حصاد عامين من الإجراءات الاستثنائية لقيس سعيد.. ما أثرها على القضاء في تونس؟ | سياسة


 تونس- بعد مضي عامين على إقرار الرئيس التونسي قيس سعيّد التدابير الاستثنائية، يرى سياسيون وحقوقيون وقضاة أنها عصفت بجميع مكتسبات السلطة القضائية واستقلاليتها، وذلك إثر تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاة، في ظل جو من التهديد بعزلهم عن عملهم وتجويعهم ومضايقتهم، وفق مراقبين.

ويحتفي نظام الرئيس سعيد الثلاثاء المقبل، 25 يوليو/تموز 2023، بمرور عامين على حكمه البلاد بالمراسيم الرئاسية، بعدما قرّر حلّ البرلمان المنتخب السابق وحلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب أيضا، فضلا عن عزل الحكومة السابقة واستبدال الدستور وتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي عزز بموجبه جميع السلطات بقبضته.

وضع متدهور

بيد أن هذا الاحتفاء قابله سخط وعزاء في صفوف معارضي الرئيس سعيد الذين يتهمونه بتطويع جهاز القضاء وتوظيف المراسيم والقوانين -التي يصدرها بنفسه- لتصفية خصومه عبر حملة توقيفات وملاحقات قضائية لا تتوقف، وذلك عبر تهم كيدية أبرزها التآمر على أمن الدولة التي تصل عقوبتها للإعدام، وفق تعبيرهم.

ويصف الناشط الحقوقي والمحامي ومنسق هيئة الدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة المعفيين العياشي الهمامي -للجزيرة نت- أن القضاء التونسي بات في ظل حكم الرئيس سعيد في “أتعس” حالاته منذ الاستقلال، قائلا “حتى في ظل فترات الحكم الفردي للرئيس بورقيبة أو الرئيس بن علي، لم ينحدر الوضع لهذا المستوى”.

ويتابع أن الرئيس سعيّد أعطى لنفسه -لأول مرة في البلاد- صلاحيات تجريد القضاء من سلطة قائمة بذاتها وجعله مجرد وظيفة في الدستور الذي صاغه بنفسه، كما يشير إلى أن الرئيس سعيّد سنَّ لنفسه مرسوما يمكّنه من حق عزل أي قاض مهما كانت رتبته وأقدميته بدون حقه في الدفاع، وفق الهمامي.

وفي الأول من يونيو/حزيران 2022، منح سعيّد نفسه سلطة فصل القضاة والمدّعين العامين من جانب واحد، وذلك بموجب الأمر الرئاسي المرقم بـ”35″ لعام 2022، كما أصدر في اليوم ذاته مرسوما ثانيا (516 لعام 2022)، بإقالة 57 قاضيا ووكيلا للجمهورية، متهما إياهم بالفساد المالي والمعنوي وعرقلة التحقيقات.

وينص المرسوم على أنه لا يجوز للقضاة أو وكلاء الجمهورية الطعن في عزلهم إلا بعد أن تصدر المحاكم حكما نهائيا في قضاياهم الجنائية، ورغم أن المحكمة الإدارية حكمت لصالح 49 قاضيا استأنفوا قرار عزلهم، إلا أن وزارة العدل تجاهلت أمر المحكمة بإعادة تعيينهم في ضربة أخرى للقضاء، وفق الهمامي.

وكانت المحكمة الإدارية قد أكدت سابقا أن عزل القضاة ينطوي على انتهاك للحق في محاكمة عادلة وانتهاكات خطيرة لحقوق المثول أمام المحكمة والحصول على الدفاع، في حين اتهمت وزارة العدل القضاة المعزولين بقضايا تتعلق بجرائم مالية واقتصادية وإرهابية وغيرها، وفق بيان لها.

epa03529980 Tunisian Judges shouts slogans during a demonstration outside of Tunisian National Constituent Assembly in Tunis, Tunisia, 10 January 2013. The Association of Tunisian Judges had called for the protest to guarantee the independence of the judiciary. EPA/MOHAMED MESSARA
القضاة نفذوا إضرابا في يونيو/حزيران 2022 احتجاجا على قرار سعيّد عزل 57 قاضيا (الأوروبية)

سياسة ترهيب

كما يؤكد منسق هيئة الدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة المعفيين أن سعيد دشن مناخا من الرعب والخوف في القضاء بعزله 57 قاضيا دفعة واحدة، في حين وصفت أوساط معارضة للرئيس هذه الحادثة بـ”مجزرة القضاء”، مشيرا إلى أن بقية القضاة باتوا يعملون في بيئة من الخوف، بعدما شاهدوا أمثلة على تعسف السلطة وقمعها لهم.

