القاهرة- تخشى مصر من استمرار خفض تصنيفها الائتماني من وكالة إلى أخرى، وما يسفر عنه من تداعيات سلبية على اقتصادها الذي يمر بأوقات عصيبة بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية؛ مما أثار حفيظة الحكومة المصرية بسبب الضغوط التي تثيرها تلك التقارير على الاقتصاد.
كان آخر تلك التقارير وضع وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني تصنيف ديون مصر السيادية طويلة الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلية قيد المراجعة تمهيدا لخفض التصنيف.
يأتي هذا التقرير -الذي يعد بمثابة دق لناقوس الخطر- بعد أيام من خفض وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني تصنيف مصر للمرة الأولى منذ 2013 درجة واحدة.
ما تداعيات خفض تصنيف مصر الائتماني؟
انعكس تقييم “موديز” بشكل مباشر وسريع على السندات المصرية المقومة بالدولار، وأدى إلى انخفاضها بشكل غير مسبوق، حسب وكالة “بلومبيرغ”، التي أكدت أن سندات مصر المتعثرة تهدد بخفض تصنيفها.
وحسب خبراء اقتصاد تحدثوا للجزيرة نت، فإن خفض التصنيف الائتماني يؤثر بشكل مباشر على جدارة مصر الائتمانية وقدرتها على سداد الديون، ويقلل جاذبيتها الاستثمارية لجذب أموال المستثمرين، خاصة في أدوات الدين مثل السندات وأذون الخزانة.
كما يزيد إعادة تقييم التصنيف بالسلب تكلفة التأمين على ديونها، وخفض قيمة سنداتها السيادية نظرا لارتفاع المخاطر، وعدم قدرتها على إصدار سندات جديدة، ويقوض الثقة في قيمة العملة المحلية، واللجوء إلى الاحتياطي النقدي.
ويقول الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار للجزيرة نت إن كل مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية متفقة الآن على التصنيف السلبي لمصر، وهذا يعكس عدم الثقة في السياسة الحكومية، وارتفاع تكلفة الدين الخارجي، وتعريض النظام المصرفي المحلي لمخاطر شديدة.
ما التصنيفات الأخيرة لمصر؟
- في مايو/أيار 2023، خفضت وكالة “فيتش” تصنيف مصر -للمرة الأولى منذ عقد من الزمن- درجة واحدة من “بي+” (B+) إلى “بي”، وعدلت نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية.
- في أبريل/نيسان 2023، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، لكنها أبقت على تصنيفها عند “بي” (B).
- في فبراير/شباط 2023، خفضت وكالة موديز -للمرة الأولى منذ 10 سنوات- التصنيف الائتماني السيادي لمصر إلى “بي3” (B3) من “بي2″، وعدلت نظرتها المستقبلية إلى “مستقرة” من “سلبية”.
وتعد كالات “فيتش” و”موديز” و”ستاندر آند بورز” للتصنيف الائتماني أشهر 3 مؤسسات أميركية تقوم بالتصنيف الائتماني وتهيمن على سوق التصنيفات في العالم بنحو 95%.
ما مبررات الوكالات لخفض التصنيف؟
لم يكن خفض تصنيف مصر الائتماني مفاجئا لصناع القرار الاقتصادي في البلاد، بل سبقته إشارات وتحذيرات من تلك المؤسسات ذاتها باحتمال خفض التصنيف، وهو مؤشر خطير وسلبي، عبر تعديل النظرة المستقبلية إلى سلبية.
ويضيف نوار أن كل المؤشرات كانت تحذر من وقوع مصر في أزمة تمويل كبيرة منذ مارس/آذار 2022، مما أدى إلى خفض قيمة العملة المحلية حينها 15% على الأقل في محاولة لجذب أكبر قدر من أموال المستثمرين.
وفي مايو/أيار 2022، غيّرت “موديز” النظرة المستقبلية لمصر إلى سلبية بدلا من مستقرة، لكنها أبقت تصنيفها عند “بي2″، وهي أول من يخفض نظرته المستقبلية لمصر إلى سلبية.
ويمكن إجمال مبررات وكالات التصنيف بعدة أسباب، من بينها:
- ارتفاع مخاطر التمويل وتشديد شروطها وزيادة حجم الاحتياجات التمويلية.
- التقدم البطيء في خطة تخارج الدولة من الأصول وفقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة.
- وصول الدين العام لمستويات مرتفعة وتراجع احتياطات السيولة الخارجية.
- اكتناف الغموض مسار أسعار الصرف ووجود أكثر من سعر صرف.
- نقص العملة الأجنبية وتراجع تدفقات النقد الأجنبي الخارجية.
وتوصلت الحكومة المصرية لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022 للحصول على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار، ولم يسفر حتى الآن عن نتائج إيجابية.
كيف ردت الحكومة المصرية؟
دافعت الحكومة المصرية عن الوضع الاقتصادي، وألقت اللوم على الأسباب الخارجية؛ مثل جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا. وقال وزير المالية المصري محمد معيط إن الاقتصاد المصري “واقف على رجليه” في مواجهة الصدمات الخارجية.
وأعرب عن تفاؤله الشديد لقدرة بلاده على الخروج من الأزمة، مذكرا بأن مصر مرت بأزمات كثيرة سابقة، مؤكدا أن البلاد ستتجاوز هذه التحديات العالمية.
ورغم إشادة مصر بتقارير المؤسسات الدولية بشأن وضعها الاقتصادي في أكثر من مناسبة، فإنها وصفت التقارير الأخيرة بأنها متحيزة ضدها، وقال معيط لوسائل إعلام محلية “إن هناك تحاملا على مصر من قبل وكالات التصنيف الائتماني”.
ولكنه أقر بأن الاقتصاد المصري تعرض لضغوط كبيرة، ونسبها جميعا إلى أسباب خارجية وليست داخلية، مشيرا إلى أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، مشيرا إلى أن جائحة كورونا استهلكت مكتسبات خطة الإصلاح الاقتصادي على مدار عامين.
هل تتحامل الوكالات على مصر؟
هذه الثقة وصفها أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين بأنها “ثقة مفرطة في غير محلها، وسبقتها تصريحات مماثلة ومتكررة بعد كل أزمة، ولكنها لم تسفر عن حدوث أي تحسن في وضع الاقتصاد، بل تزيد الأوضاع صعوبة”.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن “على الوزير أن يبتعد عن التصريحات الرنانة والأرقام التجميلية، فهناك أرقام ثانوية خادعة، وهناك أرقام أساسية كارثية دفعت وكالات التصنيف نحو الإجماع على وجود مصاعب وتحديات قد لا تستطيع مصر تجاوزها إلا بتكلفة باهظة”.
ودعا شاهين الحكومة المصرية إلى ضرورة تصويب سياستها المالية والنقدية وتصحيح مسار أولويات الإنفاق، لأن هناك تعارضا كبيرا بين كل ما سبق، وليس أمامها سوى طباعة النقود أو الاستمرار في الاقتراض بتكلفة أعلى، ومن ثم لن يحدث أي تقدم، بل ستزداد الأمور سوءا، ولا بد من وقفة حول ضبط السياسات الاقتصادية”.
ما خطة مصر لتجاوز الأزمة؟
تعهدت الحكومة المصرية إزاء التقارير الدولية الماضية باستمرار الانضباط المالي وتحقيق المستهدفات المالية لعام 2022-2023 رغم الصدمات الخارجية الكبيرة والمركبة، مشيرة إلى أنه لولا تغير سعر صرف الجنيه أمام الدولار لكان انخفض الدين إلى الناتج المحلي هذا العام لأقل من 80% بدلا من 95%.
وأكد وزير المالية أن مصر ماضية في تنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات، لتعزيز المسار الاقتصادي الآمن في مواجهة الصدمات الخارجية، وأن هناك حزمة إجراءات مالية ونقدية وهيكلية للتعامل الإيجابي مع توفير الاحتياجات التمويلية الخارجية للبلاد، إضافة إلى الالتزام الكامل ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي.
وتعول الحكومة المصرية على تلبية الاحتياجات التمويلية -حسب بيان الوزير- على ما أشارت إليه وكالة “فيتش” من خلال:
- زيادة الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي.
- ارتفاع حصيلة الصادرات غير البترولية.
- تعافي قطاع السياحة.
- زيادة إيرادات قناة السويس.
وأشار إلى ارتفاع رصيد الاحتياطيات الأجنبية لتصل إلى 34.5 مليار دولار بنهاية أبريل/نيسان 2023.
ما الأعباء المالية الجديدة؟
تواجه مصر عبء زيادة مصروفاتها 34% في السنة المالية الجديدة 2023-2024 إلى 2.990 تريليون جنيه، كما تتوقع ارتفاع الفوائد على ديونها إلى 1.120 تريليون جنيه بنسبة زيادة 44.5% عن ميزانية السنة المالية الحالية، (الدولار يساوي 30.9 جنيها).
تبلغ قيمة فوائد الدين العام المحلي والخارجي الواجب سدادها خلال العام المقبل 1120 مليار جنيه، وقيمة الأقساط الواجب سدادها من الدين العام المحلي والخارجي عن العام نفسه 1316 مليار جنيه.
وارتفع إجمالي الدين العام خلال العام المالي المقبل إلى 2436 مليار جنيه أي نحو 79 مليار دولار، مقابل 1741 مليار جنيه أي نحو 56 مليار دولار خلال العام المالي الحالي بنسبة زيادة بلغت 40%.
ومن المتوقع أن تتجاوز مدفوعات فوائد الديون نسبة 54% من إجمالي إيرادات الحكومة في السنة المالية المقبلة 2023-2024، حسب وكالة فيتش، وهي واحدة من أعلى نسب خدمة الديون بين الدول في تصنيفات الوكالة.
وفي الوقت الذي تتوقع فيه “فيتش” زيادة دين الحكومة المصرية العام إلى 96.7% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2023، مقارنة مع 86.6% في السنة المالية الماضية، يتوقع وزير المالية المصري أن يصل إلى نسبة 95% من الناتج المحلي في الموازنة الجديدة بسبب ارتفاع نسبة التضخم الذي أدى ارتفاع تكلفة خدمة الدين.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.