تنظيم “الألوية الحمراء”.. منظمة إيطالية يسارية شبه عسكرية | الموسوعة


“الألوية الحمراء” منظمة شبه عسكرية يسارية ظهرت في إيطاليا عام 1967، كانت مسؤولة عن العديد من حوادث العنف والاغتيالات خلال ما تسمى “سنوات الرصاص” التي هزّت إيطاليا من نهاية الستينيات حتى مطلع الثمانينيات من القرن الـ20، وغالبا ما تتم الإشارة لها اختصارا برمز “بي آر” (BR)، وهو اختصار لاسمها باللغة الإيطالية “بريغاتي روسي” (Brigate Rosse).

خطف هذا التنظيم يوم 16 مارس/آذار 1978 رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق “ألدو مورو” (Aldo Moro)، وأعدمه في التاسع من مايو/أيار من السنة نفسها.

وعُثر على جثة مورو في صندوق سيارة وسط العاصمة الإيطالية روما، في أخطر سابقة عنيفة، وتلاها اغتيال 7 سياسيين إيطاليين آخرين من قبل “الألوية الحمراء”، وبذلك تصاعدت بشكل كبير موجة العنف المسلح التي دشنها التنظيم.

عوامل التأسيس

ارتبط تاريخ إيطاليا في بداية السبعينيات من القرن الـ20 بشكل رئيسي بالعنف السياسي، فمنذ انتخابات عام 1968 أُضعف تحالف يسار الوسط بقيادة ألدو مورو من التيار الديمقراطي المسيحي، بسبب الانقسامات داخل الحزب الاشتراكي الموحد، مما جعل القوتين الرئيسيتين للأغلبية تواجهان صعوبة أثارت الشكوك حول الجدوى من تحالف يسار الوسط.

وأدى عدم الاستقرار السياسي إلى أزمة اقتصادية خانقة، استفحلت بعد فترة نمو اقتصادي قوي عرفتها إيطاليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأدت الأزمة إلى احتجاجات عنيفة.

ومهدت لهذا العنف انتقادات الأكاديميين والتغييرات التي أحدثتها النقابات الكبرى، وتزامنت مع الوضع الاقتصادي الدولي الصعب (تداعيات الصدمة النفطية وعدم الاستقرار النقدي)، لتظهر في هذا السياق مجموعات مسلحة من اليمين المتطرف.

الشرطة الإيطالية ترافق 4 أعضاء من منظمة “الألوية الحمراء” إلى السجن (غيتي)

وظهرت في هذا المناخ العديد من الجماعات اليسارية المسلحة والمتطرفة المعروفة باسم “الحُمر”، بما في ذلك “الألوية الحمراء” التي تأسست عام 1967 على يد “ريناتو كورسيو” (Renato Curcio).

وجند كورسيو طلابا لهم نزعة يسارية متطرفة من جامعة تورينو، وكانت هذه المنظمة، التي تبنت أفكارا لكارل ماركس وماو تسي تونغ وتشي غيفارا، نتاجا لضيق السياسة والمجتمع الإيطاليين في فترة ما بعد الحرب، فضلا عن الصراع الأوسع بين السياسة اليمينية واليسارية في فترة الحرب الباردة.

وفي سنة 1969، تزوج كورسيو من زميلته الطالبة “مارغريتا كاغول” (Margherita Cagol)، وانتقلا للعيش في مدينة ميلانو، حيث جذبت “الألوية الحمراء” المزيد من الأتباع.

في عام 1970 نفذ التنظيم سلسلة من التفجيرات في المصانع والشركات في ميلانو، إضافة إلى أعمال تخريب في الشوارع العامة.

تأثر تنظيم “الألوية الحمراء” أيضا بالحركات اليسارية المسلحة التي لجأت لشن حروب عصابات بأميركا اللاتينية، كحركة القوات المسلحة الكولومبية “فارك”، مما جعلها تنتهج ما عرف بـ”الكفاح المسلح” لإنشاء تيار ثوري بالبلاد، وحاولت ممارسة ضغوط على الحكومة لإجبارها على القبول بانسحاب إيطاليا من حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO).

المقر

توزعت المقرات السرية لتنظيم “الألوية الحمراء” في إيطاليا، انطلاقا من مدينة تورينو ثم ميلانو فروما، ولكن مركز “تجنيد وانتداب” الأعضاء كان في مدينة ميلانو شمالي إيطاليا.

