أنهى كامل أمين ثابت يومه الحافل في دمشق الذي تخللته الكثير من المقابلات، وختمه بجلسة مهمة في مقهى بحي أبو رمانة الراقي. عاد إلى بيته غير البعيد منهكا. كان عليه أن ينهي الأمر الأهم. دلف إلى مكتبه وبدأ يتحضر لكتابة برقيته المشفرة، قبل أن ينقض عليه عناصر المخابرات السورية. بعد أربعة أيام من الإنكار والمراوغة أفصح عن هويته الحقيقية: “أنا إيلي كوهين، من إسرائيل”.
نزلت كلماته كالصاعقة على مدير المخابرات العقيد أحمد سويداني والرائد محمد وداد بشير. طوال شهر ونصف قبل ذلك راقب عناصر المكتب الثاني تحركات كامل أمين ثابت بدقة. تأكدوا أنه عميل لدولة أجنبية رجحوا أنها مصر أو العراق، لكن ليس إسرائيل. في تل أبيب، أيقن مشغّلوه أن جاسوسهم الثمين في سوريا قد وقع في المصيدة.
بمجرد أن طُلب منه إرسال برقية إلى مشغليه بشفرة مورس نفسها، نفّذ ما تدرب عليه. بدأ الرسالة التي أُمليت عليه بالتحية التي تسبق عادة أي كلام، وكان ذلك يعني للموساد أنه سقط، فالتعليمات الصارمة التي تلقاها تفيد بأن يبدأ أي رسالة دون مقدمات أو تحية في الحالات العادية، وعكسها إذا كان يكتبها تحت الضغط.
كانت نص البرقية “البتراء” السابقة التي أرسلها كوهين إلى تل أبيب قبل القبض عليه يوم 19 فبراير/شباط 1965 -دون سلام أو تحية أو مقدمات- “لقاء في رئاسة أركان الجيش السوري أمس مساء على الساعة الخامسة مع أمين الحافظ وكبار الضباط”، وهي واحدة من مئات البرقيات التي أرسلها منذ دخوله البلاد أوائل عام 1962.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.