واشنطنـ منذ بدء الاشتباكات المسلحة يوم 15 أبريل/نيسان الماضي بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فشل الطرفان في الالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار المتكررة التي أسهمت في التوصل إليها كل من السعودية والولايات المتحدة.
ويتهم كل طرف الآخر بانتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار، في وقت تطالب فيه الرياض وواشنطن كلا الطرفين بضرورة الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، كي يتسنى العمل على إيصال المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب السوداني.
وتشير تقديرات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها “إيه سي إل إي دي” (ACLED) إلى مقتل أكثر من 1800 شخص منذ بدء القتال، في حين تقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص نزحوا داخل السودان، بالإضافة إلى 300 ألف لجؤوا إلى دول الجوار.
قدرات من دون مخالب
في حديث للجزيرة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إنهم يراقبون الوضع في السودان عن كثب، وسيبحثون مع الأطراف أي انتهاكات تحدث، مؤكدا أن لديهم إمكانية مراقبة وقف إطلاق النار بالسودان عبر الأقمار الاصطناعية، وسيعتمدون نهج التقدم خطوة بخطوة بشأن الأزمة في السودان بدءا بالهدنة.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال -في وقت سابق- إن واشنطن تمتلك أدوات للتعامل مع انتهاكات وقف إطلاق النار، ولن تتردد في استخدامها، حسب قوله.
واختلف مع هذا التقدير جوشوا ميسيرفي الخبير بمعهد هدسون، الذي تركز أبحاثه على منافسة القوى العظمى في أفريقيا، والجغرافيا السياسية الأفريقية، ومكافحة الإرهاب، وقال إنه من “الصعب جدا رصد انتهاكات وقف إطلاق النار، وربما يتطلب القيام بذلك على نحو فعال وجود فرق ميدانية على الأرض داخل السودان لها القدرة على التحرك بسرعة وحرية”.
وأضاف إلى ضرورة وجود شبكة واسعة من الأشخاص في جميع أنحاء السودان الذين يمكنهم تقديم تقارير دقيقة إلى هذه الفرق، “وهذا بالطبع إلى جانب ضرورة الاستثمار في وسائل المراقبة عن بعد مثل صور الأقمار الصناعية”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ميسيرفي إلى أن “عدم الاستقرار في السودان يجعل من غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة والسعودية من تنفيذ كل عناصر المراقبة الناجحة”.
غموض العواقب
وأشار ميسيرفي إلى أن “إحدى نقاط الضعف في اتفاق وقف إطلاق النار حتى الآن هي أن رعاته لم يشرحوا بوضوح عواقب انتهاك الاتفاق، ومن الناحية النظرية، يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات من شأنها أن تؤذي المقاتلين بعض الشيء، ولكن لن تردعهم”.
وأضاف أنه “لن يكون لحظر التأشيرات تأثير لأن القيادة العليا في السودان لا تسافر إلى الغرب كثيرا، ومن شأن فرض حظر على الأسلحة أن يساعد، ولكن سيكون من المستحيل جعله محكما، كما الضغط الدبلوماسي الموحد من الغرب ودول الخليج المهمة للسودان”.
بدوره، يرى مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن السفير ديفيد شين أن بلاده والسعودية يمكنهما تنظيم (تحالف الراغبين) لمراقبة وقف إطلاق النار أو مطالبة الأمم المتحدة بإنشاء مجموعة من المراقبين.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار السفير شين إلى أنه “يمكن للولايات المتحدة الرد على انتهاكات وقف إطلاق النار بالاستمرار في حجب جميع أنواع المساعدات للأطراف المتنازعة في السودان، واستثناء المساعدات الإنسانية، كما يمكن لواشنطن الضغط على المؤسسات المالية الدولية لمواصلة حجب المساعدات عن حكومة السودان وتشجيع جميع الدول على إنهاء الدعم المالي للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وأضاف أنه يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات على السفر وربما عقوبات مالية على الأفراد المسؤولين عن انتهاكات وقف إطلاق النار، ويمكنها أن تعمل مع بلدان أخرى، وخاصة الدول العربية والأفريقية، من أجل تسمية وفضح المنتهكين عندما يمكن التعرف عليهم.
الوجود الميداني
ويعتقد المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر في كلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش أن الولايات المتحدة تخطط لإشراف دولي متعدد الجنسيات لهُدن وقف القتال بدلا من إدارتها بمفردها.
وقال دي روش للجزيرة نت إن “لدى الولايات المتحدة قدرات تقنية لجمع معلومات استخباراتية لا مثيل لها، وبالنظر إلى أن السودان في الغالب قليل السكان ويقع بالقرب من خط الاستواء (مما يجعل مراقبة الأقمار الصناعية أسهل).
وأضاف أنه “يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بعمل جيد في مراقبة حركة أعداد كبيرة من القوات والمركبات العسكرية، خاصة حول المناطق المتميزة جغرافيا، مثل قاعدة مروي الجوية، أما في المدن، حيث تقاتل قوات الدعم السريع القوات المسلحة السودانية، فإن المهمة أكثر صعوبة”.
واستبعد الخبير العسكري أن “تضع واشنطن مراقبين أميركيين على الأرض داخل السودان، وبدلا من ذلك، ستعتمد الولايات المتحدة على تقارير وسائل الإعلام، ومواطني الدول الأخرى المتواجدين داخل السودان، والمتعاقدين المحليين للإبلاغ عن حالات خرق الهدنة”.
وأكد دي روش أنه “من غير المرجح أن تلعب الولايات المتحدة دورا ميدانيا في الصراع السوداني، ومن غير المرجح أيضا أن تتحرك عسكريا ضد أي من أطراف النزاع، وبدلا من ذلك، سوف تركز على معاقبة المنتهكين من خلال تجميد الأصول في الخارج، وتقييد سفر المسؤولين عن خرق الهدنة، وفرض أنواع أخرى من العقوبات”.
من جانبه، طالب المسؤول السابق بحزب المؤتمر السوداني عبد المنعم عمر إبراهيم -في ورقة نشرها بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى- بضرورة إخضاع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للدرجة نفسها من العقوبات الدولية المنسقة التي تعرضت لها روسيا بعد حربها غير المبررة على أوكرانيا.
وأكد إبراهيم أنه “ما لم يشعر الطرفان بأن مصالحهما المالية في خطر، لن يكونا مستعدين للمشاركة في مناقشات حقيقية”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.