلة.
إذ تم اقتباس تقليد مسح الملك بالزيت من مراسم التعميد أو الكهنوت والأوامر الدينية في المسيحية، وخلاله يتم لمس الملك رمزياً بـ”زيت مقدس” بمزيج معين، وذلك على منطقة الجبين والصدر واليدين.
أهمية الزيت وعلاقته بمدينة القدس
على الرغم من أن الوصفة الجديدة تختلف عما كانت عليه الخلطة في الممارسة التي تعود إلى عهد الملك تشارلز الأول في النصف الأول من القرن السابع عشر، إلا أن تشارلز الثالث قرر أن يحظى بمراسم التقليد الرسمي كاملة خلفا لأسلافه وتكريما لهم.
ويأتي تقليد المسح بالزيت المقدس الذي يتم جلبه خصيصا من القدس، من نصوص “سِفر الخروج” في الكتاب المقدس. فقد تم تركيب الزيت من قبل بطريرك القدس ورئيس الأساقفة الأنجليكاني في القدس، في كنيسة القيامة، التي بنيت في الموقع حيث يُعتقد أن المسيح عليه السلام مات ودُفن.
لذلك يُعد المسح بالزيت لحظة مقدسة للغاية ضمن المراسم، لدرجة أنه لم يُسمح لكاميرات التلفزيون بتصويرها عام 1953 أثناء تتويج إليزابيث، كما أن هناك تكهنات حول ما إذا كانت المسحة ستُعرض على التلفزيون أثناء تتويج الملك تشارلز الثالث أم لا.
قيمة عائلية بالنسبة للملك البريطاني الجديد
يملك التقليد رمزية عائلية للملك تشارلز الثالث أيضا علاوة على القيمة الدينية؛ إذ تعود القصة للأميرة أليس، أميرة باتنبرغ التي كانت متزوجة من الأمير أندرو، أمير اليونان والدنمارك، وكان لهما 5 أطفال، بينهم الأمير فيليب، الذي أصبح زوج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
وبحسب صحف بريطانية، بعد التغلب على مآسي العيش في المنفى والمرض العقلي والانفصال والترمل، أسست الأميرة في النهاية مجموعتها الخاصة من الراهبات في اليونان، قبل أن تتمكن من عيش سنواتها الأخيرة في قصر باكنغهام حتى وفاتها عام 1969.
كانت أمنيتها الأخيرة أن تُدفن في دير القديسة مريم المجدلية على جبل الزيتون بالقدس، بجوار قبر خالتها الروسية الدوقة الكبرى إليزابيث فيودوروفنا، حفيدة الملكة فيكتوريا التي اغتالها البلاشفة في سيبيريا عام 1918.
كان تحقيق أمنيتها النهائية محفوفا بالمسائل السياسية والدبلوماسية والأمنية. لذا لم يتم نقل جثمان الأميرة أليس من سرداب قلعة وندسور الملكية إلى الكنيسة المحاطة ببساتين الزيتون في القدس إلا بحلول عام 1988.
تغيير وصفة الزيت لكي تناسب العصر الجديد
في العادة، كان يتم تحضير الزيت المقدس من خليط تقليدي من التوابل والزيوت العطرية النباتية والحيوانية. وفي هذه المرة تم استخلاص الزيت باستخدام الزيتون المقطوف من بساتين جبل الزيتون حول دير الصعود، وكنيسة مريم المجدلية، وهو مكان دفن جدة تشارلز، الأميرة أليس اليونانية.
ووفقا لتقرير بوكالة “رويترز”، فقد تم تعطير الزيت بالسمسم والورد والياسمين والقرفة والجاوي وزهر البرتقال، بينما في السابق، احتوى زيت الدهن المستخدم في مراسم التتويج على غدد قط الزباد، والعنبر المستخرج من بطانة معدة الحوت إضافة لإفرازات غزال المسك.
ويعود سبب هذا التغيير لرغبة العائلة البريطانية المالكة بأن تتجنب الصراع مع منظمات حقوق الحيوان. لكن بالرغم من هذه المحاولة، لا تزال مراسم التتويج الملكي “معادية للحيوانات”، إذ يتم تصميم العديد من الرداءات والحلي الملكية من كميات كبيرة من فرو الحيوانات.
ومن المفترض أن يكون تم نقل الزيت وشحنه إلى العاصمة البريطانية لندن بشكل سري قبل يوم التتويج في 6 مايو/أيار، وهناك قام رئيس أساقفة كانتربري، الذي سيشرف على مراسم التنصيب، بمباركته.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.