يعاني أكثر من مليار شخص في أرجاء العالم من السمنة (650 مليون بالغ و340 مليون مراهق و39 مليون طفل). وهذا الرقم يتزايد يوما بعد يوم. وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2025، سيصبح نحو 167 مليون شخص -بالغين وأطفالا- أقل صحة بسبب زيادة الوزن أو السمنة.
والمفارقة أنه كلما ازداد الناس بدانة زاد خوفهم منها. والخوف من السمنة أو البدانة، أو ما يُعرَف علميا بـ”رهاب السمنة” (Obesophobia)، مشكلة يعاني منها كثير من البشر، ولا سيما النساء، وتحديدا الفتيات في مقتبل العمر.
وهي مشكلة معقدة ترتبط ارتباطا وثيقا باضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية أو العكس، أي زيادة الشهية بشكل مبالغ فيه، وهو ما يعرف بـ “الشره المرضي” (bulimia)، فضلا عن النظرة الاجتماعية إلى البدناء، التي قد تجعل من حياتهم جحيما لا يُطاق.
ذعر حقيقي يصيب النساء والفتيات
والأمر يتعدى الخوف، إذ إن السياق الاجتماعي والثقافي الحديث برمته يرفض “البدانة”، وخصوصا في عالم يربط الجمال بالرشاقة والنحافة، فالسمنة أكثر من مجرد زيادة لبضعة كيلوغرامات من الدهون، إنها ذعر حقيقي يصيب النساء والفتيات، ويمنعهن من الأكل وممارسة حياتهن الطبيعية في كثير من الأحيان، وفق ما ذكرت مجلة “وومن ماغازين” (woman magazine) في تقرير لها أخيرا.
كما يمكن أن يعاني الأشخاص المصابون برهاب السمنة من تداعيات أشد خطورة، مثل اضطراب “الوسواس القهري”، إذ إن الرفض الاجتماعي الذي يحيط بالأشخاص البدناء يطور لديهم خوفا غير منطقي من زيادة الوزن. ولذلك يميلون إلى العزلة، ورفض المشاركة في المناسبات الاجتماعية المقترنة بالطعام، مثل الحفلات والأعراس، مما يؤدي إلى الانطوائية والانعزال والبعد عن المجتمع.
ومن الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين يعانون من رهاب السمنة في العالم، إذ يحتفظ كثير من الناس بهذا الخوف لأنفسهم، أو قد لا يدركون أنهم مصابون به. وقدرت الدراسات أن نحو 1 من كل 10 بالغين في أميركا وحدها يعانون من رهاب السمنة، وأن 1 من كل 5 مراهقين في العالم يعانون من أحد أنواع الرهاب في مرحلة ما من حياتهم.
ويُعد رهاب السمنة أكثر شيوعا بين الفتيات المراهقات، ولكنه يمكن أن يحدث للرجال أو النساء من الطفولة إلى البلوغ، بحسب ما ذكرت منصة “كليفلاند كلينك” (clevelandclinic.org) في تقرير لها اخيرا.
ما أسباب رهاب السمنة؟
لا يوجد سبب واحد محدد لرهاب السمنة، ولكنه قد يرجع إلى عدة عوامل، وفق منصة “هيليث لاين” (health line)، لعل من أبرزها:
وصمة الوزن (Weight stigma)
وهي الحكم على الأشخاص بناء على وزنهم. وهذا جزء مهم من المجتمعات المدنية الحديثة، التي غالبا ما تمتدح النحافة وتعلي من شأنها، وتنتقص من شأن الأشخاص البدناء أو ذوي الوزن الزائد.
السعي نحو الكمال (Perfectionism)
قد يكون السعي إلى الكمال مرتبطا بعوامل بيئية واجتماعية وعائلية. وهناك أشخاص لديهم ميل وراثي نحو الكمال. وفي ثقافة تجعل النحافة هدفا، يتم تصوير زيادة الوزن على أنها عيب، ويمكن أن يسبب هذا رهاب السمنة، خصوصا عند أولئك الذين لديهم رغبة قوية في الكمال.
اضطراب القلق الاجتماعي (social anxiety disorder)
قد ينشأ رهاب السمنة من “اضطراب القلق الاجتماعي”، الذي ينطوي على الخوف من الرفض الاجتماعي لأسباب مختلفة، ومنها الخوف من زيادة الوزن. ولهذا يُصاب كثير من الأشخاص -ولا سيما النساء- الذين يعانون من هذا النوع من الاضطراب برهاب السمنة.
الخبرات الشخصية (Personal experiences)
يمكن أن يكون رهاب السمنة ناتجا عن تجارب وخبرات شخصية سابقة. مثلا، إذا تعرضت للمضايقة بسبب وزنك أو مظهرك، فيمكنك ربط زيادة الوزن بالنظرة السلبية للناس تجاهك. وهذا يمكن أن يجعل الكثير من الأشخاص يخافون من زيادة الوزن.
أعراض وعواقب رهاب السمنة
قد يعاني الشخص المصاب برهاب السمنة من أعراض جسدية تتمثل بالقلق والتوتر، وحتى الذعر، عندما يفكر بزيادة وزنه، بحسب منصة “كليفلاند كلينك”. ومن أبرز الأعراض التي قد تحدث لدى هؤلاء الأشخاص:
- القشعريرة.
- الدوخة.
- الدوار.
- التعرق المفرط.
- خفقان القلب.
- الغثيان.
- ضيق التنفس.
- اضطراب في المعدة أو عسر الهضم.
ويتجلى رهاب السمنة في الخوف غير المنطقي والمفرط من الأشخاص البدناء، وكذلك من زيادة الوزن. وقد تكون العواقب أخطر من الأعراض نفسها، إذ تتراوح عواقب رهاب السمنة من العزلة الاجتماعية والاكتئاب، ناهيك عن اضطرابات الأكل التي يمكن أن تسبب مشكلات صحية جسدية وعقلية لا حصر لها، وفق مجلة “وومن ماغازين” (woman magazine).
كيف تتعاملين مع رهاب السمنة؟
لا يوجد علاج معين لرهاب السمنة، ولكن عليكِ أن تعرفي أن ما يحدد نظرة الناس إليك ليس شكلك الخارجي أو عدد الكيلوغرامات في جسدك، بل طريقة نظرتكِ إلى نفسكِ أولا، واحترامكِ لها، ومن ثم طريقة تعاملك مع الناس. وهذا يعني أن روحك وعقلك وقلبك أهم بكثير من وزنك أو مظهرك الخارجي.
وقد يكون من المفيد جدا لكِ ممارسة تقنيات إدارة القلق، مثل:
- تمارين التنفس العميق.
- تمارين استرخاء العضلات.
- ممارسة التأمل
- ممارسة اليوغا.
فهذه كلها ستساعدك على إدارة التوتر والتعامل مع مخاوفك الخاصة من زيادة وزنك.
أما إذا كانت الحالة مرضية أكثر، فإن “العلاج السلوكي المعرفي” بمساعدة خبير متخصص قد يكون الحل المناسب لك، بحسب تقرير منصة “كليفلاند كلينك” المذكور آنفا.
والعلاج السلوكي المعرفي هو علاج نفسي منظم قادر على مساعدة الأشخاص في فهم أفكارهم ومخاوفهم وعواطفهم والتحكم بها. كما يساعد في التخلص من الأفكار السلبية المتعلقة بزيادة الوزن. وبمرور الوقت، سيتمكن الأشخاص الذين يعانون من رهاب السمنة من تغيير مشاعرهم وسلوكياتهم المرتبطة بالطعام والشراب والتمارين الرياضية والوزن.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.