5 من أصل 21 من أعضاء “الألوية الحمراء” المشتبه في قتلهم رئيس الوزرء الإيطالي الأسبق ألدو مورو (غيتي)

الأهداف

الفكرة المهيمنة والرئيسية التي تبناها تنظيم “الألوية الحمراء” الإيطالي هي “استهداف قلب الدولة”، أي مواجهة القوى السياسية مثل الأحزاب، والمؤسسات الممثلة للدولة والسلطة والقوى الصلبة مثل الأجهزة الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى استهداف الصناعيين ورجال الأعمال الذين اتهمهم التنظيم بـ”امتصاص دماء الطبقة الفقيرة من العمال”.

هذا الهدف يمثل نتاجا للعديد من الأيديولوجيات التي مثلت الأرضية الفكرية المؤسسة لهذا التنظيم، مثل مبدأ “الطليعة المسلّحة” المستوحى من الماركسية واللينينية، ومبدأ “الدعاية المسلّحة” المأخوذ من دليل حرب العصابات الصغيرة لكارلوس ماريجيلا، وأيضا من فكرة “الشعب المسلّح” التي دعا لها ماو تسي تونغ، ولكن الفكرة المحورية تدور دائما حول “مقاومة الإمبريالية”.

وسعت المنظمة إلى دفع الحكومة الإيطالية إلى الانسحاب من حلف الناتو عبر إنشاء حالة “ثورية” من خلال الكفاح المسلح، وتأثرت بالكتابات حول حركة “توباماروس” بقلم الكاتب اليساري الإيطالي جيانجياكومو فيلترينيلي، بالإضافة إلى حركة المقاومة الإيطالية لعامي 1943 و1945.

وعلى الصعيد الميداني، أعلن التنظيم عن وجوده وقناعاته الأيديولوجية عن طريق استهداف شخصيات اقتصادية إيطالية، وكانت البداية يوم 17 سبتمبر/أيلول 1970 عندما أضرم أعضاء “الألوية الحمراء” النار في أوعية من الوقود في شارع “سيتا ستودي”، بهدف إحراق سيارة مدير الموارد البشرية لشركة “سيت سيمنس”.

ثم جاء دور سيارة إرمانو بيليغريني رئيس الأجهزة الأمنية في مصنع تابع لمجموعة بيريللي، انتقاما لفصل عامل.

إنريكو بيانكا أحد مقاتلي “الألوية الحمراء” المدانين بقتل رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ألدو مورو (موقع إتالي أريست)

الهيكلة

نشطت تحت لافتة “الألوية الحمراء” العديد من التنظيمات اليسارية المتطرفة، التي تبنت مبدأ العنف وساهمت في دفع إيطاليا نحو نفق مظلم من انعدام الأمن والشعور بسيطرة العصابات المسلحة، مقابل تقهقر سلطة الدولة ومؤسساتها.

ويخضع اقتراح الانضمام إلى “الألوية الحمراء” لمقياس كمية ونوعية العمليات التي تنفذها هذه التنظيمات -والتي تتوزع جغرافيا- ضد السلطة ومؤسساتها وموظفيها، من قضاة وصحفيين وشرطة ورجال أعمال.

ومن بين هذه التنظيمات “النواة المسلّحة ضد السلطة” و”المقاومة المستمرة” و”كتيبة ميلانو” و”الكتيبة الرومانية” و”الخط الأول”.

وتخضع كل هذه التنظيمات المنتشرة على الأراضي الإيطالية إلى توجيهات قيادات أمثال ريناتو كورسيو، ومرغريتا كاغول، وألبرتو فرانشسكيني، ومارينا بيتريلا، وماوريزيو دي مارزيو.

العضوية

يقول عالم الاجتماع الإيطالي ألساندرو أورسيني في كتاب “الأيديولوجيا والإرهاب” إن أعضاء تنظيم “الألوية الحمراء” ليسوا من الفقراء الذين تم استغلالهم ماديا أو اجتماعيا.

ويرى أن “العضو المثالي الذي ينتمي إلى الألوية الحمراء يحمل صفة الإيثار بشكل أساسي، ولا يسعى لتحقيق مكاسب شخصية، وهو صغير السن نسبيا، كما أنه لا ينتمي إلى الفئات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر حرمانا في المجتمع، لكنه من خلال أيديولوجيته مصدوم بشدة من الفقر واستغلال الآخرين”.

والارتباط بين الثورة الطلابية والثورة العمالية جعل تنظيم “الألوية الحمراء” مزيجا من طبقة جامعية مثقفة وطبقة أخرى مهمشة، وتنحدر الأولى من أوساط اجتماعية متوسطة أو دون المتوسطة، والثانية تمتلك كل التراكمات التي تدفعها إلى الثورة والتطرف في الثورة.

