خزان غير متوقع من صخور الغرانيت على القمر يكشف عن نشاط بركاني قديم | علوم


مكنت عملية استكشاف القمر من جمع ثروة من المعلومات كشفت عن تاريخ جيولوجي معقد، يتميز بنشاط بركاني وجيولوجي قديم ما زال غير مفهوم بصفة دقيقة.

كشفت نتائج دراسة علمية حديثة، لأول مرة، عن وجود تشكيل ضخم من الغرانيت بخصائص مشعة تحت سطح القمر، مما يدعم الأدلة على أن القمر كان نشطا جيولوجيا أكثر مما كان يُعتقد سابقا.

ونشرت نتائج الدراسة في الخامس من يوليو/تموز الجاري في دورية “نيتشر” (Nature) العلمية، ويعتقد الباحثون أن هذا الاكتشاف قد يغير من فهمنا للتاريخ الجيولوجي للقمر، ويفتح آفاقا جديدة لاستكشاف الفضاء والبحث عن حياة خارج كوكب الأرض في المستقبل.

شذوذ حراري غير مفهوم

على مدى عقود من الزمن، كان القمر مسرحا لاستكشاف علمي مكثف بدءا من عمليات هبوط “أبولو” المبكرة، وصولا إلى المسابير والمركبات المدارية الحديثة. وقد مكنت عملية الاستكشاف من جمع ثروة من المعلومات كشفت عن تاريخ جيولوجي معقد، يتميز بنشاط بركاني وجيولوجي قديم ما زال غير مفهوم بصفة دقيقة. لكن العلماء يعتقدون أن القمر ميت جيولوجيا في الوقت الحالي ولا تصدر منه أي علامات لنشاط داخلي.

الدراسة الجديدة التي قام بها باحثون من معهد علوم الكواكب في أريزونا (PSI) كشفت عن وجود شذوذ حراري في منطقة كومتون-بيلكوفيتش (Compton-Belkovich) البركانية الموجودة في الجانب الآخر من القمر. هذا الشذوذ، يرفع درجة حرارة هذه المنطقة إلى أكثر من 20 مرة من متوسط الحرارة في المرتفعات القمرية.

تشتهر هذه المنطقة لدى العلماء بكونها نشطة جيولوجيا، مع تركيز عال من عنصر الثوريوم المشع الذي يولد حرارة عندما يتحلل. غير أن كمية الحرارة المنبعثة من المنطقة كانت أكبر بكثير مما كان متوقعا من تحلل الثوريوم وحده.

الدراسة كشفت عن وجود شذوذ حراري في منطقة كومتون-بيلكوفيتش البركانية الموجودة في الجانب الآخر من القمر (شترستوك)

شكل جديد من النشاط البركاني على القمر

لشرح هذا الشذوذ، قام الباحثون بدمج البيانات الحرارية مع أنواع أخرى من البيانات، مثل صور سطح القمر وقياسات التركيب الكيميائي للتربة، وتمكنوا من بناء حجة قوية لوجود شكل جديد من البراكين القمرية.

وأظهرت نتائج تحليل البيانات، وفق بيان نشر على موقع المعهد، أن الشذوذ الحراري يمكن أن يكون ناتجا عن كتلة ضخمة من الصهارة الصلبة المكونة من الغرانيت (تسمى الباثوليت)، تشكلت تحت سطح القمر نتيجة لنشاط بركاني حدث قبل حوالي 3.5 مليارات عام في هذه المنطقة.

ويؤكد الباحثون أن الحرارة التي تم التقاطها بواسطة أجهزة القياس لا تنتج عن حمم منصهرة، لكنها تأتي من العناصر المشعة الموجودة في صخور الصهارة المتصلبة. والنوع الوحيد من الصخور الذي يحتوي على ما يكفي من تلك العناصر المشعة هو الغرانيت.

