مراسلو الجزيرة نت
برلين- يبدو أن عاصفة من النقاشات ستعصف بدوائر صنع القرار في الألمانيا خلال الأيام والأسابيع المقبلة بشأن المطالبات الموجهة إلى ألمانيا بتقديم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، والمشاركة الفعالة في تحالف المقاتلات.
فالحديث عما بات يعرف “بتحالف المقاتلات” لأوكرانيا وصل إلى برلين قبل عودة المستشار الألماني أولاف شولتز من قمة مجموعة السبع الكبرى (جي 7) في اليابان، وذلك بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن في هيروشيما باليابان بشأن “تحالف المقاتلات”.
ويقوم تحالف المقاتلات على السماح للطيارين الأوكرانيين بالتدريب على المقاتلات من طراز “إف-16” (f-16)، وذلك قبل قرار متوقع بتسليم مقاتلات إلى أوكرانيا، ويرى وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن أي مساهمة ألمانية محتملة في هذا التحالف ستكون طفيفة، لأن ألمانيا نفسها لا تملك مقاتلات (إف-16).
أسباب مقنعة للرفض
وبينما تتحضر الأوساط العسكرية والحزبية الألمانية لهذا النقاش، يرى مختصون أن ألمانيا لديها في هذه الجولة أسباب مقنعة للرفض مقارنة مع جولات نقاش سابقة حول الذخائر وأنظمة الدفاع الجوي والمدرعات ودبابات “ليوبارد 2” التي توصف بأنها الأفضل من نوعها في العالم.
هذا ما ذهب إليه رفائيل بوسونغ من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (إس دبليو بي) في حديث مع الجزيرة نت، ويقول بوسونغ إن ألمانيا “ستحاجج الحلفاء منذ البداية بالقول إنها تأتي في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من ناحية تقديم الأسلحة لأوكرانيا”؛ الأمر الذي سيمنحها وضعا مريحا للرفض.
وأضاف خبير المعهد المقرب من الخارجية الألمانية والمستشارية الاتحادية أن حكومة برلين ستقول أيضا إنها “لا تملك المقاتلات التي يدور الحديث عنها (إف-16) لأن جيشها يعتمد على مقاتلات “يورو فايتر” و”تورنادو”، إضافة إلى سبب لا يقل أهمية وهو صعوبة إقناع الرأي العام الألماني بجدوى هذه الخطوة بعد حملات إقناع سابقة بإرسال أسلحة أخرى إلى أوكرانيا.
“سخاء” ألماني
ويرى محللون أن هناك سخاء ألمانيا في تقديم الأسلحة يعرفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي زار مؤخرا برلين، ففي اليوم ذاته الذي حل فيه زيلينسكي في 13 مايو/أيار الحالي ضيفا على ألمانيا أعلنت وزارة الدفاع الألمانية تقديم مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 2.7 مليار يورو؛ لتبلغ القيمة الإجمالية للمساعدات الألمانية لأوكرانيا 16.8 مليار يورو، حسب الحكومة الألمانية.
ناهيك عن المساعدات المالية وأخرى متعلقة بإعادة الإعمار واستقبال أكثر من مليون لاجئ أوكراني، ومن ثم تطول لائحة المساعدات العسكرية التي حصلت عليها أوكرانيا حتى الآن، وتأتي في مقدمتها نظام الدفاع الجوي (إيريس تي) ومدرعات (ماردر) ودبابات (ليوبارد 1و2) ومدافع (مارس 2) وناقلات الجنود والذخائر.
وتكمن “المشكلة الألمانية” في أن دولا -أبرزها فرنسا الحليف الأقرب لألمانيا، وأيضا بريطانيا وبلجيكا والدانمارك والبرتغال- ستشارك أيضا في “تحالف المقاتلات”؛ الأمر الذي سيحرج الحكومة الألمانية إذا بقيت مصرة على رفضها.
انسجام غير مألوف
من ناحية أخرى، يبدو أن الضغوط على المستشار الألماني في هذه المرة لن تكون كبيرة مقارنة مع مرات سابقة، وتحديدا عندما احتدم النقاش حول مدّ الجيش الأوكراني بدبابات “ليوبارد 2”. ويبدو في هذه المرة أن الصقور في حكومة شولتز -وعلى رأسهم رئيسة لجنة الشؤون الدفاعية في البرلمان- أكثر انسجاما مع موقف شولتز.
وهذا ما تشير إليه تصريحات المسؤولة للصحيفة الألمانية “زود دويتشه تسايتونغ” التي قالت إن الدور الألماني على صعيد “تحالف المقاتلات” “قد يتمثل في تدريب طيارين أوكرانيين أو على تقديم مطارات لإقلاع وتحليق هذه المقاتلات”.
ضغط أميركي؟
وعما إذا كانت الحكومة الألمانية ستتعرض لضغوط كبيرة من الشريك الأميركي للمشاركة في هذا التحالف، نفى خبير شؤون التسلح والناتو من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية كريستيان موللينغ أن تكون هذه الضغوط كبيرة.
وقال موللينغ -في حديث للجزيرة نت- إن فكرة المقاتلات في الأساس “ليست أميركية، بل جاءت من كييف وتحمست لها الحكومتان البريطانية والهولندية”، مضيفا أن الولايات المتحدة “استغرقت وقتا قبل الجهر بالانضمام إليها”، وأن حكومة واشنطن “لا ترى في المبادرة أولوية”.
وعن رأي الخبير في طبيعة الضغوط التي سيتعرض لها المستشار الألماني من المؤيدين لتسليح أوكرانيا، قال موللينغ إن الحكومة الألمانية بأحزابها الثلاثة “تعلمت من نقاشات سابقة”، الأمر الذي يدفعه إلى القول إن الأوساط الحكومية الألمانية لن تشهد نقاشا ساخنا كما كانت عليه الحال أثناء نقاش دبابات “ليوبارد 2”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.