يعد الكلام البشري واللغة من أصعب القدرات الحركية والإدراكية التي يقوم بها البشر، غير أن الآليات الخلوية التي تقف وراء هذا الأمر لا تزال غير واضحة.
يرتبط جين “فوكس بي 2″ (Foxp2) باضطراب اختلال النطق، أو ما يعرف بـ”تعذر الأداء” (Apraxia).
ومؤخرا، كشفت دراسة بحثية -نشرت في دورية “برين” (Brain) في الرابع من مايو/أيار الجاري- عن كيفية تحكم هذا الجين في قدرة الإنسان على الكلام.
وأشارت الدراسة -التي أجريت على الفئران- إلى أن طفرات جين “فوكس بي 2” تشوه من تشكل التفرعات والنهايات العصبية للخلايا الموجودة في جزء الدماغ المعروف باسم الجسم المخطط (Striatum)، الذي يلعب دورا هاما في التحكم بالحركة.
وقد أظهرت الفئران المصابة بطفرات في جين “فوكس بي 2” صعوبة في إصدار الأصوات عالية التردد. ويحدث ذلك لكون تلك الطفرات تمنع تجميع البروتينات الحركية اللازمة لنقل الجزيئات داخل الخلايا.
وفي البيان الصحفي الذي نشره “معهد ماساشوستس للتكنولوجيا” (Massachusetts Institute of Technology)، تقول آن غرايبيل الأستاذة في معهد أبحاث الدماغ بالمعهد ذاته وأحد مؤلفي الدراسة إن “هذا يعد اكتشافا مثيرا، فمن كان يتوقع أن تأتي مشكلة النطق من محركات صغيرة داخل الخلايا؟ لقد عانت الفئران تغيرات صوتية غير طبيعية، مع وجود عديد من الاضطرابات الخلوية في الجسم المخطط”.
التحكم بالكلام
يعاني الأطفال المصابون بتعذر الأداء المرتبط بجين “فوكس بي 2” تأخر النطق مقارنة بغيرهم من الأطفال، وغالبا ما تكون هناك صعوبة في فهم كلامهم. ويُعتقد أن هذا الاضطراب ينشأ من تشوهات في مناطق بالدماغ، مثل الجسم المخطط، تتحكم بدورها في حركات الشفتين والفم واللسان.
ويذكر أن جين “فوكس بي 2” يتم التعبير عنه (مما يعني أنه نشط) في أدمغة الطيور الغنائية، وهو الجين الحاسم لقدرتها على تعلم الغناء. ويمكن لطفرات جين “فوكس بي 2” أن تسهم في اضطرابات طيف التوحد ومرض هنتنغتون.
ويعتبر جين “فوكس بي 2” مسؤولا عن إنتاج بروتينات أخرى تعرف باسم عوامل نسخ الجينات. وبدورها، تقوم عوامل نسخ الجينات بالتحكم في نواتج عديد من الجينات المستهدفة الأخرى، مما يعني أن جين “فوكس بي 2” يؤثر على تعبير عديد من الجينات الأخرى.
ويتم التعبير عن جين “فوكس بي 2” في عديد من الأنواع، غير أن البشر لديهم نسخة خاصة من هذا الجين.
وفي دراسة أجريت عام 2014، وجدت غرايبيل ورفاقها دليلا على أنه عندما زرعت النسخة البشرية من جين “فوكس بي 2” وتم التعبير عنها في الفئران، تحولت الفئران من نمط التعلم الإخباري إلى التعلم الإجرائي، وهو ما سمح بتحويل التجارب الجديدة إلى إجراءات روتينية في الفئران.
تحوّل إلى التعلم الإجرائي
في تلك الدراسة، أظهر الباحثون أن الفئران المهندسة لكي تعبر عن النسخة البشرية من جين “فوكس بي 2” -والتي تختلف عن النسخة الموجودة في الفئران بمقدار قاعدتين فقط من قواعد الحمض النووي لهذا الجين- كانت أفضل بكثير في تعلم المتاهات وأداء مهام أخرى تتطلب تحويل الأفعال المتكررة إلى أعمال روتينية.
كما نمت في الفئران -المعدلة بالنسخة البشرية من الجين- تفرعات عصبية أطول، وهي نهايات رفيعة تساعد الخلايا العصبية على تكوين التشابكات العصبية بين الخلايا الموجودة في الجسم المخطط.
وفي الدراسة الجديدة، أراد الباحثون استكشاف كيف تؤثر طفرة جين “فوكس بي 2” على إنتاج الكلام، مستخدمين الأصوات التي تنتجها الفئران كمؤشر يحاكي الكلام في البشر.
وأشارت الدراسة الحديثة إلى أن تلك الطفرة أثرت على البروتينات الحركية، وهي مجموعة من البروتينات الكبيرة المعروفة باسم مركبات الداينين (Dynein protein complex) التي تكون مسؤولة عن نقل الجزيئات الحيوية داخل الخلايا.
تأثير على البروتينات الحركية
ومن بين البروتينات الجوهرية التي أثرت عليها هذه الطفرة كان بروتين “دايناكتين 1” (Dynactin1). ووجدت الدراسة أن تلك الطفرة أثرت على التحكم في إنتاج هذا البروتين، مما أدى إلى إنتاج كثير منه، ومن ثم أعاق بروتينات الداينين الحركية عن إتمام مهامها كناقلات للجزيئات الحيوية داخل الخلية.
ويعتبر نقل تلك الجزيئات الحيوية داخل الخلايا أمرا ضروريا لنمو التفرعات العصبية التي تُكوِّن التشابكات العصبية بين الخلايا، وهو ما يتيح في الأخير للخلايا العصبية التواصل مع بعضها بعضا. ومن ثم، فإن إعاقة هذه العملية ثبطت من تكوّن التشابكات العصبية اللازمة لنقل الإشارات الكهربية بين الخلايا العصبية في الدماغ.
وقد عانت الفئران، التي تحتوي على نسخة الجين الطافرة، اضطرابات في أصواتها، والتي عادة ما يبلغ ترددها من 22 إلى 50 كيلوهرتزا.
وأشار الباحثون إلى إمكانية إصلاح هذه الاضطرابات الصوتية بخفض التعبير الجيني المسؤول عن إنتاج بروتين “دايناكتين 1”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.