بغداد– أصدر صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، بيانا وصفه مراقبون بـ “المتشائم” حيال الاقتصاد العراقي، وعرض البيان الأسباب التي أدت ببعض خبراء صندوق النقد للاعتقاد بأن نمو الاقتصاد العراقي ليس بالحالة المثالية.
وكذلك اعتقادهم أن الاقتصاد العراقي يتجه نحو التباطؤ لأسباب عديدة، أهمها تراجع صادرات النفط واعتماد البلاد المفرط على المبيعات النفطية وعجز الموازنة المتوقع واستمرار تذبذب العملة.
وبالتزامن مع ذلك، توقع البنك الدولي أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 1.1% خلال العام الجاري، جاء ذلك في أحدث بيانات أطلقها البنك الدولي شملت غالبية دول العالم ومنها العراق.
وأشار البنك إلى أن تباطؤ الاقتصاد العراقي جاء بعد ارتفاع بنسبة 1.6% عام 2021، و7% عام 2022، في الوقت الذي سجل فيه النمو بالبلاد تراجعا بنسبة 12% عام 2020 خلال ذورة جائحة كورونا.
محددات النقد الدولي
وكان عدد من خبراء الصندوق قد اجتمعوا مع مسؤولين عراقيين في الأردن من 24 إلى 31 مايو/أيار الماضي للتباحث مع السلطات العراقية حول التطورات الاقتصادية الأخيرة والتوقعات وكذلك خطط السياسة العامة لاقتصاد البلاد في الفترة المقبلة.
وبعيد الاجتماع، أكد الخبراء في بيان مفصل أن “زخم نمو الاقتصاد العراقي شهد تباطؤا في الأشهر الأخيرة، بعد تعافي العراق في العام الماضي والوصول إلى وضع ما قبل جائحة كورونا”.
وأضاف البيان أنه “من المقرر أن يتقلص إنتاج النفط بنسبة 5% في عام 2023 بسبب خفض إنتاج مجموعة (أوبك+) فضلا عن توقف خط أنابيب نفط كركوك-جيهان التركي، إضافة إلى تقلبات سوق الصرف الأجنبي في البلاد عقب تشديد البنك المركزي العراقي الرقابة على مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بما أثر سلبا على مبيعات العملات الأجنبية”.
ويوضح بيان الصندوق أن التقديرات تشير إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي للعراق قد تقلص بنسبة 9% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2022، مما يلغي النمو المتحقق في الفصول الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مبينا أنه من المتوقع أن يستأنف الناتج المحلي الإجمالي نموه الحقيقي غير النفطي ويصل إلى 3.7% في العام الجاري.
ويبرر خبراء صندوق النقد الدولي نظرتهم “التشاؤمية” انطلاقا من أن الظروف المواتية لسوق النفط كانت قد دعمت الوضع المالي والخارجي للعراق، بيد أن ما وصفوه بـ “الاختلالات الهيكلية” استمرت في الاتساع.
ونبه الخبراء إلى أنه في عام 2022، وصلت فوائض الحساب الجاري في المالية العامة والخارجية إلى 7.6% و17.3% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، وذلك على خلفية عائدات النفط القياسية، مع ارتفاع احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي.
غير أنه وفي الوقت ذاته، أدى التوسع المالي الكبير لتوسيع العجز الأولي غير النفطي من 52% إلى أكثر من 68% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي خلال العام الماضي كذلك.
توضيح رسمي
من جانبه، يقر المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح ببعض الصعوبات المالية التي تواجه العراق منذ عقود، مشيرا إلى أن هناك هيمنة تاريخية للريع النفطي في مكونات موارد الموازنة العامة السنوية في العراق منذ خمسينيات القرن الماضي.
وأوضح صالح أن “عوائد النفط لا تزال تشكل قرابة 91% من إجمالي الإيرادات الفعلية السنوية في الموازنات الحكومية مقابل 9% للإيرادات غير النفطية، والسبب يعود إلى غلبة الاقتصاد الأحادي النفطي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للعراق، في حين نجد أن تأثيرات إنفاق العوائد النفطية على دورة الحياة الاقتصادية تمتد لأكثر من 85% من فاعلية النشاط الاقتصادي الكلي والعام في العراق”.
