إنسان هايدلبرغنسيس هو نوع أو فرع منقرض من البشر القدماء الذين سكنوا أفريقيا وأوروبا وربما آسيا خلال العصر الحجري الأوسط، منذ 200 إلى 600 ألف عام.
في غابة صنوبر مفتوحة بها قدر قليل من الأعشاب، توجد بحيرة أثرية بطول بضعة كيلومترات وعرض عدة مئات من الأمتار. تتجمع على شواطئها الموحلة قطعان الأفيال ووحيد القرن للشرب أو الاستحمام. ووسط هذا المشهد، تقف عائلة صغيرة من “شعب هايدلبرغنسيس”.
هذا المشهد المُتَصَور نتاج دراسة جديدة سلطت الضوء على البيئة القديمة وسلوك الحيوانات والبشر الذين عاشوا شمال ألمانيا منذ حوالي 300 ألف عام، والتي تعد أول بحث مفصل عن آثار الأقدام الأحفورية في تلك المنطقة، وتوضح أيضا الإمكانات التكميلية لعلم الآثار الحيوية في إعادة بناء صورة أثرية وبيئية موثوقة لمواقع ما قبل التاريخ لفهم سلوك البشر آنذاك.
نُشرت الدراسة بمجلة “كواتيرناري ساينس ريفيوز” (Quaternary Science Reviews) في 12 من مايو/أيار الجاري، حيث حلل فريق بحثي دولي، من جامعة توبنغن ومركز سينكنبرغ للتطور البشري والبيئة القديمة، حفريات آثار الأقدام لأنواع حيوانية وبشرية منقرضة عثر عليها في موقعين من مدينة شونينغن الألمانية، أحد أهم المواقع الغنية بآثار العصر الحجري القديم.
أول دليل على الحضور البشري شمال ألمانيا
تشمل الأحافير آثار أقدام لأفيال ووحيد القرن وآثار أقدام يُفترض أنها لنوع بشري منقرض. ومن أبرز المكتشفات الأخرى بالموقع الأدوات التي استخدمها البشر ذلك الوقت، مثل الرماح الخشبية والأدوات الحجرية وعظام الحيوانات وبقايا النباتات التي تكشف الكثير عن حياة وبيئة البشر القدامى وعن نظامهم الغذائي وأساليب صنعهم للأسلحة.
وتشير الدراسة إلى احتمالية انتماء هذه الآثار إلى نوع يعرف بإنسان هايدلبرغنسيس (Homo-heidelbergensis). وبحسب البيان الصحفي المنشور على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org) تعد آثار شونينغن أول دليل على الحضور البشري شمال ألمانيا.
وحدد الباحثون 3 آثار لأقدام بشرية محتملة من بين مئات الأحافير الحيوانية التي ظلت محفوظة على الشواطئ الموحلة لإحدى البحيرات الأثرية من العصر الهولوسيني (الجليدي المبكر) والعصر البليستوسيني (الجليدي المتأخر) أي قبل 2.588 مليون سنة.
والبحيرات الأثرية وجدت في الماضي عندما كانت الظروف المناخية والهيدرولوجية لمنطقتها مختلفة. وقد تكون جفت أو انحسرت أو امتلأت بالرواسب مع مرور الوقت، إلا أنها تعد مصادر هامة للأحافير والمعلومات الجيولوجية والتغيرات البيئية التي حدثت في العصور القديمة.
ومن أمثلة تلك البحيرات الأثرية: بحيرة أغاسيز في كندا، بحيرة باليفيان في أميركا الجنوبية، لوب نور في الصين، وبالطبع بحيرات شونينغن شمال ألمانيا.
إنسان هايدلبرغنسيس المنقرض
إنسان هايدلبرغنسيس هو نوع أو فرع منقرض من البشر القدماء الذين سكنوا أفريقيا وأوروبا وربما آسيا خلال العصر الحجري الأوسط، منذ 200 إلى 600 ألف عام. تم تسميته لأول مرة بهذا الاسم عام 1908 نسبة إلى مدينة هايدلبرغ، جنوب غرب ألمانيا، بعد العثور على بقايا هيكل عظمي يميز هذا النوع بالقرب منها. وكانت البقايا عبارة عن جمجمة كبيرة وفك سميك عريض ذب أسنان صغيرة. ويعتبر هذا النوع سلفًا محتملا للنياندرتال والبشر المعاصرين.
وتشير الدراسة أيضا إلى أن هذا النوع من البشر ربما استخدم البحيرة ومواردها لتوفير الطعام والمياه، وربما تفاعل أو تعايش مع قطعان الأفيال والثدييات الأخرى.
ويقول الدكتور فلافيو ألتامورا قائد الدراسة المنشورة والزميل بمركز سينكنبرغ للتطور البشري والبيئة القديمة في جامعة توبنغن “يفترض أن هذا ما بدا عليه الحال في شونينغن قبل 300 ألف عام، أجرينا لأول مرة تحليلا مفصلا لحفريات آثار الأقدام من موقعين في شونينغن”.
ووفق ألتامورا فإن هذه التحليلات تزودنا، جنبا إلى جنب مع المعلومات من التحليلات الرسوبية والأثرية والحفريات القديمة، برؤى حول البيئة القديمة والثدييات التي عاشت في هذه المنطقة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.