على الأرض، تعتبر تشكلات الصهارة من هذا النوع شائعة جدا، وتتشكل عندما تتراكم كميات كبيرة من الصهارة في قشرة الأرض وتتصلب ببطء، مما يؤدي إلى تكوين كتل ضخمة من الصخور النارية. لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف الغرانيت على سطح القمر وبحجم غير متوقع، حيث بلغ قطر هذا الخزان الصخري نحو 50 كيلومترا.

Earth's Moon Glowing On Black Background
معظم العلماء اعتقدوا أن القمر ميت جيولوجيًا، مما يعني أنه فقد الحرارة الداخلية اللازمة لتغذية النشاط البركاني (شترستوك)

كيف تتشكل البراكين على القمر؟

ورغم أنه لا يوجد على سطح القمر صفائح تكتونية مثل تلك الموجودة على الأرض وتتسبب في أنشطة وبركانية، فإن الباحثين يعتقدون أن البراكين لها دور رئيسي في تشكيل سطح القمر.

وقد أظهرت دراسات سابقة أن القمر، الذي تشكل على الأرجح إثر اصطدام الأرض بجرم بحجم المريخ قبل 4.5 مليارات عام، كان في الأصل مغطى بمحيط هائل من الصخور المنصهرة على عمق 400 كيلومتر تقريبا.

ولكن نظرا لصغر حجم القمر وعدم وجود غلاف جوي حوله، فقد برد محيط الصهارة بسرعة بعد أن طفت المعادن الأخف على السطح مكونة القشرة الخارجية، وغرقت المعادن الثقيلة مثل الحديد مشكلة الوشاح العلوي للقمر. وقد أدى هذا التمايز بين القشرة والوشاح إلى موجة من النشاط البركاني منذ نحو 3 إلى 4 مليارات سنة.

كانت هذه الانفجارات البركانية قوية جدا لدرجة أنها تمكنت من اختراق القشرة القمرية، مما سمح للحمم البركانية بالانتشار على مساحات واسعة. وقد تجمدت هذه الحمم البركانية بمرور الوقت، لتشكل سهول البازلت الشاسعة التي نراها اليوم. وتوفر هذه البرك تباينا صارخا مع المرتفعات القمرية القديمة، المليئة بالحفر.

القمر كان له دور أساسي في تحديد عدد ساعات اليوم على كوكب الأرض (فري إيمدج)
سطح القمر لا توجد عليه صفائح تكتونية مثل تلك الموجودة على الأرض (فري إيمدج)

هل ما زال القمر نشطا جيولوجيا؟

رغم الأدلة على هذا النشاط البركاني السابق، فإن معظم العلماء اعتقدوا أن القمر ميت جيولوجيا، مما يعني أنه فقد الحرارة الداخلية اللازمة لتغذية النشاط البركاني. لذلك، فإن اكتشاف هذا الشذوذ الحراري يثير احتمال أن تكون البراكين القمرية عملية نشطة وليست ظاهرة تنحصر في التاريخ الجيولوجي القديم، وفق موقع “ترست ماي ساينس” (Trust My Science) العلمي.

وإذا كان النشاط البركاني للقمر ما زال مستمرا، فإن ذلك يثير تساؤلات عن عديد من الافتراضات بشأن تشكل القمر وتطوره وتركيبة بنيته الداخلية. وقد تكون لهذه الملاحظة آثار كبيرة على البحث عن حياة خارج كوكب الأرض.

فوجود نشاط جيولوجي قد يؤدي إلى خلق ظروف مواتية لظهور أشكال معينة من الحياة. كما يمكن للنشاط البركاني أن يطلق مركبات كيميائية ضرورية للحياة أو يوفر الحرارة اللازمة لاستمرار الحياة في البيئات الباردة والمتطرفة.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post تعرف على علامات وأعراض حساسية القطط
Next post جدة تحتضن القمة الأولى لدول مجلس التعاون ودول وسط آسيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading