الخرطوم- مع تصاعد الاشتباكات المسلحة في السودان ومخاوف من انزلاق البلاد نحو المزيد من الفوضى وتداعيات ذلك على دول الجوار والمنطقة، طرحت قوى خارجية وداخلية مبادرات عدة بهدف وقف القتال ومنع تمدد رقعة الصراع المشتعل بالخرطوم، خاصة بعدما وصل إلى دارفور وشمال كردفان.
في هذا السياق، انطلقت اليوم الاثنين في جيبوتي القمة رقم 14 لرؤساء دول إيغاد (IGAD) برئاسة السودان الذيّ تصدر ملفهُ أجندة القمة.
وخلال كلمته في القمة، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي إن حربا أهلية شاملة ستحدث في السودان إذا لم يتوقف القتال الدائر حاليا هناك.
وحذر فكي من أن الحرب الدائرة حاليا ستؤدي إلى انتشار الفوضى وانهيار السودان، مشيرا إلى أن الاتحاد الأفريقي يبذل جهودا حثيثة من أجل وقف العنف وتشجيع السودانيين على الحوار.
وأكد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني ثقة بلاده في آلية “إيغاد” وأنها مقبولة من الحكومة، مبديا الاستعداد للتعاون أيضا مع الآلية المكونة من مجلس السلم والأمن الأفريقي التي تضم رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي.
مبادرات عدة
وكانت الأزمة السودانية قد تصدرت ملفات اجتماع عقد أمس الذي شارك فيه رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس لجنة الوساطة لدول “إيغاد” بشأن الأزمة السودانية، إلى جانب الرئيسين الكيني وليام روتو والجيبوتي إسماعيل عمر جيلي.
وفي أبريل/نيسان الماضي، طرحت “إيغاد” مبادرة لوقف القتال وافق عليها الجيش السوداني، وتلخصت في تمديد الهدنة وصولا إلى إيقاف القتال، وإيفاد ممثلين لطرفي الصراع إلى جوبا عاصمة جنوب السودان للتفاوض حول تفاصيل المُبادرة.
بدوره، أعلن الاتحاد الأفريقي -نهاية مايو/أيار الماضي- عن خريطة طريق لحل الصراع بالسودان، تضمنت وقفا فوريا ودائما للأعمال العدائية، حماية المدنيين، استكمال العملية السياسية الانتقالية، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية.
وخلال لقاء في العاصمة أديس أبابا في 10 يونيو/حزيران الجاري، جمع نائب رئيس مجلس السيادة السوداني برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أبدى الأخير استعداده لزيارة الخرطوم للتوسط وصولا إلى وقف إطلاق النار.
ومع علوّ كعب المبادرات الخارجية لملف الصراع في السودان، أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تلقّيها مبادرة وطنية من شخصيات مدنية سودانية لحل الأزمة.
وتأسست الجبهة المدنية (تضم قوى سياسية ونقابات وتنظيمات مجتمع مدني) بهدف إيقاف الصراع واستعادة الديمقراطية، مطالبة أن تكون الأولوية لحماية المدنيين وحل الأزمة الإنسانية، وأنها تعمل عبر كافة أشكال العمل السلمي من أجل إسكات صوت البنادق.
مفاوضات جدة
تتصدر الوساطة الأميركية السعودية مُبادرات وقف القتال في السودان، حيث تستضيف مدينة جدة السعودية المفاوضات بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 5 مايو/أيار الماضي.
وتهدف المبادرة المشتركة إلى خفض مستوى التوتر، وتهيئة الأرضية اللازمة للحوار، وتمديد الهدنة وصولا إلى وقف دائم لإطلاق النار، كما تتضمن مفاوضات جدة الالتزام بحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، فضلا عن إنشاء لجنة لمراقبة وتنسيق وقف النار تتكون من ممثلين من الوساطة وطرفي الصراع.
وإزاء تعدد المبادرات أعلنت قوات الدعم السريع تمسُكها بمنبر جدة، داعية إلى توحيدها في هذا المنبر ومشاركة الأطراف التي أبدت رغبتها في دفع جهود السلام.
وأكد يوسف عزت المستشار السياسي لقائد “الدعم السريع” تمسكهم بمنبر جدة رغم فشل عدد من الهُدن، فتوقيع الطرفين على اتفاق وقف نار قصير يعتبر تقدما في فترة وجيزة منذ بداية الحرب، على حد قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عزت “نحن ننظر للأزمة على أنها سياسية وحلها سياسي، لذلك لابد من وقف إطلاق النار لفترة زمنية معقولة تسمح ببدء التفاوض السياسي، بمشاركة كل القوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم سابقا) والوصول لاتفاق شامل يوقف الحرب.
وأشار عزت إلى أن عددا من الشخصيات السودانية، والإدارة الأهلية، ورموزا من المجتمع السوداني والطرق الصوفية، أجرت معهم مناقشات حول إيجاد طريقة لوقف الحرب.
ولكن الحكومة السّودانية ترى أن تعدد المنابر مضر جدا، ولا يساعد في الحل، ودعا نائب رئيس مجلس السيادة القوى الإقليمية والدولية لتوحيد الجهود وإيقاف وضعية تعدد المنابر والمبادرات الحالية.
تعدد المنابر
من جانبه، يرى الخبير العسكري اللواء متقاعد أمين إسماعيل مجذوب أن المبادرة الأميركية السعودية أقوى المبادرات وتحظى بقبول لدى الطرفين، حيث انخرطا في عدد من الجلسات أدت إلى توقيع 3 هُدن، مشيرا إلى أن الجانب الإنساني سيكون له دور في الضغط على الطرفين من أجل تحقيق السلام.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى مجذوب أن المبادرة الأميركية السعودية ستقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، وربما تكون لاحقا منبرا للتسوية السياسية.
بدوره، قال الباحث والكاتب بالشأن السياسي حسان الناصر إنّ السودان حدد نقاطا جوهرية ستساعد كل وساطة أو مبادرة في إيجاد مخرج سياسي، أهمها أن الأولوية لدول الجوار والاتحاد الأفريقي، مشيرا إلى أن تعدد المبادرات سيقود للتعقيد ولكن جميعها مرهونة بإرادة السودان.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الناصر أن الفاعلية التاريخية للاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد وحضورهما مهمان، وأن مستقبل أيّ حل سياسي سيكون في وجودهما.
وأضاف الباحث السوداني “لا أعتقد أن الوساطات والمبادرات ستنجح إذا تجاوزت الشروط الإنسانية، وحاولت استعجال المسار السياسي، وإعادة عجلة التاريخ إلى الاتفاق الإطاري، والقفز إلى ترتيبات أُخرى”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.