ولتحديد العضو والمهام الموكلة لأعضاء التنظيم، يمكن الحديث عن مسار “انتخابي داخلي”، يتم تنظيمه بصفة سرية لأن المنتمين إلى “الألوية الحمراء” يمثلون نسبة ضئيلة مدعومة من بين ملايين العمال والشباب المتباعدين جغرافيا والمنتمين للتيارات الاجتماعية والسياسية، والداعمين للمسار الثوري في الفترة من 1960 إلى 1970.

أعضاء من منظمة “الألوية الحمراء” ممن اتهموا باغتيال رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ألدو مورو (غيتي)

التمويل

تمويل المنظمات التي تكاثرت على الساحة الإيطالية في ما عرفت بسنوات الرصاص، ومنها “الألوية الحمراء”، كان محل تجاذب سياسي واتهامات متبادلة بين القطبين الرأسمالي الغربي والشيوعي الذي قاد الاتحاد السوفياتي قاطرته.

إن مسألة التمويل تخضع لمبدأ الحسابات السياسية التي تؤسس وتوجّه الرأي العام، إضافة إلى تدخل الأجهزة السرية، مما يجعل الروايات تبدو مختلفة حول مصادر تمويل التنظيم.

ولأن الهدف الرئيسي لـ”الألوية الحمراء” هو زعزعة استقرار الحكومة الإيطالية لإجبارها على الانسحاب من حلف الناتو، وإزالة تأثير الشركات المتعددة الجنسيات في المجتمع الإيطالي، فإن تلقيها مساعدات من الاتحاد السوفياتي مثّلَ فرضية رجحتها التيارات الموالية للعالم الغربي، والتي تمثلت بشكل أساسي في أسلحة موزعة عبر طرق التجارة السرية.

وكما هو الحال مع العديد من المنظمات اليسارية الأخرى في أوروبا في ذلك الوقت، كانت “الألوية الحمراء” بمثابة مؤشر على استياء من أوروبا ما بعد الحرب.

وهو اعتقاد بأن مجتمعات أوروبا الغربية كانت تعود إلى أخطاء فترة ما قبل الحرب، وكان دعم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لهذه المنظمات محاولة لاستغلال هذا الاستياء.

وفي التسعينيات من القرن الـ20 خلال التبادل المستمر للاتهامات بين المعسكرين الشيوعي والغربي، بدأت حقائق جديدة في الظهور تباعا عن سنوات الرصاص (1968-1980).

وتحدثت تلك الحقائق عن إستراتيجية غربية للتصدي لإمكانية وصول الشيوعيين إلى السلطة، وأنها أولوية الشبكة والأطراف الدوليّة الراعية لها عن طريق بلورة “إستراتيجية التوتر” بإطلاق وتمويل عملية “غلاديو”، التي صاغتها الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإيطالية ووضعتها قيد التنفيذ.

وبذلك استُدرجت قوى اليسار الجذري إلى العنف عبر الإفراط في السياسات القمعية المتشددة، واستخدام التيارات اليمينية المتطرفة في إطارها ليس لتصفية الأولى فحسب، بل لإنضاج الظروف المناسبة لفرض نوع من حالة الطوارئ الدائمة، بذريعة مكافحة الإرهاب والحؤول دون وصول المكون الرئيسي لليسار، أي الحزب الشيوعي، إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.

واعترف العديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الإيطاليين في ما بعد بوجود هذه الإستراتيجية، كالرئيس الأسبق للاستخبارات الإيطالية اللواء جياناديلو ماليتي، الذي أعلن في مارس/آذار 2001 أن “الاستخبارات الأميركية غذّت الإرهاب في إيطاليا”.

أما رئيس الاستخبارات العسكرية الإيطالية بين 1981 و1984 الجنرال نينو لوغاريسي فقد أسرّ بأن جهازا سريا ضخما ضمّ أكثر من 800 عضو، كان مسؤولا عن عمليات ضد “أهداف وطنية” في إيطاليا.

وكشفت شهادة الموظف السابق في الخارجية الأميركية ستيف بيكزنيك، ووزير الداخلية الإيطالي الأسبق فرانسيسكو كوسيغا عن تورط المخابرات الأميركية في اغتيال ألدو مورو عبر عناصر اخترقت تنظيم “الألوية الحمراء”.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post زى النهارده.. الزمالك بطلا للدورى للمرة الأولى فى تاريخه بعد الفوز بالقمة
Next post بيل غيتس والشابة الروسية ثانية.. “سيلفي” مع جاسوسة تعقد الأمور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading