كانت فترة السبعينيات عقدا عظيما للسينما بفضل صناعة مجموعة من الأفلام التي لا يمل المشاهد منها، لكن بدايتها الحقيقية جاءت مع نهاية الستينيات، التي شهدت كثيرا من التغييرات في هوليود، وأدت إلى صناعة المزيد من الأفلام المختلفة والمميزة، وظهر عدد من صانعي الأفلام الذين قدموا فصلا جديدا في تاريخ السينما.
وشهدت أفلام الخمسينيات والستينيات من القرت العشرين أيضا صعودا لدى الجمهور في جميع أنحاء العالم، واستمر هذا الصعود حتى السبعينيات؛ مما يعني أنه كان عقدا غامرا يحتوي على ما هو أكثر بكثير من مجرد هوليود الجديدة (نيوهوليود).
ورغم مرور نصف قرن من الزمان، فلا يزال تأثير سينما عقد السبعينيات ممتدًا حتى اليوم، وفي ما يلي نستعرض بعضا من أعظم أفلام هذا العقد:
الأب الروحي (1972)
يمزج فيلم “الأب الروحي” أو “العراب” (The Godfather) قصة الجريمة الملحمية مع الدراما العائلية المكثفة والمترابطة، ويتميز بممثلين جيدين قدموا خلاله أفضل أدوارهم، حتى مع استمرار مسيرتهم المهنية عقودا بعد ذلك.
كان هذا الفيلم بداية سلسلة أفلام المخرج فرانسيس فورد كوبولا الممتازة، ولا يزال بعد أكثر من نصف قرن ضمن أعظم الأفلام على الإطلاق، وربما الأفضل على الإطلاق في السبعينيات بأكملها.
سائق التاكسي (1976)
من المؤكد أن فيلم “سائق التاكسي” (Taxi Driver) هو أحد أفضل أفلام مارتن سكورسيزي، وهو أيضا واحد من أحلك أفلامه وأكثرها إثارة للصدمة.
تدور أحداث الفيلم حول ترافيس بيكل، من قدامى المحاربين في حرب فيتنام الذي يفقد عقله ببطء أثناء إقامته في مدينة نيويورك وعمله سائقا لسيارة أجرة، ويدفعه الأرق وكراهيته العالم من حوله إلى حالة ذهنية مظلمة وخطيرة.
إنها قصة من شأنها أن تثير الدهشة حتى لو أعيد إنتاجها اليوم، فهي تتناول شيئا حقيقيا وخطيرا للغاية؛ الوحدة والألم والعنف، وكيف يعصفون بالعقل البشري حتى يوصلوه إلى عالم الجريمة.
هو واحد من الأفلام القليلة التي يرجع تاريخها إلى عقود من الزمن وتنظر إلى الصحة العقلية بطريقة لا تبدو بالية، خاصة أن الأحداث تُعرض من وجهة نظر بيكل بشكل شبه مستمر، مما يجعل المشاهد يقوم برحلة داخل عقل مريض.
طار فوق عش الوقواق (1975)
بعد عام واحد فقط من ظهوره في فيلم “الحي الصيني” (Chinatown) -الذي يمثل كذلك واحدا من أروع أفلام السبعينيات- لعب جاك نيكلسون دور البطولة في فيلم آخر أسطوري وهو “طار فوق عش الوقواق” (One Flew Over the Cuckoo’s Nest).
تدور أحداث الفيلم بالكامل تقريبًا داخل منشأة للأمراض النفسية، وتتمحور حول مريض جديد متمرد يتصادم مع رئيسة الممرضات في المنشأة، بينما يعمل على إثراء حياة المرضى المضطهدين هناك.
فاز الفيلم بما يعرف “بالخمسة الكبار” في حفل توزيع جوائز الأوسكار: أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وأفضل ممثل رئيسي، وأفضل ممثلة رئيسية. كما نال استحسان النقاد، ولا يزال يحظى بشعبية لدى المشاهدين في جميع أنحاء العالم حتى يومنا هذا.
الفك المفترس (1975)
لم يكن “الفك المفترس” (Jaws) الفيلم الأول الذي أخرجه ستيفن سبيلبرغ، لكنه كان أول فيلم مثالي وأول فيلم بالتأكيد يحقق له هذا النجاح التجاري الواسع.
تم إصدار فيلم “الفك المفترس” عندما كان سبيلبرغ نفسه يبلغ من العمر 28 عامًا فقط، ويعالج العمل فرضية بسيطة للغاية تتلخص بشكل أساسي في حاجة 3 رجال إلى قتل سمكة قرش مرعبة وقاتلة.
إنه فيلم لم يفقد أبدًا قدرته على الجذب والتسلية، ورغم أن صانعي الأفلام الآخرين أمضوا ما يقرب من 50 عامًا حتى الآن لمحاولة إعادة نجاحه أو تجاوزه عبر عشرات من أفلام القروش، فإن أي فيلم آخر لم يقترب من الوصول إلى نسبة صغيرة من نجاحه الكبير.
روكي (1976)
بدأ فيلم “روكي” (Rocky) سلسلة ناجحة للغاية واستمرت حتى عشرينيات القرن 21 مع أفلام “كريد” (Creed)، لكنه لا شيء يضاهي فيلم “روكي” الأصلي الذي أنتج عام 1976.
فيلم مثالي قدم شخصية رجل مستضعف رغم كونه ملاكما، “فروكي” سيئ الحظ من فيلادلفيا الذي يضغط على نفسه إلى أقصى الحدود ليصبح بطلا في الملاكمة.
قصة الفيلم ملهمة، وكذلك قصة إنتاجه، نظرًا لأن سيلفستر ستالون كان عالقًا بالمثل في بؤس حياته كممثل مغمور، وكاتب غير معترف به، حتى كتب هذا الفيلم، الذي أصر على تمثيل دور البطولة فيه رغم اعتراضات كثير من المنتجين، فكان تميمة نجاحه منذ السبعينيات وحتى اليوم.
كل هذا الجاز (1979)
قدم بوب فوس قطعة من حياته في فيلم “كل هذا الجاز” (All That Jazz)، وهو تحفة فنية وشبه سيرة ذاتية تُصنف بسهولة بين أفضل أفلام عام 1979.
يلعب روي شيدر دور رجل يُدعى جو جيديون، لكن جيديون وبوب فوس المخرج ليسا مختلفين تمامًا، حيث إن كليهما مخرجان، ومدمنا عمل، ويعانيان من أمراض القلب بسبب نمط حياتهما شديد التوتر.
لذلك يعد فيلم “كل هذا الجاز” فيلمًا كئيبًا تمامًا، لكن صدقه الذي لا هوادة فيه واستكشافه ذاته وذات مخرجه يجعلان منه تجربة مشاهدة رائعة.
وهو أيضًا فيلم موسيقي رائع وتجربة بصرية مختلفة عن السائد من قبل في هذا النوع السينمائي، مع جرأة وتسلسل سيريالي، خاصة في الفصل الأخير من الفيلم.
ويمكن رؤية تأثيره في كثير من المخرجين الذين قدموا ذواتهم على الشاشة، ومنهم يوسف شاهين في فيلم “حدوتة مصرية”، الذي تناول بعده بـ3 سنوات قصة مخرج أيضا يعاني من مرض القلب، ويراجع حياته وهي على المحك.
لم تفقد أفلام السبعينيات ألقها على مر السنوات، ويظل هذا العقد يحمل شرف إنتاج بعض أهم الأفلام السينمائية على الإطلاق، والتي لا تخرج قائمة من قوائم الأفضل من دون أن يتواجد فيها على الأقل اثنان أو 3 منها.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.