اكتشف علماء الفضاء في عام 1801 وجود حزام من الكويكبات (وهي مجموعة من الكواكب صغيرة الحجم التي لا يمكن رؤيتها دون استخدام التلسكوبات) تدور في قرص نجمي دوّار في منطقة بين كوكبي المريخ والمشتري، وقد وصِفَ حزام الكويكبات بـ”حزام الكويكبات الرئيسي”، وذلك لتمييزه عن مجموعة الكويكبات الأخرى التي توجد في المجموعة الشمسية.
ولاحقا، لاحظ العلماء وجود أجسام داخل حزام الكويكبات تسلك مسلكا مختلفا، فيظهر لها ذيل وذؤابة تشبه تلك الخاصة بالمذنبات، بالرغم من أنها تدور في مدارات كما تفعل الكويكبات، وقد قاموا بتسمية هذه الأجسام بـ”حزام المذنبات الرئيسي”، ويتم تعريفها بأنها فئة فرعية نادرة من المذنبات التي لها مدارات دائرية وهي محصورة تماما في حزام الكويكبات الرئيسي، لكنها تُظهر سلوكا شبيها بالمذنب حيث تقذف مادة ما تخلق مظهرا غامضا يظهر وكأنه ذيل، يعتقد علماء الفلك أنه ينتج عن التغزية -أوالتسامي- وهو انتقال الجليد من حالته الصلبة مباشرة إلى الحالة الغازية.
ومع البحث حول سلوك تلك المذنبات، استطاع العلماء إثبات أنها تطلق الغبار فقط، إلا أنه، وبعد محاولات عدة، لم يتمكن العلماء من الكشف عن الغازات المتسربة التي يجب أن تصاحب أيضا نشاط المذنبات المدفوعة بالتسامي، خاصة أن موقعها في النظام الشمسي الداخلي الدافئ حيث يُعتقد بأنها أقامت لمليارات السنين ولا يرجح وجود الكثير من الجليد عليها.
محاولات لرصد التسامي
استمرت محاولات العلماء لإيجاد إثبات على حدوث التغزية -التسامي- حتى جاء تلسكوب جيمس ويب، الذي اكتشف ولأول مرة حدوث تغزية من أحد مذنبات حزام المذنبات الرئيسي، بحسب ما أفادت ورقة بحثية نُشرت في 15 من مايو/أيار الماضي في دورية “نيتشر” (Nature).
الدراسة التي حملت عنوان “الاكتشاف المباشر للمياه من حزام المذنبات الرئيسي باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي” وثقت أول اكتشاف طيفي مباشر لانبعاثات المياه من مذنب في الحزام الرئيسي يُدعى “كومت ريد” (Comet Read)، كانت بقيادة مايكل كيلي من جامعة ميريلاند، وبمشاركة هنري هسيه الباحث في معهد علوم الكواكب.
هسيه، الذي كان قد قاد اكتشاف حزام المذنبات الرئيسي كنوع جديد من المذنبات في عام 2006، قال في بيان صحفي نشره معهد علوم الكواكب على موقعه “منذ اكتشاف حزام المذنبات الرئيسي، قمنا بجمع مجموعة كبيرة من الأدلة على أن نشاطها ناتج عن التسامي، لكن حتى الآن، كان كل ذلك غير مباشر”.
وتمثل هذه النتيجة الجديدة من جيمس ويب أول دليل مباشر على التسامي في شكل إطلاق غازات المياه -أو إطلاق الغازات من أي نوع- من حزام المذنبات الرئيسي، بعد الدراسات التي يعود تاريخها إلى عام 2008 لاكتشاف إطلاق الغازات في حزام المذنبات الرئيسي باستخدام بعض من أكبر التلسكوبات الأرضية في العالم.
خصائص مختلفة
وجد هسيه وزملاؤه خلال بحثهم أن “كومت ريد” -وبالتالي باقي حزام المذنبات الرئيسي الأخرى على الأغلب- لها تركيبة كيميائية مختلفة اختلافا جوهريا عن المذنبات الأخرى، حيث لا تظهر تقريبا أي نسب من ثاني أكسيد الكربون -وهو مكون شائع في إطلاقات غازات المذنبات- مقارنة بكمية الماء الموجودة.
وسواء كانت تلك المذنبات قد مرت بظروف تكوين مختلفة أو كان لها تاريخ تطوري، فمن غير المرجح أن يكون “كومت ريد” مُدخلا حديثا في حزام الكويكبات من النظام الشمسي الخارجي.
وبناء على هذه النتائج يبدو أن مذنبات الحزام الرئيسي تمثل عينة من المواد المتطايرة غير الممثلة حاليا في ملاحظات المذنبات الكلاسيكية وسجل النيازك، مما يجعلها مهمة لفهم المخزون المتطاير للنظام الشمسي المبكر وتطوره اللاحق.
أصل مياه الأرض
يشرح هسيه قائلا “نظرا لأن الجليد المائي الكبير -وهو مكون رئيسي من المواد المتطايرة التي تنتج نشاطا في المذنبات “الكلاسيكية” من النظام الشمسي الخارجي- غير متوقع في حزام الكويكبات الرئيسي نظرا لمدى قربها من الشمس، فقد كان البعض يشك فيما إذا كان نشاط حزام المذنبات الرئيسي ناتجا عن تسامي الجليد المائي بدلا من بعض العمليات الأخرى التي لا تنطوي على الجليد، مثل نواتج الصدمات أو المواد التي يتم قذفها في الفضاء بواسطة كويكبات سريعة الدوران”.
ويضيف هسيه “الماء في حزام المذنبات الرئيسي مهم حيث إن أجساما من حزام الكويكبات الرئيسي قد تكون مصدرا محتملا لمياه الأرض في النظام الشمسي المبكر، ويبدو أن حزام الكويكبات الرئيسي في العصر الحديث يمكن أن يوفر فرصة لاختبار هذه الفرضية. وهذا لن يكون ممكنا إلا إذا كانت تحتوي في الواقع على جليد مائي”.
ويؤكد هسيه أن تأكيد إطلاق الغازات في مذنب واحد على الأقل من حزام الكويكبات الرئيسي يؤكد أن التعرف على أصل مياه الأرض من حزام الكويكبات الرئيسي هو احتمال قابل للتطبيق.
واستخدم الفريق تلسكوب جيمس ويب الفضائي لمراقبة “ريد” بعد فترة وجيزة من اقترابه من الشمس -وهو الوقت الذي كان من المتوقع أن يكون إطلاق الغازات فيه في أقوى حالاته- مع أخذ كل من المشاهدات التصويرية والطيفية بأطوال موجية قريبة من الأشعة تحت الحمراء من أجل البحث عن السمات الطيفية المميزة لبخار الماء وغيره من الغازات الشائعة الناتجة عن تسامي المذنبات.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.