نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية مقالا تناولت فيه كاتبته علاقة الشراكة بين روسيا والصين في العقد الأخير، مستندة في ذلك إلى البيانات الجمركية التي أفصحت عنها بكين، في حين حجبها الكرملين بداعي السرية.
وذكرت مديرة وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة إيكونوميست البريطانية أغاث ديماريس في مقالها بالمجلة الأميركية أن الكرملين كان صرح -إثر العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا عام 2014؛ ردا على ضمها “غير القانوني لشبه جزيرة القرم- بأن الشركات الروسية تتطلع إلى الصين بحثا عن فرص تجارية.
وقالت إن هذا المحور باتجاه الشرق اتخذ طابعا أكثر إلحاحا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022؛ ففي العام الماضي تم تدشين جسرين عبر نهر آمور الذي يرسم الحدود بين الصين وروسيا في جهة الشمال الشرقي.
وأشارت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ تعهدا -في اجتماع بينهما في مارس/آذار 2023- بتعميق التعاون الاقتصادي في إطار شراكة “بلا حدود” بين بلديهما.
لكن ما حجم المساعدة التي قدمتها الصين بالفعل لروسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا؟ ومن هذا السؤال انطلقت ديماريس في تحليلها لتقييم التحول الاقتصادي لروسيا نحو الشرق، مبينة أن هذا الجهد من جانبها ليس بالأمر السهل، ذلك لأن الكرملين أضفى على بياناته التجارية طابع السرية؛ “مما جعل من الصعب تتبع دعم الصين لروسيا”.
وأضافت الكاتبة أنها لم تجد بدًّا سوى البحث في البيانات الجمركية الصينية لمعرفة ما تتبادله الدولتان من عدمه، مشيرة إلى أن تلك البيانات لا تشمل أنشطة التهريب، ومن ثم تكون غير كاملة، لكنها تبقى موثوقة بما يكفي لتقديم صورة كبيرة عن حجم العلاقة التجارية بين البلدين.
وتابعت القول إن الصين تتوخى الحذر -على ما يبدو- من زيادة حجم التجارة مع روسيا. وخلافا للاعتقاد الشائع، فإن “موسكو لا تملك الكثير لتقدمه لبكين”؛ فالصين -حسب زعم المقال- لا تشتري النفط والغاز الروسيين بخصم كبير، وتسعى لتنويع مصادر وارداتها من الطاقة. وبعبارة أخرى، فإن توجه روسيا نحو الصين الذي كثر الحديث عنه -حسب رأي الباحثة- ربما لم يكلل بالنجاح كما يدعي بوتين وشي.
محور على الورق
في عام 2022، استهدفت العقوبات الغربية -في الأغلب- الواردات الروسية من المنتجات الغربية، بما في ذلك قطع غيار السيارات والطائرات والآلات؛ مما يعكس إحجام أوروبا عن التخلص من إدمانها على الطاقة الروسية.
وفقدت روسيا أيضا -والكلام لا يزال لديماريس- إمكانية الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة، التي تعتمد على التكنولوجيا الأميركية، مما تسبب في صداع للكرملين، حيث تحتاج روسيا إلى رقائق دقيقة متطورة لبناء الصواريخ التي تستخدمها في أوكرانيا.
وعلى الورق، يبدو أن العلاقة التجارية الصينية الروسية تكتسب زخما؛ فقد ارتفعت قيمة صادرات الصين إلى روسيا بالدولار الأميركي بنسبة 12.8% العام الماضي، مدعومة جزئيا بتحركات أسعار الصرف جراء انخفاض اليوان الصيني مقابل الدولار الأميركي والروبل الروسي، مما أدى إلى زيادة القدرة التنافسية للصادرات الصينية إلى روسيا.
الصين ليست في عجلة من أمرها لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الشركات الغربية من روسيا؛ مما يثير التساؤل عن الأسباب التي لا تجعل السوق الروسية جاذبة للشركات الصينية
ووفقا لمقال فورين أفيرز، فإن الصين ليست في عجلة من أمرها لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الشركات الغربية من روسيا؛ مما يثير التساؤل عن الأسباب التي لا تجعل السوق الروسية جاذبة للشركات الصينية.
وتقول ديماريس إن بعض الإجابات على التساؤل واضحة؛ فقد سجل الاقتصاد الروسي “ركودا” العام المنصرم، وسيتباطأ النمو الاقتصادي هذا العام أيضا.
ثمة عامل مثبط آخر، ويتمثل في قرار الكرملين العام الماضي الاستغناء عن المعايير الدولية التي تحمي الملكية الفكرية. وبالنظر إلى أن الشعب الروسي يشك تقليديا في الصين، فإن الشركات الصينية تعلم أنها قد لا تُستقبل بترحاب. لكن السبب الرئيسي وراء إحجام الشركات الصينية عن القيام بأعمال تجارية عبر نهر آمور قد يكون له علاقة بواشنطن أكثر من موسكو، على حد تعبير المقال.
وتختتم ديماريس مقالها زاعمة أن توقعات بوتين العريضة من شراكته غير المحدودة مع الصين لم تتحقق، ولم ترد الصين على توجه روسيا “المفعمة بالحماس” بالمثل.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.