وادي حلفا – السفر إلى المعبر، وتجارة العملة، وبيع أسرّة النوم.. مهن دُفع إليها مئات النازحين إلى مدينة وادي حلفا لتأمين احتياجاتهم بعد هروبهم من الحرب الدائرة في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
فمع اشتداد الحرب ونزوح الآلاف إلى شمالي البلاد بحثا عن مكان آمن أو رغبة في المغادرة نحو مصر، دفعت الظروف الاقتصادية المئات إلى البحث عن عمل يضمن لهم العيش الكريم، ورغم تأثير الحرب على اقتصاد البلاد، فإن مهنا جديدة صارت رائجة، رغم أن المدينة لم تشهدها قط بهذه الكثافة.
فعلى طول الطريق الرئيسي للسوق بمدينة وادي حلفا، يردد العشرات من سائقي السيارات الصغيرة سعة 4 ركاب دون توقف كلمة “معبر معبر معبر”، لأخذ الراغبين في السفر إلى المعبر الحدودي الفاصل مع مصر.
وبعد أن فقد أصحاب تلك السيارات وظائفهم وأعمالهم بسبب الحرب، تحولوا إلى العمل بسياراتهم في مجال الأجرة من داخل المدينة إلى المعبر الرابط بين السودان ومصر، والذي يبعد حوالي 8 كيلومترات من سوق المدينة.
زيادة ملحوظة
محمد صالح واحد من أصحاب تلك السيارات، وهو من أبناء المدينة، ويعمل في هذا المجال منذ سنوات قليلة، وينقل الركاب بين المدينة ومعبر أشكيت، يقول للجزيرة نت إن عدد الرحلات التي يقوم بها بين السوق والمعبر خلال اليوم زادت منذ بداية الأزمة بشكل ملحوظ، إلا أنها ما لبثت أن انخفضت بسبب دخول العديد من السيارات في مجال نقل الركاب.
وأشار صالح إلى أن عددا من أصحاب السيارات الخاصة، لاسيما الشباب الذين وصلوا إلى المدينة من ولايات أخرى، انخرطوا في نقل الركاب لأسباب عديدة، منها عدم حصولهم على تأشيرة دخول إلى مصر، أو انتهاء مدخراتهم المالية في المدينة بسبب غلاء الأسعار وطول مدة البقاء.
وحرص المئات من سكان الخرطوم من مالكي السيارات الصغيرة عقب اشتداد المعارك فيها على الخروج بسياراتهم مخافة نهبها جراء الانفلات الأمني، إذ تشير التقارير الصحفية بالخرطوم إلى تعرض مئات السيارات الخاصة للنهب بواسطة أفراد من قوات الدعم السريع أو العصابات المسلحة التي انتشرت عقب تفجر الأوضاع.
ويضيف صالح أن العمل في مجال نقل الركاب من السوق إلى المعبر ازدهر بصورة ملحوظة خلال الآونة الأخيرة، مشيرا إلى أن غالبية الزبائن من النساء وكبار السن، وهي فئات لا تواجهها عقبات للحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، وقد كان غالبية الزبائن قبل الحرب من التجار الذين يتابعون خروج بضائعهم من المعبر.
سرير الدهابة
ولم تكن مهنة النقل هي الوحيدة التي راجت في ظل الظروف التي يمر بها السودان حاليا، فمنذ تدفق الآلاف إلى وادي حلفا، انتشرت أيضا المهن المرتبطة بالتكدس السكاني، حيث أدت محدودية الفنادق بالمدينة والتي اكتظت بصورة غير مسبوقة إلى انتشار تجارة تأجير أسرّة النوم، والتي توزعت في كافة الشوارع والطرقات وسط المدينة لاسيما أماكن توقف الحافلات القادمة للمدينة.
واتجه العشرات للعمل في مجال تأجير الأسرّة للمواطنين من خارج وادي حلفا، حيث يتراوح سعر إيجار السرير لليلة الواحدة ما بين 1500 و2000 جنيه (الدولار يساوي 600 جنيه سوداني)، ويطلق عليه اسم “الدهابة”، وهو عبارة عن سرير محلي الصنع من الحديد ومنسوج بحبال عريضة لا يحتاج معها الشخص لفراش عليه، وجاء الاسم لاستخدامه من قبل عمال التعدين الذين ينتشرون في الولاية الشمالية منذ سنوات.
يقول عثمان آدم، الذي يعمل بوادي حلفا في التجارة منذ سنوات قليلة، إنه اتجه كغيره من صغار التجار إلى العمل في إيجار الأسرّة للوافدين إلى المدينة، إذ يتراوح دخله اليومي من إيجار الأسرة ما بين 30 ألفا و40 ألف جنيه، مشيرا إلى أن عشرات مثله اتجهوا إلى هذه التجارة خلال أزمة وصول الفارين للمدينة.
تجارة العملة
وفيما يعج سوق مدينة وادي حلفا بالآلاف يوميا، اصطف عدد غير قليل من العاملين في مجال تجارة استبدال العملات في سوق المدينة، والذين اتخذوا من موقف الحافلات مقرا لممارسة تجارتهم في العلن وأمام الجميع دون الحاجة إلى التخفي من سلطات الأمن الاقتصادي.
ويضع أولئك التجار “رزم الأوراق النقدية” من مختلف العملات أمامهم على مناضد صغيرة بانتظار القادمين من خارج المدينة والراغبين في السفر، من أجل استبدال عملتهم المحلية (الجنيه السوداني) أو الدولار الأميركي وأخذ العملة المصرية (الجنيه المصري).
ويجلس عثمان خليل، الذي تحدث إلى الجزيرة نت، على منضدته بالسوق منذ الخامسة صباحا وحتى الخامسة مساء لاستبدال العملات للراغبين، قائلا إن أسعار العملات غير ثابتة وتتغير بحسب المعبر وحركة الدخول والخروج، مشيرا إلى أن حركة التداول والاستبدال اليومية زادت بمعدلات كبيرة ومبالغ أكبر من التي كانت قبل فترة الحرب.
وأوضح أن استبدال العملات في السابق لم يتجاوز 150 شخصا في اليوم، أما الآن فقد بلغ عدد الراغبين في تغيير العملات أكثر من 400 شخص خلال اليوم.
وأوضح خليل أن سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في مدينة وادي حلفا أقل ثمنا منه داخل الدولة المصرية، إذ يتراوح سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بوادي حلفا ما بين 30 و32 جنيها، في حين يتراوح بالجانب الآخر من الحدود ما بين 35 و39 جنيها بالسوق الموازي.
ويكشف خليل أن عددا من العاملين في مجال استبدال العملات بالخرطوم دخلوا في المجال بوادي حلفا بسبب نزوحهم إلى المدينة عقب الأحداث الأمنية في الخرطوم.
مواصلات داخلية
وكما يقول المتنبي “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فإن مصيبة الحرب الدائرة بالخرطوم، والتي شردت الآلاف من منازلهم وجعلتهم نازحين ولاجئين عن ديارهم في مدن وولايات مختلفة، أفادت آخرين، حيث نشطت وسائل النقل الصغيرة التي تستخدم في نقل البضائع وتسمى محليا بـ”التكتوك”، وهي وسيلة نقل صغيرة تجرها دراجة نارية.
وقد تحول التكتوك من نقل البضائع إلى مواصلات داخلية بالمدينة، حيث تنقل الشباب ما بين السوق والقنصلية المصرية ذهابا وعودة، فضلا عن عملها بين السوق والأحياء المختلفة بالمدينة، ويدفع الراكب الواحد 500 جنيه، رغم أن المسافة قريبة نسبيا بين القنصلية والسوق الرئيسي.
ويقول الشاب عمر حسين، الذي يعمل سائقا للتكتوك يملكه والده خلال العطلة المدرسية، إن الأزمة الحالية وتكدس الآلاف بوادي حلفا خلقا سوقا رائجا للمواصلات من هذا النوع، إذ إن دخله اليومي منذ نهاية أبريل/نيسان الماضي يبلغ 3 إلى 4 أضعاف ما كان يجنيه قبل الأزمة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.