وعما أشار إليه خبراء النقد الدولي حول وضع الاقتصاد العراقي وتباطؤ نموه، يجيب صالح -في حديثه للجزيرة نت- بالقول “مع الحرص على تطبيق البرنامج الحكومي الحالي، يقتضي هدفنا خفض مساهمة عوائد النفط في إيرادات الموازنة العامة خلال السنوات الثلاث المقبلة لتصبح 80% بدلا من 90% أو أكثر، وهو ما يعني فعليا رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية لبلوغ أهدافها في النمو المحدد سنويا في الموازنات العامة 2023- 2025”.
الرأي الاقتصادي
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية ببغداد عبد الرحمن المشهداني أن تقارير صندوق النقد الدولي تعد استرشادية وتقدم خبرات خيرة الباحثين الاقتصاديين على مستوى العالم، نظرا لما يمتلكه صندوق النقد من نظم إحصائية معتمدة في إعداد الدراسات، مبينا أن بيان النقد الدولي اعتمد على معايير أساسية لتقييم الاقتصاد العراقي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح المشهداني أن التقرير كان متوقعا بسبب أن النمو في العراق يعتمد على النفط، وأشار إلى أن تقرير صندوق النقد الدولي العام الماضي كان متفائلا جدا، وحقق العراق حينها أعلى معدل نمو بسبب ارتفاع صادرات وأسعار النفط.
وأضاف “حذرنا العام الماضي من أن تقارير النقد الدولي المتفائلة كانت قاصرة عن الفهم الحقيقي للاقتصاد، اعتمدت على النفط فقط وليس على الاقتصاد الحقيقي، صحيح أن العراق حقق نموا كبيرا العام الماضي لكن نفطيا فقط”.
وبيّن المشهداني أن تراجع وتقلبات أسعار النفط مع توقف خط تصدير النفط عبر إقليم كردستان إلى تركيا وتعطيل تصدير قرابة 400 ألف برميل يوميا، أدى لخفض معدلات النمو في البلاد لهذا العام، مشيرا إلى أن الحلول المقترحة من (أوبك+) وتقليص تصدير العراق للنفط بمعدل 221 ألف برميل سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد الكلي للبلاد يمتد حتى نهاية عام 2024، وفق قوله.
ومن السلبيات التي أثرت في تقرير نمو الاقتصاد، بحسب المشهداني، تأخر إقرار الموازنة بعد مضي قرابة 6 أشهر من العام الجاري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العام الماضي لم تكن فيه موازنة مالية عامة في البلاد، مما تسبب بتعطيل حركة الاستثمار والمشاريع الحكومية التي كانت ستسهم في تعزيز ونشاط الاقتصاد والقطاع الخاص.
واختتم المشهداني أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الموازنة العامة التي من المقرر أن تقر قريبا اعتمدت على تسعير برميل النفط بـ70 دولارا للبرميل، وهو ما سيضع الحكومة العراقية في مشكلة حقيقية لتأمين الأموال إذا ما انخفضت أسعار النفط عالميا، مع الأخذ بالاعتبار أن النفقات التشغيلية للحكومة تبلغ 130 تريليون دينار سنويا (قرابة 99 مليار دولار)، وفق قوله.
ويرى المشهداني أنه لا بد على الحكومة أن تعيد النظر بتكلفة أجور الموظفين العموميين التي ترهق الموازنة العامة للبلاد، الأمر الذي نبه إليه أيضا خبراء صندوق النقد الدولي، لا سيما أن التعيينات الأخيرة لمئات آلاف الموظفين زادت من النفقات التشغيلية للحكومة لأرقام قياسية كبّلت المالية العامة للبلاد، وباتت تخصيصات الرواتب العمومية تشكل ثلثي قيمة الرواتب الكلية في البلاد.
ويذهب في هذا المنحى الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي الذي أشار إلى أن بيان صندوق النقد الدولي يكشف هشاشة الاقتصاد العراقي المرتبط بالنفط، حيث ترتفع وتنخفض مؤشرات النمو نتيجة التقلبات في أسعار سوق النفط وكذلك معدلات الإنتاج السنوية، مشيرا إلى الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد فيما يتعلق بالإدارة المالية العامة واتساعها، نتيجة السياسات الأخيرة للحكومة في توسيع الإنفاق العام، خاصة ما يتعلق بالإنفاق التشغيلي وزيادة التوظيف في القطاع العام.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح التميمي أن قدرة بقية القطاعات الاقتصادية غير الحكومية على النمو ترتبط بالظروف الأخيرة التي تعرضت لها الأسواق العراقية نتيجة القيود المفروضة على تحويل العملات الأجنبية في جهود مكافحة غسيل الأموال وتهريبها، وهو ما يوجب على الحكومة مزيدا من الإجراءات لتطوير القطاع الخاص في البلاد.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.