ويعدّد الهمامي أمثلة لما سماها “تشفيا من القضاة” الذين لا يخضعون للتعليمات على غرار أحد القضاة الذي تم طرده وإحالته للتحقيق في وزارة العدل، وذلك بغية إبقائه متهما بالتآمر على أمن الدولة بدون حصوله على التبرئة، وقال “لقد نجحت السطلة بمثل هذه الانتهاكات في وضع يدها على القضاء”، مشيرا إلى أن السلطة تضغط على القضاة لتنفيذ تعليماتها في القضايا الحساسة التي تهم الرأي العام والمتعلقة بحرية التعبير.

ويذهب في هذا الاتجاه الأمين العام لحزب العمال “حمة الهمامي” الذي أضاف -للجزيرة نت- أن القضاء التونسي أصبح بعد عامين من إقرار التدابير الاستثنائية للرئيس سعيد يأتمر بأوامر السلطة التنفيذية، لا سيما في تناوله قضايا المعتقلين السياسيين، معتبرا أن وضع اليد على القضاء هدفه مزيد من قمع الحريات وتصفية الخصوم.

كما يؤكد أن حزبه طالب -قبل وصول قيس سعيد للرئاسة في 2019- بإصلاح المنظومة القضائية وتكريس مبدأ استقلالية القضاء كضمانة أساسية لفتح باب المحاسبة وكشف الحقائق المتعلقة بالاغتيالات السياسية والتسفير لبؤر القتال بسوريا ونهب المال العام، معتبرا أن هذه الضمانات مفقودة حاليا، معلقا “لقد تم ضرب القضاء اليوم ولا يمكن أن نتحدث عن قضاء مستقل اليوم في تونس”.

أما القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني فيقول -للجزيرة نت- إن القضاء التونسي كان عليلا قبل انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، بيد أن الرئيس سعيد ضربه ونسفه، مشيرا إلى أن الرئيس هدد القضاة علانية بالعقاب إذا لم يأتمروا بتعليماته.

وأوضح العجبوني أن أول طعنة في ظهر القضاء -في ظل حكم الرئيس سعيد- كانت بحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وتركيز مجلس آخر معين لا يُسمع له صوت، قائلا “لقد أصبح القضاء التونسي قضاء تعليمات، وأي قاض لا يحترم التعليمات سيواجه العزل”.

 

 

وبغض النظر عن اتهام السلطة بوضع يدها على القضاء، يشتكي قضاة من وجود حملة تشويه ممنهجة ضد القضاء بدون أي تحرك من السلطة لتتبع المخالفين، حيث استنكرت جمعية القضاة التونسيين مؤخرا ما سمته حملة “هتك عرض” للقضاة من قبل أشخاص وصفحات على مواقع التواصل بدون أي محاسبة، كما حذرت الجمعية من أن “تكون هذه الحملة تمهيدا لمزيد من استهداف القضاء والقضاة بغاية إسكات كل صوت يتمسك باستقلالية القضاء ويكشف مظاهر التدخل في عمله”.

في المقابل، يتهم أنصار الرئيس سعيد المنظومة القضائية بالتورط في قضايا فساد ورشوة والتستر على قضايا إرهابية خدمة لأجندات سياسية معينة، معتبرين ما يقوم به الرئيس التونسي من عزل للقضاة وإحالتهم على القضاء خطوة صحيحة نحو محاسبة الفاسدين وتطهير القضاء من العابثين بأمن البلاد، وفق قولهم.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post مرشح بعيد المنال يصعد في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري
Next post 5 فوائد صحية لاستهلاك الموز الخام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading