مجموعة “بريكس” (BRICS) تكتل اقتصادي عالمي بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر/أيلول 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
يضم هذا التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكلمة “بريكس” (BRICS) بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول.
أصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل.
النشأة والتأسيس
على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، سبتمبر/أيلول 2006 في نيويورك، اجتمع لأول مرة وزراء خارجية كل من البرازيل وروسيا والهند والصين، لإعلان بداية تعاون مشترك بين مجموعة دول كانت تسمى “بريك” (BRIC) وهي البرازيل وروسيا والهند والصين.
يونيو/حزيران 2009، عقد رؤساء هذه الدول، وهم البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والروسي ديمتري ميدفيديف، والهندي مانموهان سينغ، والصيني هو جينتاو، اجتماعهم الأول بمدينة يكاترينبورغ في روسيا، ورفعوا درجة تعاون دول “بريك” إلى مستوى القمة.
ثم أعلن الرؤساء تأسيس تكتل اقتصادي عالمي من شأنه أن يكسر هيمنة الغرب وينهي نظام القطب الواحد الذي تتزعمه أميركا، وذلك من خلال التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي العالمي وإصلاح المؤسسات المالية، وكذلك مناقشة الكيفية التي يمكن بها للبلدان الأربعة أن تتعاون فيما بينها على نحو أفضل في المستقبل.
ومع انضمام جنوب أفريقيا رسميا إلى هذا التكتل الرباعي، بمناسبة القمة الثالثة للمجموعة، التي عقدت في الصين يوم 14 أبريل/نيسان 2011، غيّرت المجموعة اسمها إلى كلمة “بريكس” عوضا عن “بريك”.
فكرة أو مصطلح “بريك” صيغ لأول مرة عام 2001، من طرف جيم أونيل كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs)، وذلك في أثناء دراسته وصف الأسواق الناشئة في الدول الأربع المؤسسة للمجموعة، التي كانت تحقق معدلات نمو كبيرة على مستوى الإنتاج العالمي في الفترة ما بين 2000 و2008.
ويضاف إلى ذلك أداء مؤشراتها الاقتصادية، الذي كان أفضل من المتوسط خلال الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008. وتوقع أونيل أن اقتصادات هذه الدول ستهيمن مجتمعة على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050.
الأهداف
تشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.
وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.
إلى جانب ذلك، تعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون الاقتصادي بين الدول الخمس، وهو ما من شأنه أن يسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية، عبر كسر هيمنة الغرب بزعامة أميركا بحلول عام 2050.
ومن بين الأهداف الرئيسية الأخرى للمجموعة رغبة القوى الخمس الناشئة في تعزيز مكانتها على مستوى العالم من خلال التعاون النشط فيما بينها، وذلك من خلال:
- السعي إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
- توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات.
- السعي إلى زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس.
- تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي.
- الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسسات المالية.
- العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار.
- السعي إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.
- التنسيق والتعاون بين دول المجموعة في مجال ترشيد استخدام الطاقة من أجل مكافحة التغيرات المناخية.
- تقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي.
- التعاون بين دول بريكس في العلوم والتعليم والمشاركة في البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي المتقدم.
- وتتوقع الدول الأعضاء للمجموعة أن تحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يعطي زخما جديدا للتعاون الاقتصادي على مستوى العالم.
أبرز المحطات
بعد تأسيس “بريك”، عقد أول اجتماع لمجموعة ضم البلدان الأربعة الأعضاء المؤسسة للمجموعة يوم 16 يونيو/حزيران 2009 بمدينة يكاترينبرغ في روسيا، أما الاجتماع الثاني فقد عقد يوم 16 أبريل/نيسان 2010 في العاصمة البرازيلية برازيليا. وقد أضفى هذان الاجتماعان الطابع المؤسسي على مؤتمرات المجموعة، ومن ثم أسهما في تشكيل واقع جيوسياسي جديد.
ويوم 14 أبريل/نيسان 2011، عقدت القمة الثالثة للمجموعة، في سانيا بجمهورية الصين، وهي أول قمة للمجموعة التي أصبحت تسمى بريكس، بعد الانضمام الرسمي لجمهورية جنوب أفريقيا.
أما مؤتمر القمة الرابع للمجموعة، فقد عقد يوم 29 مارس/آذار 2012 في مدينة نيودلهي بالهند، في حين عُقد مؤتمر القمة الخامس يوم 28 مارس/آذار 2013 في ديربان، بجنوب أفريقيا.
وسبتمبر/أيلول العام نفسه، أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق الذي يعد مشروعا دوليا جديدا بديلا لطريق الحرير.
ويوم 17 يوليو/تموز 2014، عقدت القمة السادسة للمجموعة في فورتاليزا بالبرازيل. أما القمة السابعة، فقد عقدت بمدينة أوفا في روسيا عام 2015، السنة التي عرفت الافتتاح الرسمي لـ”بنك التنمية الجديد” (NDB)، وهو مؤسسة مالية تابعة لمجموعة بريكس مقره في مدينة شنغهاي بالصين، ويعتبر -في تصوره- بديلا لمؤسسة البنك الدولي.
عام 2016، عقد قادة دول بريكس -رئيس البرازيل ميشيل تامر، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس الصين شي جين بينغ، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما- اجتماعا في مدينة شنغهاي بالصين حيث المقر الرئيسي لبنك التنمية الجديد.
وفي الرابع من سبتمبر/أيلول 2017، عقدت دول بريكس القمة السنوية للمجموعة في شيامن بالصين، وانضمت إليها في هذه القمة كل من تايلند والمكسيك ومصر وغينيا وطاجيكستان دولا مراقبة، لمناقشة خطة “بريكس بلس”، التي تهدف إلى التوسع المحتمل للمجموعة.
وفي الفترة الممتدة من 25 إلى 27 يوليو/تموز 2018، عقد قادة بريكس قمتهم العاشرة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، وتمحورت أشغال هذه القمة حول إقامة تعاون اقتصادي متزايد في بيئة اقتصادية دولية متغيرة، على خلفية الفشل الذي عرفته قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى، وحضرت تركيا القمة بصفتها رئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي.
ويوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عقد مؤتمر القمة الحادي عشر للمجموعة في العاصمة البرازيلية برازيليا، وعرفت هذه القمة مناقشة التطورات في مجالات العلوم والابتكار لدول بريكس، وأيضا تطوير التكنولوجيا والعملة الرقمية.
وقد أبرمت في هذه القمة اتفاقات متبادلة للمساعدة في وقف الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة، وأعلن بيانها الختامي “الالتزام بتعددية الأطراف وتعاون الدول ذات السيادة من أجل تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم”.
وعقد مؤتمر القمة الثاني عشر لمجموعة بريكس يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في سان بطرسبورغ في روسيا، بالشراكة مع منظمة شنغهاي للتعاون عبر تقنية التناظر المرئي في أثناء جائحة كورونا.
وناقشت هذه القمة اتفاقا متبادلا حول مساعدة الدول الأعضاء لمجموعة بريكس من أجل مستويات معيشة أحسن وتحسين مستوى معيشة شعوب هذه الدول.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 2021، عقد مؤتمر القمة الثالث عشر في نيودلهي بالهند عن طريق تقنية التناظر المرئي، في حين عقد المؤتمر الرابع عشر في بكين بالصين يوم 23 يونيو/حزيران عام 2022.
الهيكلة الاقتصادية
قررت مجموعة دول بريكس -خلال قمة فورتاليزا التي عقدت بالبرازيل عام 2014- إنشاء بنك تنمية سمي “بنك التنمية الجديد” (New Development Bank) واختصاره “إن دي بي” (NDB)، وصندوق احتياطي في شنغهاي “اتفاقية احتياطي الطوارئ” (Contingent Reserve Arrangement) واختصاره “سي آر إيه” (CRA).
وصل رأس مال البنك، الذي هو بمثابة بنك تنمية متعدد الأطراف تديره دول بريكس الخمس، حينها 50 مليار دولار مع احتمال بلوغه 100 مليار دولار في غضون عامين.
والدور الأساسي لهذا البنك هو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم، وما إلى ذلك، في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى.
وانضمت إلى هذا البنك مؤخرا كل من أوروغواي والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش ومصر بصفتها أعضاء جددا.
أما بالنسبة لصندوق الاحتياطي، فخُصص له مبلغ 100 مليار دولار تحسبا لأي أزمة في ميزان الأداءات. ويعد هذا الصندوق إطارا لتوفير الحماية من ضغوط السيولة العالمية.
وهذا يشمل قضايا العملة، إذ إن العملات الوطنية للدول الأعضاء في المجموعة تتأثر سلبا بالضغوط المالية العالمية، خاصة الاقتصادات الناشئة التي شهدت تحريرا اقتصاديا سريعا ومرت بتقلبات اقتصادية متزايدة.
إضافة إلى ذلك، بدأ قادة دول بريكس، خلال القمة التي عقدت في روسيا عام 2015، مشاورات لنظام دفع متعدد الأطراف، يكون بديلا لنظام الاتصالات المالية بين البنوك العالمية “سويفت” (SWIFT)، من شأنه أن يوفر قدرا أكبر من الضمان والاستقلالية لدول مجموعة بريكس.
خطة “بريكس بلس”
بعد الحرب الأوكرانية وما رافقها من إعادة تشكيل نظام عالمي جديد، ازداد الاهتمام بتكتل بريكس من طرف العديد من الدول، خاصة في ظل الاتجاه نحو تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة، وأيضا بحث روسيا عن شركاء داعمين لها في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية.
لكن قبل ذلك، وخلال قمة بريكس التي عقدت في مدينة شيامن الصينية عام 2017، نوقش ما اصطلح عليها باسم خطة “بريكس بلس” (+BRICS) التوسعية، التي ترمي إلى إضافة دول جديدة للمجموعة.
ومارس/آذار 2023، أكدت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور زيادة اهتمام عديد من دول العالم بالانضمام إلى مجموعة بريكس، مشيرة إلى أن 12 دولة أبدت رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، من بينها السعودية والإمارات ومصر والجزائر وإيران والأرجنتين والمكسيك ونيجيريا وغيرها.
انضمت الإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش وأوروغواي رسميا إلى “بنك التنمية الجديد” التابع للمجموعة أواخر عام 2021، قبل أن تنضم مصر أيضا نهاية مارس/آذار 2023 للمؤسسة نفسها.
عملة جديدة
تسعى دول مجموعة بريكس إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي، إذ أعلن ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يونيو/حزيران 2022، مشددا على أن مجموعة بريكس تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.
هذا الأمر أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يناير/كانون الثاني 2023، حينما قال إن مسألة إصدار عملة موحدة لدول مجموعة بريكس ستناقش في القمة المقرر عقدها في جنوب أفريقيا نهاية أغسطس/آب 2023.
وأضاف لافروف، خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الأنغولية لواندا، عقب الزيارة والمباحثات التي أجراها مع الرئيس جواو لورنسو في أنغولا، حيث قال “هذا هو الاتجاه الذي تسير فيه المبادرات، التي ظهرت قبل أيام فقط، بخصوص الحاجة إلى التفكير في إنشاء عملات خاصة داخل مجموعة دول بريكس، وداخل مجتمع دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”.
من جانبه، قال رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر باباكوف، خلال حديثه على هامش منتدى الأعمال الهندي الروسي في نيودلهي مطلع أبريل/نيسان 2023، إن “مجموعة دول بريكس تخطط لإصدار عملة موحدة للتداول فيما بينها لكسر هيمنة الدولار باعتباره الوسيط الرئيس للتجارة والتسويات الدولية”.
ولم تحسم بعد دول بريكس شكل العملة الجديدة، وتأتي العملات الرقمية ضمن الأفكار المطروحة لهذه العملة التي ستُنشأ على أساس إستراتيجي، لا على أساس الدولار أو اليورو، وتأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والمعادن النفيسة، حسب ما صرح به باباكوف.
وتسابق دول بريكس الزمن -خاصة روسيا التي تخوض حربا عسكرية ضد أوكرانيا وحلفائها الغربيين، وأخرى اقتصادية ضد العالم الغربي- لإصدار هذه العملة الموحدة، بالنظر للعقوبات القاسية المفروضة عليها من طرف الولايات المتحدة وعديد من الدول الأوروبية.
وتسعى هذه الخطوة إلى كسر هيمنة الدولار الأميركي وإنهاء تحكمه في الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه ترى دول بريكس في الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة مواتية لإصدار هذه العملة والاستفادة من التذمر المتزايد من السياسات الأميركية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.